ما بين الفينة والأخرى يثار الجدل حول زيارة العرب إلى
فلسطين، وخاصة إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ما أعاد الجدل إلى الأضواء هو زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي للقدس المحتلة، والتي اعتبرت زيارة نادرة لمسؤول عربي.
يأتي ذلك في ظل شبه مقاطعة عربية مسيحية ومسلمة للقدس منذ احتلال
إسرائيل عام 1967 للقدس الشرقية والضفة الغربية، ويرى دعاة المقاطعة بأن الزيارات تحت الاحتلال، شكل من التطبيع مع إسرائيل، خاصة أنهم سيتعاملون مباشرة مع الاحتلال، ويمرون عبر إجراءاته، بينما يرى الطرف المقابل أن الزيارات، تخدم القضية الفلسطينية وتساندها، عبر اطلاع هذه الوفود على أوضاع الفلسطينيين عن قرب، وتفيد الاقتصاد الفلسطيني من خلال السياحة.
زيارات بشروط
المحلل السياسي الدكتور رويد أبو عمشة، يؤيد الزيارات شريطة "أن يتم تنسيق الزيارة مع الفلسطينيين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وأن يكون الهدف من الزيارة هو التضامن مع الشعب الفلسطيني، والاطلاع على معاناته عن قرب دون القيام بأي زيارة للجانب الإسرائيلي لأن ذلك سيعتبر تطبيعا".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": "مع تركيز الزيارات لمدينة القدس، سيما وأننا غير قادرين نحن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة على زيارتها فسيكون الزوار العرب والمسلمون مساندين في ذلك لإخواننا في الـ 48 الذين يقع على كاهلهم وحدهم عبء زيارتها والتواجد فيها، ومجرد المرور بأسواقها سيعطي معنوية لأهلها ودعما اقتصاديا كذلك، هذه الخطوات تشعر المقدسيين بأن هناك من يتضامن معهم؛ وبالمختصر زيارة ذوي السجين له لا تعني أبدا زيارتهم للسجان".
وفي رده على المعارضين للزيارات قال: "كيف ستستفيد إسرائيل سياسيا حينما تزور الوفود العربية فلسطين وتشاهد معاناة الشعب الفلسطيني وتعود لتروي ذلك لشعوبها؟ لذلك فالشرط أن يتم التنسيق مع الجانب الفلسطيني في الزيارة وبالتالي السماع للرواية الفلسطينية وعدم لقاء الجانب الإسرائيلي لأنه هو التطبيع بعينه".
اعتراف بإسرائيل
بدوره اعتبر المحلل السياسي الدكتور يوسف عبد الحق، أن الزيارات العربية إلى فلسطين تحمل "مخاطر جمة ولا فائدة من ورائها وهي مقدمة لاعتراف عربي بالكيان الصهيوني".
وأضاف في حديثه إلى "
عربي21": "لا يوجد أي مبرر لقدوم زعيم أو وفد عربي للضفة الغربية، فإذا أراد الرئيس والقيادات الفلسطينية اللقاء مع القيادات العربية فمن السهولة التوجه إليها بدلا من قيام مسؤول عربي بزيارة الأراضي المحتلة بإذن إسرائيلي".
ويرى أن هذه الزيارات "بداية الاعتراف بالكيان الصهيوني، خاصة بعد اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان".
إن من يريد دعم الشعب الفلسطيني ومؤسساته فعناوينها معروفة، فالمؤسسات جاهزة لاستلام أي دعم وتوزيعه بنزاهة، وإذا كان شك في النزاهة يمكن طرح القضية ليصار تعديل مسارها".
وذهب عبد الحق للقول إن "ما يجري حاليا من زيارات يظهر أن السياسة الفلسطينية الرسمية يعتريها مشكلتان: عدم وضوح الرؤية والتخبط، والمشكلة الثانية تشاركها حركة حماس وهي استمرار الانقسام".
وأيده في كلامه المحلل السياسي عماد صلاح الدين، الذي شكك بجدوى الزيارات، وخاصة أن المستوى الرسمي الإسرائيلي رحب بها، وقال لـ"
عربي21": "هل ستسمح إسرائيل بدخولهم إلا إذا كان لها مصلحة؟ لا أقول أن هنالك تآمرا مباشرا على القضية، لكن يمكن تقديم الدعم السياسي والمالي والإعلامي، قبل هذه الأمور الثانوية، عليهم تقديم الأساسيات قبل الزيارات".
وأضاف صلاح الدين، أن "ترامب جاء معه مشروع تطبيعي في العالم العربي، ومن خطوات التطبيع هذه الزيارات التي تتم، فحين يراد تمرير الأشياء الكبيرة تبدأ بخطوات بسيطة حتى يتأقلم الناس معها، وعمل حالة تخدير للرأي العام".
كسر للعزلة
إلا أن للدكتور إياد صوان وهو من سكان مدينة القدس، رأيا مخالفا، حيث قال لـ"
عربي21" إنه "مع كسر العزلة عن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، من خلال زيارة العرب والمسلمين والمسيحيين لهذه الأماكن التي تعاني من حصار إذا امتد وتعمق فإن ذلك لن يكون لصالح المسجد الأقصى ولا كنيسة القيامة".
ونوه إلى أن "يقوم الزائرون بدور السفراء لإيصال الواقع الديني والتاريخي لشعوبهم في ما يخص هذه الأماكن الدينية، التي ليست للفلسطينيين والمقدسيين وحدهم وإنما لكل العرب والمسلمين والمسحيين، لا أعتقد أن زيارة المسلمين للمسجد الأقصى والكنيسة يصب في خانة التطبيع، ويفضل للزائرين الرسميين التنسيق مع دائرتي الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس".
وأردف صوان قائلا: "علينا التعامل بواقعية مع الأمور، وليس برومانسية سياسية، مثلا إذا كانت لي أرض يحاصرها الاحتلال وبداخلها زيتونة ألا أدخل إليها وأسقيها أم اتركها تذبل وتموت حتى يرحل الاحتلال؟".
ومن خلال مشاهداته لزيارات وفود من تركيا وجنوب شرق آسيا وغيرهم للمسجد الأقصى، قال صوان إنه "شعر بسعادة كبيرة من سكان القدس حين رؤيتهم الوفود الذين يدخلون إلى المسجد الأقصى ويصلون فيه، وأيضا مشاعر الفرح عند هذه الوفود".
السياحة السياسية
أما الناشط ضد التطبيع صلاح الخواجا، فاعتبر أن "أي زيارة للشعب الفلسطيني يجب أن يكون مرحبا بها، لكن هناك فرق ما بين الزيارات السياسية الهادفة لتعزيز العلاقة مع إسرائيل أو في إطار مدخل لتعزيز العلاقة مع الإسرائيليين أو الاستخدام لبعض القضايا التي تحاول إسرائيل أن تستغلها بما يسمى السياحة السياسية".
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21": "نحن نؤمن وندرك أن إسرائيل تحاصر الشعب الفلسطيني من كل الجهات ومن كل المعابر سواء على معبر أريحا أو من المطارات، ولكن لنا وجهة نظر أن الزيارة حين تكون من أريحا وتأتي المناطق الفلسطينية، ويستهدف منها الحضور للفلسطينيين لتشارك معهم أو العمل معهم أو بالمعنى الاجتماعي أو العائلي فلا أحد يستطيع أن يرفض هذه الزيارات، لكن الخطر الكبير في عمليات تقديم التصاريح هو استخدام التصاريح لفرض أمر واقع تطبيعي على بعض الشخصيات أو الزوار أو مكاتب السياحة وآليات العمل الإسرائيلية، نحن نعتبر أننا بغنى عنها ونرفضها ونعتبرها تضر بالشعب الفلسطيني".
واستدرك بقوله: "لكن التواصل مع الشعب الفلسطيني مهم، والحفاظ على الزيارة لفلسطين وللفلسطينيين مهم وحتى الحملات التي يمكن أن تكون لدعم الشعب الفلسطيني والتبادل التجاري والاقتصادي مهم جدا، ولكن هذا يجب أن لا يكون مشروطا بزيارة لدولة الاحتلال، ولا للاعتراف بها، ولا على أرضية التنسيق لدخول لفلسطين من خلال الاحتلال، الهدف الرئيس للزيارة يجب أن يكون واضحا للزائر وللفلسطينيين".