ضجت وسائل إعلام
مصرية ورواد مواقع تواصل اجتماعي،
بأزمة المياه في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا، وأن المياه سوف تتوقف عن التدفق
عبر صنابير المياه في منتصف نيسان/ أبريل المقبل، أو ما يسمى "بيوم الصفر
المائي"، بالتزامن مع نشر مشاهد انحسار مياه
النيل
على غير العادة في مثل هذا الوقت من العام.
ودللت القنوات والصحف في تقاريرها على أن
العالم مقبل على أزمة حادة في مياه الشرب، وأن هذا المصير يهدد مدنا أخرى من بينها
مدينة القاهرة، أكبر مدن مصر وأفريقيا من حيث عدد السكان بنحو 18 مليون نسمة أي
20% من إجمالي عدد سكان البلاد.
وأوضح خبراء مياه ومحللون سياسيون تحدثوا
لـ"
عربي21" أن الإعلام المصري ربما يهيئ المصريين لمثل تلك اللحظات من
خلال عرض تقارير مصورة وصحفية عن أزمة المياه، وإسقاطها على الوضع في مصر، وإظهار
الأزمة على أنها تتعلق بالتغيرات المناخية، والإسراف في المياه دون تحميل الحكومة
أي مسؤولية.
نصف الحقيقة
وتعليقا على تلك القضية؛ قال خبير الموارد
المائية وأستاذ السدود، محمد حافظ، لـ"
عربي21": إن "الإعلام المصري
يحاول التلاعب في العقل الجمعي للشعب المصري بالإيحاء له أن مشكلة الجفاف هي مشكلة
كونية لا يد لأحد بها، وكما جفت مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا قد تجف أيضا مدن
مصر بسبب التغيرات المناخية".
وأوضح حافظ أن "هذا القول ليس أكثر من نصف
الحقيقة؛ فجفاف كيب تاون هو فعلا نتيجة التغييرات المناخية والتي كان من الممكن
تفاديها لو أوقفت الحكومة الهجرة لها من الريف. أما بالنسبة للوضع في مصر فالقاهرة
قد تتعرض للجفاف حقا ولكن ليس لنفس الأسباب، بل بسبب استقطاع كامل تدفق النيل
الأزرق والذي يساهم بمقدار 60% من حصة مصر ذات الـ 55.5 مليار متر مكعب".
وبيًن أن "هذا الاستقطاع ليس له علاقة
بالتغير المناخي بل بسبب تهاون الحكومة المصرية في الدفاع عن حق شعبها التاريخي في
مياه النيل الأزرق؛ مما شجع إثيوبيا على بناء
سد النهضة".
واختتم بالقول: "في حالة استكمال إثيوبيا
بقية السدود الثلاثة التي تعلو سد النهضة خلال الفترة بين عام 2021 إلى 2024 فهذا
معناه بشكل مباشر حرمان مصر كليا من تدفقات النيل الأزرق، والسماح للحكومة
الإثيوبية بتصدير المياه لمصر بسعر أقل من سعر تحلية مياه البحر".
تهيئة الأجواء
أستاذ العلوم السياسية والخبير فـي الـشـؤون
الأفريقية، بدر شافعي، قال لـ"
عربي21": "كل هذا الذي يحدث في مصر
ليس له علاقة بسد النهضة، لكن المشكلة ستظهر مع بدء التخزين، ربما هذا الصيف؛
وبالتالي هم يعملون على تهيئة الناس لترشيد الاستهلاك".
وقال شافعي إن "المشكلة تكمن في سياسة الدولة
المائية بالأساس، وعدم الترشيد سيفاقم المشكلة، خاصة أن موارد مياه النيل محدودة،
وبالتالي كان يفترض السعي لزيادتها عبر تحسين العلاقات مع دول حوض النيل للبحث في
مشاريع إضافية تزيد النسبة لا تقللها".
وفيما يتعلق بالاستثمار بمجال المياه أكد أن
"الاستثمارات داخل مصر فهي إما تحلية مياه البحر، أو المياه الجوفية وهي
قليلة، أو الأمطار وهي أكثر ندرة؛ ولهذا قرر السيسي إعادة استخدام مياه المجاري
رغم تكلفتها التي تقدر بنحو 600 مليار، بسبب خلافتنا مع دول حوض النيل".
مصير مجهول
المحلل السياسي، محمد السيد، استبعد أن يكون
نقص المياه في مصر عامة والقاهرة خاصة بسبب التغير المناخي، وأكد
لـ"
عربي21" أن "كل المؤشرات تقول إن مصر ستتعرض لنقص حاد في المياة
بسبب إنشاء سد النهضة؛ حيث أن النيل الأزرق الذي تم تحويل مساره منذ أكثر من عام
لكي يَصب في خزان خاص بسد النهضة سيؤدي إلى نقص في المياه الواردة عبر النهر إلى
مصر".
وأضاف السيد لـ"
عربي21" أنه "ونتيجة
لذلك بدأت بوادر جفاف تظهر في عدة مناطق من النهر، وانخفاض منسوبه أدى أيضا إلى توقف
عدد من السفن السياحية في جنوب مصر، وظهور جزر داخل مجرى النهر في أكثر من مكان
بمحافظة القاهرة والجيزة ويمكن رؤيتهم بوضوح".
وحمل الحكومة المصرية تبعات ما قد يحدث فيما
يتعلق بمياه نهر النيل، قائلا: "على مدار سنوات أخفقت الحكومة في علاج الأزمة
منذ بدايتها وتعقدت بتوقيع اتفاق المبادئ الذي عقد في آذار/ مارس عام 2015
بالخرطوم"، محذرا من أن "مصر مقبلة على سنوات عجاف، فِي ظل قيادة لا
تقدر حجم المخاطر ستكون العواقب وخيمة".
ولفت السيد إلى أن "المواطن البسيط لن
يستطيع شراء مياه الشرب النقية مستقبلا، ناهيك عن ارتفاع ثمن فواتير المياه التي
تضاعفت قيمتها في السنوات الماضية، وفي ظل احتياجات مصر من المياه المتزايدة تقل
حصة مصر من مياه النيل".