لعل أخطر الأضرار وأطولها مدى في حصار قطر وأزمة الخليج؛ هي تلك التي أصابت النسيج الاجتماعي للدول المعنية بالأزمة. هاته الفرضية تجد مستنداتها النظرية والعملية في جملة من المعطيات التي تميز المشهد الخليجي بشكل عام اليوم، وتتجلى في مختلف الحالات والتعبيرات التي تعكس ما أصاب المجتمع وروابطه الأسرية من ضرر بالغ.
تمثل منطقة الخليج نسيجا اجتماعيا واحدا وتتشكل من مجموعة موحدة من القبائل العربية التي تمتد من اليمن، وصولا إلى العراق وإلى ما وراء العراق. إضافة إلى هذا الامتداد الذي يتجاوز الرقعة الجغرافية لمنطقة الجزيرة العربية، فإن شعب الجزيرة يمثل كتلة بشرية واحدة تقريبا على مستوى اللغة والتاريخ والعقيدة والعادات والتقاليد بشكل عام. بعبارة أخرى، فإن الكتلة الاجتماعية الخليجية تعتبر أصلب الكتل الاجتماعية في المنطقة؛ بسبب عوامل كثيرة منها العامل القبلي والعامل التاريخي والعامل المناخي الجغرافي أيضا.
فرغم الانتماءات الإقليمية، أو ما يسمى بالدولة الوطنية التي تأسست في منتصف القرن الماضي بمقتضى اتفاقيات ومعاهدات دولية، فإن النسيج القبلي والعائلي الخليجي بقي محافظا على صلابته وتماسكه، متجاوزا بذلك الحدود الإقليمية التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو خاصة والاتفاقيات المكملة لها.
لعل أخطر الأضرار وأطولها مدى في حصار قطر وأزمة الخليج؛ هي تلك التي أصابت النسيج الاجتماعي للدول المعنية بالأزمة
لم تتردد الأنظمة هناك في توظيف كل الوسائل المتاحة من أجل شيطنة الآخر، حيث وظفت القبيلة والعشيرة والعائلة والتاريخ والانتماء وكل روابط الأسرة والمجتمع من أجل شيطنة الآخر
صحيح أن الدولة الإقليمية العربية التي رسم لها المستعمر حدود مجالها ونفوذها قد بالغت في قداسة هذه الحدود، محاولة أن تجعل أول درجات الانتماء وأعلاها إنما هي لهذه الحدود لا للروابط التاريخية الوجودية التي تربط بين شعوب المنطقة من قرون من الزمان. فرغم وجود الجنسيات الخليجية المختلفة، فإن شعوب المنطقة تعيش على مبدأ كونها عائلة واحدة لم تنجح خطوط الاستعمار في التفريق بينها، وفي ترسيم حدود نفسية تفصل بين مكونات المنطقة الواحدة.
قامت الأزمة الخليجية الأخيرة باللعب على الوتر الإقليمي باعتباره أصل الانتماء وصار الانتماء إلى حدود سايكس بيكو مقياسا للوطنية وللانتماء، بل صار إنكار هذا الانتماء جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن.
أكبر الأخطار التي تهدد الأمن الاجتماعي في المنطقة العربية، إنما تتمثل في نظامها السياسي الذي أصبح يشكل خطرا وجوديا على الأمة وعلى تلاحم أطرافها
إن أهم التحديات التي تواجه المنطقة الخليجية مستقبلا هو ترميم الصدع الذي سببته الأزمة الأخيرة وتجاوز آثارها الكارثية على شعوب المنطقة. لكن رغم كل ما حدث ورغم خطورته، فإن شعوب المنطقة تدرك بفطرتها السليمة أن روابطها المشتركة تتجاوز صبيانيات الساسة ومغامراتهم البائسة، وهي تعلم جيدا أن النظام يتغير لكن الشعوب تبقى ولا تتغير.
فلسطين: المؤامرة، المأزق.. والمخرج؟