على مدار سنوات سعت السلطات في مصر، دون جدوى، إلى إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة ما تعتبرها واشنطن منظمات إرهابية.
والإخوان هي أبرز معارضي النظام الحاكم حاليا، وتعتبرها السلطات المصرية جماعة إرهابية، منذ أواخر عام 2013، أي بعد أشهر من الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، والمنتمي للجماعة.
"حسم" و"لواء الثورة"
ويبدو أن الأمل تجدد داخل الدوائر الرسمية في القاهرة بشأن إمكانية إقناع واشنطن بالإقدام على هذه الخطوة، بعد أن أدرجت حركتا "حسم" و"لواء الثورة" المسلحتان في مصر على قائمة الإرهاب الأمريكية.
لكن يبدو مستبعدا أن تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هذه الخطوة لأسباب متعلقة بـ"المصالح الأمريكية وتعقيدات تنفيذ القرار، فضلا عن وجود قناعة داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكية بسليمة فكر الجماعة"، وفق محللين سياسيين وتصريحات أمريكية.
اقرأ أيضا: جماعة الإخوان تعلق على العملية الشاملة بسيناء.. ماذا قالت؟
وبعد نحو 11 يوما من زيارة مايك بنس، نائب ترامب، للقاهرة، وحديثه عن دعم بلاده لمصر في محاربة الإرهاب، جاء قرار واشنطن بحق حركتي "حسم" و"لواء الثورة"، في 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد نحو عامين من نشأتهما، وذلك لارتباطاتهما بأعمال عنف في مصر.
وتتصاعد احتمالية أن يكون إدراج الحركتين قد جاء، وفق مراقبين، في إطار مصالح أمريكية مع القاهرة، عقب اعتبار ترامب، في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، القدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، وهو ما أثار غضبا عربيا واسعا من واشنطن.
ضمن هذه الرؤية، فإن إدراج الحركتين على قائمة الإرهاب بدا وكأنه أشبه بـ"ترضية" أمريكية لمصر، مقابل تمسكها ببقاء واشنطن وسيطا في عملية السلام وقبولها استقبال بنس، الذي قاطعت السلطة الفلسطينية جولة له شملت أيضا الأردن وإسرائيل، الشهر الماضي.
ورغم استبعاد المحللين وقياديّ في الجماعة أن تدرج واشنطن الإخوان على قائمة الإرهاب، إلا أن كل شيء يظل واردا، في ظل وجود ترامب، صاحب القرارات المفاجئة، وفق قيادي إخواني آخر.
ويحظر قانون الإدراج الأمريكي على أي شخص أمريكي أو موجود في الولايات المتحدة، أن يتصل بأي من المدرجين فيه، وتوضع جميع التعاملات المالية وأملاك هؤلاء المدرجين، ضمن نطاق صلاحياتها، تحت الحظر.
وخلال زيارة للقاهرة، في 12 شباط/ فبراير الجاري، اكتفى وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بالحديث عن دعم مصر في محاربتها لـ"الإرهاب"، ومهاجمة تنظيم الدولة في سيناء (شمال شرق)، دون أن يتطرق إلى الإخوان.
فيما أعربت القاهرة، خلال زيارة تيلرسون، عن تمسكها بواشنطن وسيطا في عملية السلام المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ نيسان/ أبريل 2014.
القاهرة وواشنطن
جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست عام 1928 ولها أنصار ومؤيدون في أنحاء كثيرة من العالم، نفت في بيانات وتصريحات لقياداتها وجود أي ارتباط لها بحركتي "حسم" و"لواء الثورة"، أو حملها للسلاح.
وبعبارة "لا نرجوه.. ولا نخشاه" عقّب نائب مرشد الإخوان، إبراهيم منير، في تصريحات لـ"الأناضول"، في شباط/ فبراير2016، على موافقة مبدئية أقرتها لجنة برلمانية أمريكية على مشروع قانون يسمح بإدراج الإخوان على قائمة الإرهاب. واعتبر منير، آنذاك، أنه ليس من السهل أن ينفرد الرئيس الأمريكي بهذا القرار في ظل وجود دولة المؤسسات.
وبخلاف ترحيب الخارجية المصرية، في بيان، بالقرار الأمريكي بشأن "حسم" و"لواء الثورة،" تتحدث تقارير إعلامية محلية، منذ أشهر، عن مساع برلمانية مصرية لإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، عبر تجهيز ملف شامل ضد الإخوان موجه إلى واشنطن ولندن.
وحتى قبل وصول ترامب للبيت الأبيض، في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، توجد محاولات أمريكية شبه رسمية لوضع الإخوان على قائمة الإرهاب، رغم حرص الإدارات الأمريكية على وصف الجماعة بالاعتدال، استنادا إلى موقف مؤسساتي.
وفي حزيران/ يونيو 2017 نقلت تقارير إعلامية عن تيلرسون، أنه يرى أن وضع الجماعة التي تضم ملايين الأعضاء وأجنحة متعددة برمتها على قائمة الإرهاب، هو أمر معقد؛ وذلك ردا على سؤال بشأن إمكانية تصنيفها "إرهابية".
وجاء تصريح تيلرسون بعد نحو عام على تصريح له، حين كان مرشحا لتولي حقيبة الخارجية في حملة ترامب الانتخابية، توعد فيه بأنه "فور الانتهاء من القضاء على تنظيم الدولة كأولوية أولى، يجب مواجهة المنظمات الداعمة للإرهاب، على غرار القاعدة والإخوان".
اعتبارات
القيادي البارز في الإخوان، محمد سودان، المقيم بلندن، قال لـ"الأناضول" إن "الجماعة تنبذ العنف"، واستبعد إقدام الولايات المتحدة على وصمها بالإرهاب، "كونها دولة مؤسسات، وليست دولة الرجل الواحد".
وأضاف أنه "سبق أن طالب نواب في الكونغرس اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، ولكن توصيات إدارة الأمن القومي والاستخبارات الأمريكية رفضت ذلك لخطورته".
واستبعد سودان أن يتجه الغرب إلى وصم الجماعة بالإرهاب، واستشهد بتقرير بريطاني، صدر نهاية 2015، حول نشاط الإخوان (انتهى بسلميتها)، وقرار من وزارة الداخلية البريطانية، في آب/ أغسطس 2016، بمنح حق اللجوء السياسي لقادة الجماعة (حال إظهار أنهم عرضة للاضطهاد).
على مسافة قريبة، قال زهير سالم، مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية بلندن (غير حكومي)، إن التمنيات العربية، لاسيما من مصر والسعودية والإمارات، بوصم واشنطن الإخوان بالإرهابية، هي "محاولات لن تجدي نفعا".
وتابع سالم، وهو محسوب على الجماعة، في حديث لـ"الأناضول"، أن "ترامب كان متشجعا في السير بهذا الطريق، لكن مستشاروه ومساعدوه على الأرجح أبلغوه بأن هذه الخطوة غير صحيحة لا علميا ولا سياسيا؛ لأن انعكاساتها ستكون خطيرة".
في هذا الصدد، أعد عمرو دراج، وهو قيادي بارز في الإخوان، دراسة في شباط/ فبراير 2017، حول الإدراج المحتمل، خلص فيها إلى "عدم ترجيح تصنيف الإخوان بشكل سريع، كما كان يُخطط له، إلا أنه برغم العوائق، لا يمكن استبعاد هذا الأمر بشكل نهائي، فقرارات ترامب ونوعية مستشاريه المقربين، غير قابلة للتنبؤ".
وفي هذه الدراسة، وضع دراج ثلاثة أهداف للاستجابة للقرار "تتعلق بالداخل الأمريكي نفسه، ومحاولة تحجيم المنظمات الإسلامية العاملة بقوة في أمريكا، وحصار العمل الإسلامي حول العالم بقيود حظر الدخول والملاحقة المالية، والاستجابة لضغوط الحلفاء في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات ومصر"، واستدرك: "إلا أنه يبدو أن مثل هذا التصنيف ليس بالأمر الهين لأسباب كثيرة".
وذكر من هذه الأسباب، نقلا عن أكاديميين وباحثين ومؤسسات حقوقية، أنه سيكون استهدافا انتقائيا، فجماعة الإخوان ليست واحدة بالعالم، وسيفتح الباب أمام تحول شباب إلى العنف، وتعقيد واشنطن لعلاقاتها مع حلفاء في المنطقة رافضين لذلك.
وفي شباط/ فبراير2017، حذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية من خطورة احتمال تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وما يمكن أن يترتب عليه من تبعات تشكل انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية، سواء لمواطنين أو منظمات أمريكية أو غيرها.
ووفق المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، كمال حبيب، فإن "الرؤية الغربية تميز الحركات الإسلامية، ولا تضع الجميع في سلة واحدة، بخلاف الدول العربية".
اقرأ أيضا: الإخوان: لا تصالح مع الانقلاب ولا نمانع في البحث عن مخرج
وشدد حبيب، في حديث لـ"الأناضول"، على أن "الموقف بالنسبة لحسم ولواء الثورة قائم على معلومات إدانة، أما بالنسبة للإخوان فالأمر قائم على اعتبارات سياسية بلا دلائل قوية".
ورقة مصالح
السياسي المصري، مجدي حمدان، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (ليبرالي)، اعتبر أن الإخوان مجرد "ورقة ضغط تلوح بها الإدارة الأمريكية في وجه نظام (رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح) السيسي متى أرادت، وقدمت التوصيف الأخير لحسم ولواء الثورة في ضوء مصالحها في العالم".
واعتبر حمدان، في حديث لـ"الأناضول"، أن "الإدارة الأمريكية لا تريد أن تفقد ورقة الإخوان، فهي لا تلقي بأوراقها جزافا، وأولوياتها اليوم هي إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمنظورها"، واستبعد إدراج واشنطن الإخوان على قائمة الإرهاب، لأنها ترى الوضع في مصر "صراع على السلطة".
واستدرك حمدان: "لكنها ربما تتحول عن دعم الإخوان ولا تنظر إلى مطالبها بشأن المعتقلين وقضايا الإعدام، أو عودتها (جماعة الإخوان) إلى الحياة السياسية".
وتشهد مصر، في آذار/مارس المقبل، انتخابات رئاسية تبدو نتيجتها شبه محسومة لصالح فوز السيسي بولاية رئاسية ثانية، ما يرجح الاستمرار في محاولة إقناع واشنطن بالتحرك ضد جماعة الإخوان، ما لم تحدث تطورات تغير من طبيعة المشهد الراهن.