نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لمدير برنامج الشعوب في المرحلة الانتقالية في مؤسسة "فريدوم هاوس"، نيت شينكان، يبحث فيه الحرب التي تشنها الحكومة التركية ضد أعضاء تنظيم غولن.
ويستشهد شينكان في بداية مقاله بما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العام الماضي، عندما تحدث في اجتماع لحزب العدالة والتنمية في تشرين الأول/ أكتوبر، حول الخطوات التي تم اتخاذها إلى الآن للقضاء على حركة رجل الدين المنفي فتح الله غولن، المتهمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016، وبعد أن تحدث عن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد ما أصبح يعرف رسميا في تركيا باسم منظمة الإرهاب التابعة لفتح الله غولن، أبدى أردوغان رغبته في تفكيك شبكاته في الخارج.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أردوغان قال للحاضرين إن أعضاء ذلك التنظيم لن يشعروا بالأمان في الشرق أو في الغرب "وإن لم يكن اليوم فغدا أو يوما ما سيدفع كل عضو في هذا التنظيم ثمن الخيانات للوطن وللشعب".
ويعلق شينكان قائلا إن "تلك الكلمات لم تكن فارغة، فالحكومة التركية، وقبل محاولة الانقلاب، كانت تتصيد معارضيها في الخارج، خاصة أولئك المنتمين لجماعة غولن، واتبعت الحكومة سياسة عدوانية فيما لا يقل عن 46 دولة، وفي أربع قارات لإسكات من تراهم أعداء، حيث استخدمت الإنتربول أداة سياسية، وقامت بالامتناع عن تجديد الجوازات والاعتقال والتسفير، أو التسليم لمئات الأتراك إلى ما لا يقل عن 16 بلدا مختلفة، وكثير من المبعدين هم من الباحثين عن اللجوء والذين تحميهم القوانين الدولية، بالإضافة إلى أنها أقنعت ما لا يقل عن 20 بلدا بإغلاق أو تحويل ملكية المدارس التابعة لغولن".
ويقول الكاتب إن "تركيا ليست الوحيدة في تتبع معارضيها في الخارج، ولا هي المرة الأولى التي تقوم بها بذلك، لكن هذا الجهد، الذي يعكس الجهد المحلي بعد محاولة الانقلاب لتخليص المؤسسات التركية من أي شخص على علاقة بغولن، يتميز بالسرعة والحجم والعدوانية، كما أنه يظهر مدى سهولة ما تسميه العالمة السياسية دانا موس: (القمع العابر للبلدان)، وكيف يهدد انتشاره أي أمل بعولمة النظام الليبرالي، الذي تنشأ عنه الديمقراطية".
ويجد شينكان أنه "لا يمكن فهم عملية التطهير العالمية دون فهم حركة غولن، التي تشكل جزءا مهما من الوجود التركي خارج تركيا، والتي شكلت حتى وقت ليس ببعيد جزءا من القوة الناعمة للدولة، حيث نشأت الحركة في تركيا خلال سبعينيات القرن الماضي، ونجت من الانقلاب العسكري عام 1980، باصطفافها إلى جانب الحكومات المتتالية، سواء كانت حكومات عسكرية أو علمانية، وتسويقها لإسلام قومي يشجع التقدم تواءم مع عقيدة الجمع بين القومية التركية والإسلام، التي ازدهرت بعد انقلاب عام 1980، حيث سوقت الحكومات المتعاقبة الهوية الإسلامية كأساس للقومية التركية؛ في محاولة منها لمنع ثورة يسارية متوقعة".
ويلفت الكاتب إلى أن "حركة غولن كانت مصطفة إلى جانب الحكومة في نهاية الحرب الباردة، وخلال فترة تحرير الاقتصاد التركي، وكلا الأمرين منح تركيا فرصة مد قوتها الناعمة للخارج، ابتداء في البلقان ووسط آسيا، وكانت تلك مناطق فتحت أبوابها حديثا وعلى علاقة تاريخية بتركيا، ما جعل أمر العودة إليها أمرا سهلا، لكن كانت تنقص تركيا الموارد البشرية والمادية لتكون لديها سياسة خارجية عالمية, وهنا جاء دور مدارس غولن، حيث شكلت موقعا متقدما لتركيا في العالم".
وينوه شينكان إلى أن "مدارس الحركة في الخارج شكلت العمود الفقري للشبكة الدولية، حيث ركزت على تنمية النخبة لتكوين (جيل ذهبي)، وتأقلمت المدارس مع الظروف المحلية في كل بلد، وقدمت تعليما ذا نوعية عالية، حيث درست الرياضيات والعلوم باللغة المحلية أو اللغات الدولية، مع جرعة مخففة من القومية التركية، وقليل من العلوم الدينية أو دونها، والفائدة للدولة التركية كانت واضحة، فأظهرت مدارس غولن تركيا بأنها بلد منفتح، وأصبحت تلك المدارس أماكن لتشكيل العلاقات مع النخبة وأطفالهم في عشرات البلدان".
ويبين الكاتب أنه "في بداية الألفية الثانية، تمدد دور هذه المدارس بشكل درامي تحت إدارة حكومات حزب العدالة والتنمية المتتابعة، وكان غولن نفسه فر من تركيا عام 1999 إلى أمريكا؛ خشية أن يعلق في الحملة التي قام بها الجيش ضد كل من ارتبط بالحكومة السابقة التي قادها حزب الرفاه الإسلامي، وبقي يعيش في منفاه حتى بعد أن صعد حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002، وحتى بعد أن أصبح تحالف حركته مع حزب العدالة والتنمية أكثر حميمية، وكان حزب العدالة والتنمية حينها عبارة عن مظلة يضم تحت جناحيه المتدينين ورجال الأعمال المحافظين والليبراليين وأفراد الأقليات الذين تعبوا من التدخلات العسكرية والقومية، ولم تشكل الحركة إلا جزءا صغيرا من قاعدة الحزب، لكنها أدت دورا أساسيا في تقديم الكوادر المؤهلة لشغل مختلف المواقع في الوظائف الحكومية والجيش، وتسويق الحكومة محليا وفي الخارج، من خلال أذرع الحركة الإعلامية والمجتمع المدني".
ويفيد شينكان بأن "التحالف ولد (جيلا ذهبيا)، لصورة تركيا الدولية على الأقل، وحيث الحركة كانت تعمل للحزب بالوكالة فإن الحزب استخدمها ليعكس رؤية للقوة الناعمة لتركيا كونها بلدا حديثا ورأسماليا وإسلاميا في وقت واحد، ويشكل هذا نموذجا للشرق الأوسط بعد أن يئست أمريكا وأوروبا الغربية من انتظار الأخبار الجيدة من المنطقة، ووسعت تركيا من دبلوماسيتها لتشمل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، وأدى إعلام الحركة، خاصة صحيفتها الإنجليزية الرائدة (توديز زمان)، دورا، حيث تم تحسين صورة تركيا بشكل كبير خلال هذه الفترة، وأينما ذهبت الحكومة التركية فإنه تم بناء مدارس لغولن".
ويستدرك الكاتب بأنه "في عام 2013 اختلفت حركة غولن مع حزب العدالة والتنمية؛ بسبب آرائهما المختلفة بشأن حزب العمال الكردستاني وإسرائيل والفساد في الحكومة، ووصل ذلك التوتر إلى ذروته في 17- 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، عندما اعتقلت الشرطة 52 شخصا، بمن فيهم أبناء ثلاثة وزراء حكومة ومدير البنك الحكومي وتاجر الذهب رضا زراب بتهم الفساد، وشجبت الحكومة تلك الاعتقالات، وقالت إنها محاولة لسرقة السلطة، وبأنها جزء من سلسلة من الجهود الناعمة لإسقاط الحكومة، بتدبير من أعدائها، ووصل الخلاف إلى ذروته في محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016".
ويورد شينكان أن "تركيا ضغطت منذ محاولة الانقلاب على عدة دول لاعتقال وترحيل مئات الأشخاص من أنحاء العالم، وبحسب إحصائيتي، فإن هناك 15 دولة قامت باعتقال وترحيل ممثلين عن الحركة، وتتضمن تلك الدول أنغولا وأذربيجان والبحرين وبلغاريا وجورجيا وأندونيسيا وكازاخستان وماليزيا والمغرب وميانمار وباكستان وقطر والسعودية والسودان وتركمنستان".
ويشير الكاتب إلى أن عمليات الإبعاد وصلت إلى شرطة الإنتربول، حيث ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" في كانون الأول/ ديسمبر، أن الإنتربول يقوم بدراسة 40 ألف طلب تسليم، بعضها من تركيا لاحتمال كونها مسيسة، لافتا إلى أن هذا جاء بعد أكثر من طلب تسليم لأشخاص بارزين، مثل الكاتب اليساري دوغان أخانلي، الذي يحمل الجنسية التركية والألمانية، الذي احتجز في إسبانيا لشهرين، في الوقت الذي تقوم فيه السلطات بدراسة طلب تسليمه من تركيا.
ويذكر شينكان أن الحكومة التركية ضغطت على العديد من الدول لإغلاق مدارس الحركة، بعد اختلافها معها عام 2013، فأغلقت غامبيا مدارس غولن عام 2014، تبعتها أذربيجان عام 2015، مستدركا بأن هذه المدارس بقيت مفتوحة في أماكن أخرى من العالم، حتى محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016، حيث زادت تركيا من ضغطها بعد ذلك بشأن تلك المدارس، وأغلقت المدارس مباشرة في الأردن وليبيا والصومال وأنغولا وإثيوبيا ومدغشقر والمغرب، ثم في تنزانيا مع بداية عام 2017، وقبل نهاية العام أغلقت مدارس غولن أو حولت ملكيتها في كل من أفغانستان وتشاد وجورجيا ومالي ونيجيريا ورواندا والسودان وتونس.
واشنطن بوست: ما تبعات حرب عفرين متعددة الجبهات؟
واشنطن بوست: ما هي الخيارات الأمريكية في سوريا؟
التايمز: ماذا يريد أردوغان في عفرين؟