تزايدت مخاوف المصريين وتحذيرات الخبراء من بوار ثلث أراضي الدلتا وحدوث فجوة غذائية خلال السنوات الثلاث القادمة، بعد عجز مصر عن حل أزمة مياه النيل مع إثيوبيا التي تصر على بناء سد النهضة بشروطها.
وفي محاولة لتقليل استهلاك المياه قررت مصر السبت، تخفيض المساحات المنزرعة من الأرز أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية والتي تحقق منها الاكتفاء الذاتي؛ ما ينذر بارتفاع أسعار السلعة غذاء الفقراء الأهم، وما يتبع ذلك من استيراد أنواع رديئة وفاسدة على غرار ما يحدث بشحنات القمح.
واتفقت كل من مصر والسودان وإثيوبيا، على أن يتم ملء السد خلال 3 سنوات بكمية 45 مليار متر مكعب مع 2019، على أن تنقص حصة مصر والسودان معا بمقدار 15 مليار متر مكعب سنويا لمدة 3 سنوات وهو حجم ما تستهلكه زراعة الأرز سنويا تقريبا.
وقررت وزارة الري، والزراعة ولجنتيهما بالبرلمان خفض المساحة المنزرعة أرزا نحو 300 ألف فدان من مليون و100 ألف إلى 724 ألف فدان في 8 محافظات فقط.
"خراب للبيوت"
وحذر فلاحون مصريون من تبعات القرار، وقال عاطف حسن، مزارع (50 عاما): "لا أتخيل أنه يمكنني وملايين المزارعين من أصحاب المساحات الصغيرة الاستغناء عن زراعة الأرز أو عن طهيه بشكل يومي، أو التربح من محصوله كل صيف"، واصفا ما قد يحدث للأسر المصرية والفلاحين بأنه "خراب للبيوت".
حسن، قال لـ"عربي21": "يا سيدي على الحكومة أن تجد لي البديل قبل أن تتخذ هذا القرار"، مؤكدا أن الأرز بالنسبة لكل بيت في مصر وخاصة الريف أهم بكثير من رغيف الخبز، فهو يمثل مع أي خضار الوجبة الرخيصة التي يعتمد عليها كل بيت، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك.
وحول البديل في نظره، قال عاطف، إن البديل سيئ، موضحا أن زراعة الأرز تتزامن مع زراعة الذرة صيفا، مضيفا أنه معنى عدم زراعة الأرز أن أزرع أضعاف احتياجاتي من الذرة، وهذا يعني أن سعر الذرة عند بيعه سينخفض لثلث سعره على الأقل لكثرة المعروض.
وأشار إلى أزمة ثانية؛ وهي زيادة سعر التقاوي والأسمدة التي يتم استخدامها لزراعة الذرة، موضحا أن سعر التقاوي كان العام الماضي 65 جنيها للكيلو، وسعر الكيماوي اليوريا 250 جنيها للشيكارة، متوقعا تضاعف سعرهما نظرا لكثرة الإقبال على زراعة الذرة ما يعني أن مكسب المزارع سينخفض مع الذرة وما سيربحه لن يكفي لشراء حاجته من الأرز طوال العام.
وأكد عاطف، أن معظم المساحات المنزرعة مفتتة وكل مزارع يمتلك قراريط كان يعتمد على زراعتها أرز في الصيف كي يغطي حاجة أسرته، متوقعا عدم قبول الأصناف المستوردة من الأرز لتكون بديلا عن المصري وخاصة النوع البلدي.
بيع الشعب
وقال التاجر فريد أبو معاذ، (47 عاما) إن الحكومة تبيع الشعب لكبار المستوردين والتجار حيث ستلجأ لاستيراد مليوني طن من الأرز سنويا لتعويض العجز في الانتاج.
وأشار إلى أن تلك اللعبة (الاستيراد) كانت تتم سنويا بتصدير الأرز المحلي (ـ700 ألف طن سنويا) وتعطيش السوق المحلية ثم فتح الاستيراد ليربح المستوردون للأرز الرديء ملايين الدولارات ويرفعون الأسعار على الفقراء، وفي النهاية تضعه الحكومة ضمن مقررات التموين وتجبر محدودي الدخل على استهلاكه.
وقال أبو معاذ، إن الحكومة تشتري الأرز من الفلاحين بأسعار زهيدة تبلغ 3700 جنيه لطن الشعير، بينما تستورد أنواعا أقل جودة بضعف سعر المحلي (ـ400 دولارا للطن المستورد ما يعادل 7 آلاف جنيه)، وهو الفارق الذي يخرج بالدولار من بنوك الدولة وجيوب الفقراء لصالح كبار المستوردين.
وعلى الجانب الآخر أكد خبراء مياه أن تقليل زراعة الأرز سيتبعه كارثة أخرى بعد 3 سنوات؛ وهي بوار نحو 1.5 مليون فدان بشمال الدلتا بعد إصابتها بالملوحة التي كانت زراعة الأرز تقوم بغسلها سنويا.
ملوحة وبوار
أستاذ الموارد المائية والري، الدكتور نادر نور الدين، تحدث عن الكارثة المحتملة، وقال: "بعد 3 سنوات من توقف زراعة الأرز تخرج كل أراضي شمال الدلتا (1.5 مليون فدان) عن الإنتاجية وتصبح أراضي بور عالية الملوحة ولن يمكن إعادة استصلاحها".
وانتقد عبر "فيسبوك"، قرار الحكومة، وقال: "للأسف مبالغات وزارة الري باستهلاك الأرز للمياه استغلته إثيوبيا ولم توضح أنه بدون زراعة الأرز تبور ثلث أراضي الدلتا وهو الذي يحد من أن تأكل ملوحة مياه البحر المتوسط لأراضيها ويزيد هشاشتها لتغيرات المناخ وغمر مياه البحر لها".
نور الدين، أشار إلى أن دول أوغندا وتنزانيا وكينيا يزرعون الأرز دون تحفظات، وإثيوبيا تزرع قطنا يستهلك مياها أكثر من الأرز، موضحا أن الحفاظ على أراضي الدلتا بزراعة الأرز أولى من تربية مليون رأس أبقار في بلد الجفاف وندرة المياه والشح المائي.
لصالح هؤلاء
الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، الدكتور سعيد سليمان، كتب معلقا على القرار المصري: "اتفق من لا يفقون أبدا على تدمير زراعة الأرز"، وقال: "بينما نحن منشغلون بمهزلة الانتخابات الرئاسية أقرت الزراعة والري بمباركة البرلمان خفض مساحة الأرز المنزرعة إلى 700 ألف فدان فقط".
وأوضح عبر "فيسبوك"، مخاطر القرار بقوله: "الأرز، الملاذ الأخير للفلاح والذي نكتفي منه ذاتيا بعد تدمير القطن"، مضيفا أنهم "يتعللون بحجج واهية حتى يصلوا لمبتغاهم بخدمة الأباطرة من رجال الأعمال والمستثمرين لمصلحة أمريكا التي تزرع الأرز ولا تأكله وتحل محلنا بسوق تصدير الأرز".
المياه الجوفية
وتساءل عضو اللجنة القومية للري والصرف التابعة لوزارة الري الدكتور مدحت خفاجي، لماذا لا نزرع الأرز على المياه الجوفية لنهايات الترع؟ وقال عبر "فيسبوك"، إذا سمحنا للفلاحين بزراعة الأرز بالمياه الجوفية التي تغدق أرض الدلتا بالأراضي نهايات الترع التي لا تصلها مياه النيل فيمكن زيادة المساحة المزروعة أرزا بدون ماء النيل.
السيسي وحقوق الإنسان.. نظام بكامله يعشق الدم
53 شخصية مصرية تدعو لجمع توكيلات للمرشح الرئاسي خالد علي
هل تكون سيناء الوطن البديل للفلسطينيين؟