لا يوجد من هي أجمل ولا أطعم ولا أنعم من سميحة أيوب وهي تتلوى كالحية في فيلم أرض النفاق وتقول لفؤاد المهندس "أنا واحدة ماشية بشرفي"، لينفجر الأستاذ ويشنع عليها بعد أن تناول حبوب الشجاعة، ويكشف حقيقتها أمام ضيوفه بأنها "عاهرة" رأس مالها الاجتماعي يكمن في جسدها!!
الفيلم حلو، والرواية المأخوذ عنها، أرض النفاق، ليوسف السباعي أحلى، لكن سميحة أيوب أحلى من الجميع، ذلك لأنها في جملة واحدة اختزلت آلاف المواقف اليومية، التي نخوضها مع أشخاص من عينة الست سوسو "سميحة أيوب" هؤلاء الذين يحدثوننا دوما عن الشرف والدين والأخلاق، وينظرون في أعيننا وهم يكذبون، وينظرون إلى ملايين الناس عبر الكاميرات وهم يزيفون ويزورون ويدلسون، ثم هم يذكرون الله كثيرا قبل الكذب وبعده لزوم الحبكة الدرامية، وأهم من الشغل "تظبيط" الشغل، و"كلفتة" الزبون!
أنا واحدة ماشية بشرفي، الجملة والأداء والشحنة النفسية يحتاجون إلى عمنا رجاء النقاش وهو رايق وشارب فنجانين قهوة لكي يحلل ويفصص، ويرصد المفارقة بين "ماشية" و "بشرفي"، وكأن الشرف هو سبيل "المشي على الكيف"، أين هو الآن ليقف بين المشاهد وسميحة فاردا قلوع الحياة إلى السماء، مبحرا بِنَا حيث نخوض غمارها طوعا وكرها، كاشفا عن مواطن الشقاوة والحلاوة وخفة الروح، منتزعا من القبح جمالياته!
ليتها الحياة مثل الرواية أو الفيلم، وليتهم جميعا الست سميحة، أو حتى الست سوسو لهانت، وجبرت، وتصالح الشرف على نقيضه، وتعايشوا سلميا، دون صراع على سلطة التأثير، الواقع أشد بؤسا وإيلاما، فالست سوسو "ماشية بشرفها" لفقرها، تفتقر إلى المال والرجل، يقودها احتياجها البسيط، أما سوسوهات وسيسيهات هذا الزمان فلا يشبعون وإذا شبعوا لا يكفون، وإذا كفوا لا يتوبون وإذا تابوا كانوا مثل "اللاعبة" التي "إذا تابت دربت"!
"السوسوهات" في
السياسة، هؤلاء الذين يعتلون المنصات، ويركبون هواء البرامج، يتحدثون عن العدل، والحريّة، والكرامة الإنسانية، والدين والأخلاق، والليبرالية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان، فإذا تمكنوا من "فرن بلدي" جوعوا خبازيه وباعوا للناس عجينا مغشوشا، وهم يتلون الكتاب ويبكون بكاء تخجل منه التماسيح.
"السوسوهات" على الشاشات، هؤلاء الذين يصرخون في وجه المستبد، يطالبون بحقوق الفقراء، بالقانون، بالدستور، بالحق، وإذا طلبتهم في شهادة حق شهدوا الزُّور المصفى لقاء دراهم معدودة، وكانوا في شهادة الحق من الزاهدين.
"السوسوهات" من رجال الدين، ونسوانه، هؤلاء الذين يفتونك في الحيض والنفاس، ويشددون عليك في مسح الجوارب وعدم جواز مصافحة الأنثى، وحرمة تهنئة النصارى بأعياد الميلاد، ويفسقونك ويكفرونك ويلعنونك في قَص ظفر أو نمص حاجب، فإذا تصدروا في حقوق الخلق تراهم "الحاج بركة" الذي جاء ليصلح بين امرأة وزوجها، فلا هم ينتزعون الحقوق لأصحابها، ولا هم يمتلكون سحر الست سوسو الأصلية، فهم "سوسوهات" بلا معنى، بلا متعة، لوجه العمامة والتأثير واستمرار "اليغمة" والمحافظة على "شكل" المجتمع المحافظ!
"السوسوهات" على مواقع التواصل، هؤلاء الذين يزينون بوستاتاهم بآيات من القرآن والإنجيل وأحاديث من السنة وحكم صوفية ومقولات تاريخية خالدة لعلماء ومفكرين وفلاسفة عن الجهاد والنضال والمعارك الأخلاقية الكبرى، فإذا صادفك الحظ والتقيتهم رأيت قبح الحقيقة الفيزيقية، وتمنيت لو أن الفيس بوك وحده هو الدنيا وما فيها.
السوسوهات" من الفقراء، إي نعم، حتى الفقراء المطحونون المكبوتون الكفرانون الطافحون الكوتة والطافحات، إذا أردت لهم حياة أعز وأكرم فإذا هم يوبخونك على محاولة أنسنتهم، ويتمسكون بكونهم إلى الست سوسو أقرب، فالعهر ستر، ولكن أكثر الشرفاء لا يعلمون!
سلام على الست سوسو القديمة، التي يبدو فعلا أنها - بمعنى ما - كانت "ماشية بشرفها"!