يسود المشهد الأمني بالجزائر، موجة استسلام المسلحين بشكل لافت، خاصة بالمناطق الجنوبية الحدودية مع دولتي مالي والنيجر، بالإضافة إلى الحدود الشرقية مع ليبيا، بالتوازي مع تضييق قوات الجيش الجزائري، الخناق على تحركات المجموعات المسلحة المنتمية إلى تنظيمات مختلفة.
وسلم 14 مسلحا أنفسهم للسلطات العسكرية بالجزائر، منذ بداية شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، أغلبهم كانوا ينشطون على الحدود الجنوبية المتاخمة لدولتي مالي والنيجر.
وينتمي 11 مسلحا ممن سلموا أنفسهم للوحدات العسكرية الجزائرية المرابطة على الحدود الجنوبية، لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، التي يقودها بالجزائر عبد المالك دروكدال، بينما ينتمي الثلاثة المتبقين إلى تنظيم المرابطين الذي يقوده مختار بلمختار، الذي تضاربت المعلومات بشأن مقتله.
اقرأ أيضا: الجيش الجزائري أفشل 25 محاولة لإدخال الأسلحة في 2017
وشدد الجيش الجزائري المراقبة على المعابر الحدودية مع دولتي مالي والنيجر، بالتوازي مع توقيف 25 مهربا للسلاح منذ بداية شهر كانون الثاني/ يناير 2018، وضبطه ترسانة من الأسلحة الثقيلة، كانت بحوزتهم تم إدخالها من منطقة تينزواتين الحدودية، بحسب بيانات مختلفة لوزارة الدفاع الجزائرية.
وحجز الجيش الجزائري، 12 مدافعا و35 مسدسا رشاشا (كلاشينكوف) وقنابل وراجمات صواريخ، وغيرها، تم إدخالها عبر المناطق الحدودية الجنوبية الشاسعة، وكذلك الأمر بالنسبة للمناطق الحدودية الشرقية على تخوم الحدود مع ليبيا.
والجمعة، سّلم مسلح نفسه، للسلطات العسكرية بالناحية العسكرية السادسة بتمنراست، أقصى جنوب البلاد، وبحوزته مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف ومخزني ذخيرة مملوءين. ويتعلق الأمر بالمسمى "أ. عبد الله "، المكنى "عبد الرحمان". حسبما أفاد بيان لوزارة الدفاع الوطني بالجزائر.
وقال بيان الجيش، الجمعة: "إن هذه النتائج الميدانية تؤكد مرة أخرى جاهزية واستعداد وحدات الجيش الوطني الشعبي المرابطة على الشريط الحدودي للبلاد، للتصدي لكل محاولات المساس بحرمة وسلامة التراب الوطني".
وتأتي هذه العملية، بعد أيام قليلة من تسليم مسلح آخر نفسه للسلطات العسكرية، بنفس الناحية، ويتعلق الأمر بالمسمى "ك. محمد".
وأورد بيان الجيش بالجزائر أن مسلحين آخرين سلما نفسيهما خلال نفس الفترة وهما "ق. حمزة" و"ع. أق غالي"، المدعو "أبو يحي" وبحوزتهما أسلحة متطورة.
تحالف المسلحين والمهربين
وكثيرا ما تحالف المسلحون بصحراء الجزائر مع مهربي السلاح والوقود و المواد الغذائية، حيث تضمن المجموعات المسلحة، استمرار وجودها عبر مثل هذا النوع من التحالفات.
ويشكل المهربون بصحراء الجزائر أهم ممول للتنظيمات المسلحة، كما شكلت الاختطافات موردا هاما لهذه التنظيمات بعد مطالباتها بفديات مقابل تحرير الرهائن، وعرفت المنطقة الحدودية مع مالي عمليات اختطاف عديدة لرعايا من دول غربية.
وشكل ذلك دافعا للحكومة الجزائرية لتقديم لائحة أممية العام 2010، من أجل تجريم دفع الفدية من طرف الحكومات الغربية مقابل تحرير رعاياها المختطفين.
ويعتقد الخبير الأمني الجزائري أنور زعموم أن "نجاعة تأمين الحدود مع الجيران في منطقة الساحل، وخاصة المناطق المعروفة بتوفرها على الماء، إضافة إلى تجفيف مصادر تهريب الوقود، مكن من تحييد نشاط العديد من الإرهابيين".
وعن الأسباب التي دفعت بالمسلحين للاستسلام، أوضح زعموم بتصريح لصحيفة "عربي21"، السبت، "أن العمل الجواري والاستعلامات الذي تقوم به المخابرات الجزائرية مع القبائل في الصحراء، من أجل إقناع الإرهابيين بالتخلي عن السلاح يشكل دافعا قويا".
وتابع زعموم: "أتوقع أن تسجل عمليات استسلام جديدة خلال الفترة المقبلة بالموازاة مع جهود مراقبة الحدود التي ستظل عالية بل ستزداد فعاليتها مع مرور الوقت".
مرجعا تنامي ظاهرة استسلام المسلحين أيضا إلى "عمليات التمشيط التي تكثفت منذ ثلاث سنوات مدعومة بالعمل الاستخباراتي والعسكري المتواصل ما أدى إلى عزل شبه تام للإرهابيين وحرمهم من الدعم اللوجستيكي".
القاعدة وداعش
وتنشط بالمناطق الجنوبية للجزائر مجموعات مسلحة تتبع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم المرابطين، وتنظيم " التوحيد والجهاد"، وهي عبارة عن مجموعات متشكلة من عناصر من جنسيات مختلفة، غير أن أغلبهم جزائريين وماليين، وبدرجة أقل تونسيين وموريتانيين".
والواضح أن تنظيم الدولة، فقد بالجزائر كل ركائزه وصار وجوده منعدما، بعد مقتل زعيم "جند الخلافة" الموالي لتنظيم الدولة، عبد المالك غوري شرقي العاصمة الجزائر العام 2014، ثم القضاء على 24 عنصر من أتباعه بمحافظة البويرة، شهر أيلول/ سبتمبر العام 2015.
ولا ترتبط تلك التنظيمات المسلحة بعرقيات محددة ولا بطوائف دينية، كما أنها لا ترتبط بحكومات معينة، إنما تشكلت بناء على التحاق عناصر مسلحة من وسط وشمال الجزائر، بداية من العام 2003، بالجنوب هروبا من الضربات التي تلقتها التنظيمات المسلحة بوسط البلاد.
سقوط الأمراء
كما تأثر نشاط التنظيمات المسلحة آنذاك، بسقوط العديد من الزعماء من بينهم عنتر زوابري أحد قادة "الجماعة الإسلامية المسلحة" سابقا، الذي لقي مصرعه عام 2004 ويحي أبو همام، مسؤول منطقة الصحراء في تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، كما شكل القبض على عبد الرزاق بارة، أحد قيادات الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بعد اختطافه لرهائن ألمان عام 2003، ضربة قاصمة لأتباعه الناشطين بين دولتي الجزائر ومالي.
ووجدت تلك التنظيمات بصحراء الجزائر ملاذا آمنا نظرا لشساعة مساحة تحركاتها، وسهولة ولوجها التراب المالي ومرونة تعاملها مع بعض القبائل المنتشرة هناك، والتي تعيش الفقر وتتنازع مع الحكومة المركزية لباماكو بسبب غياب التنمية، فسهل على التنظيمات المسلحة، وخاصة تنظيم التوحيد والجهاد من استمالتها إليه.
وفي شهر كانون الثاني/ يناير، 2013، شنت جماعة "الملثمين" وهو لفيف يتبع تنظيم المرابطين، لمختار بلمختار، هجوما على منشأة غازية بمنطقة تيقنتورين، بمحافظة إيليزي، أقصى جنوب الجزائر، وتم احتجاز العشرات من الرهائن الجزائريين و الأجانب، وأسفر تدخل الجيش لتحرير الرهائن، عن مقتل 39 رهينة، من جنسيات أجنبية، بينهم كنديون وبريطانيون وأمريكيون وفرنسيون.
وشكل هذا الاعتداء دافعا لتغيير الجيش الجزائري استراتجيته لمحاربة التنظيمات المسلحة، من خلال رفع تعداد وحداته بالجنوب بأكثر من 25 ألف عسكري، ومكن ذلك من تضييق هوامش تحرك المسلحين، حيث اضطر العديد منهم إلى الفرار من الصحراء باتجاه الحدود الشرقية ودخول ليبيا.
استسلام
لكن هذا المعطى، بحسب الخبير الأمني بوجمعة نواصري، "شكل دافعا لتحالف قيادات تنظيمات مسلحة جزائرية مع تنظيمات مسلحة في ليبيا". موضحا بتصريح لصحيفة "عربي21"، السبت أن "مصرع الجزائري عبد السلام طرمون، زعيم حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة، في مدينة سبها بليبيا، يطرح مخاوف من احتمال تسلل أتباعه إلى الداخل الجزائري والقيام بأعمال إرهابية".
اقرأ أيضا: الجيش الجزائري يقتل مسلحين على علاقة بهجوم قبل أيام
ويعتقد نواصري أن "اندماج تنظيمات إرهابية من دولتين أو أكثر يشكل خطرا حقيقيا، لأن خيارات الإنتقام تتوسع أكثر، ولا يمكن تعقب هذه الجماعات إلا بتعاون أمني بين حكومات هذه الدول".
وكانت صحيفة "عربي21" انفردت بخبر مقتل عبد السلام طرمون، على يد مجهولين بمدينة سبها الليبية، فجر الأربعاء الماضي.
وأعلنت وزارة الدفاع الوطني بالجزائر، بداية شهر كانون الثاني/ يناير، عن حصيلة نشاط الجيش خلال العام 2017، أكدت من خلالها أن عدد المسلحين الذين سلموا أنفسهم تجاوز الـ30. كما تم القضاء على 91 مسلحا وتوقيف 40 آخرين، وتم استرجاع كميات هائلة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
ولم توضح وزارة الدفاع كيفية التعامل مع المسلحين الذين يسلمون أنفسهم، ومعلوم أن قانون المصالحة الذي أقره الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العام 2006 مازال ساريا إلى اليوم، ما يعني احتمال إستفادة هؤلاء من هذا القانون.
وفي هذا الصدد قال فاروق قسنطيني، الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان التابعة لرئاسة الجمهورية، في تصريح لصحيفة "عربي21"، السبت أن "هناك شروط للاستفادة من قانون المصالحة، بينها ما لم يكن المسلح الذي سلم نفسه، ارتكب أعمال قتل".
جزائريون يرفعون شعار " أنا جزائري .. أنا لا أعتذر"