في كل يوم يشهد العالم متغيرات كبيرة، على الصعد السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية. وقد كشفت تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، عن مشهد دولي جديد يعمل للخروج من الهيمنة الأمريكية. وهناك صعود واضح لقوى أخرى دولية وإقليمية تحاول أن تأخذ مكانها في الخريطة الدولية، كما أن الأفكار التي طرحها المفكرون الأمريكيون حول "نهاية التاريخ" و"صدام الحضارات" و"النظام العالمي الجديد"، لم تعد لها مكانتها الأولى على مستوى الأفكار والطروحات السياسية والفكرية والفلسفية، والثورة التكنولوجية تفرز يوميا وقائع اجتماعية وعلمية وإنسانية جديدة، وهناك قوى محلية أصبح لها فعاليتها في الواقع السياسي والاجتماعي.
والناظر إلى شؤون الكون والعالم خلال العقود الأخيرة، يلحظ بوضوح أن هذا العالم يتغير؛ وهو يبحث عن خيارات جديدة في الفكر والسياسة والاجتماع والعلم والاقتصاد.
هذا العالم يتغير؛ وهو يبحث عن خيارات جديدة في الفكر والسياسة والاجتماع والعلم والاقتصاد
فعلى الصعيد السياسي، هناك بحث دائم حول النظام الأفضل الذي يمكن أن يحكم البشر. فبعد أن أصبحت الشيوعية غير قادرة على تقديم الإجابات الشافية، لجأ الشيوعيون إلى الاشتراكية والاشتراكية الديمقراطية، وإلى الانفتاح الاقتصادي، وبرزت أفكار وأنظمة جديدة.
والرأسماليون والليبراليون يبحثون دائماً عن الثغرات في النظام الرأسمالي، ولا سيما بعد أن كانوا خائفين من موجة الشيوعية والاشتراكية. فعمدوا لتطوير النظام الرأسمالي، والاهتمام بالرعاية الاقتصادية والاجتماعية، وأجروا نقداً قاسيا للديمقراطية. وهناك بحث دائم في العالم الرأسمالي حول كيفية تطوير هذا النظام؛ في ظل بعض المخاطر والأخطار التي تواجهها الأنظمة الديمقراطية.
وفي الاقتصاد، فقد غير النفط الصخري المكتشف في أمريكا وبعض دول العالم الواقع الاقتصادي العالمي، فتراجعت أسعار النفط، وضعفت أهمية النفط العربي والنفط المستخرج من الأرض والبحر، وإن كان ذلك لن يلغي دوره مطلقاً، وبرز دور الغاز في العالم، وصعدت قوى ودول جديدة في المشهد الاقتصادي والسياسي.
وفي السياسة، نشهد اليوم تطورات ومتغيرات في كل الاتجاهات، ولم تعد أمريكا الحاكم الأول للعالم.
نحن غارقون في الموت والخراب والقتل والعنف والدمار، والتجارب الإسلامية في الحكم والسياسة والإدارة لم تقدم الإجابات الشافية والمقنعة والنموذجية
لكن بموازاة هذه المتغيرات العالمية، أين المسلمون والعرب مما يجري؟ للأسف نحن غارقون في الموت والخراب والقتل والعنف والدمار، والتجارب الإسلامية في الحكم والسياسة والإدارة لم تقدم الإجابات الشافية والمقنعة والنموذجية.
فبعد سبع سنوات على انطلاقة الثورات الشعبية العربية، ها نحن غارقون في الموت والدمار والعنف، من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا والبحرين واليمن، وصولاً لمصر وليبيا ونيجريا ومالي و..
طبعاً، لا بد أن نستثني تونس التي نجحت حتى الآن في إكمال عملية الانتقال الديمقراطي، وأجرت أكثر من انتخابات تشريعية، وانتخابات رئاسية، وإن كانت التهديدات بالعنف والقتل؛ لا تزال تلاحقها كذلك المخاطر الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.
وأما لبنان، فقد تجاوز بعض الازمات الخطيرة في الأعوام الماضية، لكنه لا يزال تحت الخطر.
وما يجري في الدول العربية والإسلامية، من عمليات قتل وتفجير، واعتقالات وتسلط وإساءات للبشر من قبل بعض السلطات الظالمة، تؤكد استمرار المخاطر الكبرى التي يواجهها
العالم العربي والإسلامي. وحتى الآن، لم تنجح هذه الدول بإقامة مشروع دولة يستطيع حماية الإنسان ورعاية الأمن والاستقرار، ويؤمّن الحد الأدنى المقبول من الديمقراطية والتنمية، ويراعي حقوق الإنسان ومطالبه.
والخطر الأكبر في ما يجري؛ أن عمليات القتل والتفجير تتم باسم الإسلام والمسلمين، ومن يقوم بها يدّعي أنه يحقق مصلحة المسلمين.
من يجرؤ على اتخاذ القرارات الصائبة لوقف كل هذه الصراعات والعودة إلى طاولات الحوار والنقاش والبحث عن الحلول السياسية لكل أزماتنا
وللأسف، فإن كل المحاولات والمؤتمرات والمبادرات السياسية والدينية والفكرية لم تنجح حتى الآن بوقف هذا الإجرام المنتشر في العالم، مما يعيدنا إلى السؤال المركزي الذي طرحه لينين قبل حوالي المئة عام: ما العمل؟ وهو يعيد الإلحاح مجددا على ضرورة إطلاق مبادرات جديدة لوقف شلالات الدم في كل دولنا: فمن يجرؤ على اتخاذ القرارات الصائبة لوقف كل هذه
الصراعات والعودة إلى طاولات الحوار والنقاش والبحث عن الحلول السياسية لكل أزماتنا.
وقد يكون من السذاجة والبساطة والجهل أن ندّعي أننا نمتلك الإجابة أو الأجوبة الصحيحة والكاملة، لكن تفاقم المشكلة يدفعنا مجدداً لإعادة طرح هذا السؤال ووضعه برسم الجميع، للبحث والتفكير والتأمل، من أجل وضع خطة عمل متكاملة للوقوف بوجه هذا الزلزال المخيف الذي يصيبنا جميعاً.
كلنا مسؤولون، وعلينا البحث عن خارطة طريق للوقوف بوجه العنف والقتل والدمار. فمن يجرؤ على إطلاق المبادرات الحقيقية والعملية، ويعلن: لقد سئمنا الحروب والصراعات، ونريد البحث عن طريق للنجاة؟