أثارت مناقشة الكونغرس الأمريكي، يوم الجمعة الماضية، مشروع قانون
لحماية الأقباط في مصر العديد من ردود الفعل، وأثارت جدلا واسعا داخل الأوساط
السياسية والكنسية في البلاد.
ويطالب القانون بربط المعونة لمصر باتخاذ الحكومة خطوات جادة؛ لضمان
المساواة بين المسلمين والأقباط، وإنهاء تهميش الأقباط في المجتمع المصري.
وجاءت مناقشة هذا القانون بالتزامن مع اعتداء على كنيسة في مدينة
أطفيح بالجيزة، وأصيب فيه عشرات الأشخاص.
ورأى سياسيون ونواب موالون لنظام عبد الفتاح السيسي أن هذا القرار
بمثابة ذريعة للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري، فيما يعتبره آخرون عقابا
لمصر على تصويتها في مجلس الأمن ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف
بالقدس عاصمة لإسرائيل.
تمييز شديد
مشروع القانون مقدم من منظمة التضامن القبطي عبر ستة أعضاء من
الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ لتسليط الضوء على "محنة الأقباط، والدعوة
لدعمهم"، وأكد "ازدياد التعصب الطائفي والهجمات الإرهابية ضد الأقباط في
مصر"، وتمت إحالته إلى لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس لمناقشته.
وبحسب نص القانون، المنشور على الموقع الإلكتروني للكونغرس، فإن
الأقباط يواجهون تمييزا شديدا في كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك
المستويات العليا في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة ووزارة الخارجية، باعتبارهم
مواطنين من الدرجة الثانية.
وأشار القانون إلى أن الأقباط كانوا ضحايا العديد من الهجمات المسلحة
من قبل جماعات إرهابية، على رأسها تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى أن
الأقباط كانوا أهدافا لاعتداءات مجتمعية أدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات
وتدمير الكنائس، وأن مرتكبي هذا العنف نادرا ما يعاقبون، ما دفع نسبة من الأقباط
إلى الهجرة.
ولفت مشروع القانون إلى أن قانون بناء الكنائس أصدره البرلمان
العام الماضي، لكن الأقباط حتى الآن يواجهون أعباء كبيرة تمنعهم من بنائها.
وأكد مشروع القانون أن جزءا كبيرا من الأزمة سببه التعذيب وسوء معاملة
المعتقلين في السجون، الذي يشجع هؤلاء المعتقلين فيما بعد على الانضمام للجماعات
الإرهابية التي تظهر الكراهية للأقباط وتستهدفهم.
وطالب القانون النظام المصري بإعطاء الأولوية للتعليم العلماني، والإصلاح السياسي الذي يعطي الأولوية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، ومنح الأقباط الحقوق والفرص ذاتها التي يتمتع بها المسلمون.
ردا على دعم القدس
وردا على ذلك، أعلنت النائبة، مارجريت عازر، رفضها التام لمشروع
القانون، ووصفته في بيان لها، اطلعت عليه "عربي21"، بأنه استغلال لبعض
الأحداث في مصر تحاول أمريكا توظيفها في إطار سياسي مغرض؛ لإحداث فتنة وبلبلة نتيجة
إصابتها بالهوس والجنون، بعد الرد الحاسم من مصر ودفاعها عن ملف القدس".
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، طارق رضوان، إن
اللجنة ستعقد جلسة خاصة الأربعاء المقبل؛ لمناقشة مشروع قانون الكونغرس الجديد، ودراسة كيفية الرد عليه، مؤكدا أن القانون مرتبط بالموقف المصري من قضية القدس.
من جانبه، استغرب النائب طارق الخولي ربط واشنطن بين الأوضاع في
المعتقلات وبين الهجمات الإرهابية التي تستهدف الأقباط، قائلا إن الإرهابيين
استهدفوا الشهر الماضي مسجد الروضة بشمال سيناء، وقتلوا 305 من المصلين.
وأصدر حزبا الوفد والمصريون الأحرار بيانات تندد بمشروع القانون، وتعتبره تدخلا مرفوضا في الشأن الداخلي لمصر.
وقال حزب "المصريون الأحرار" في بيان له، تلقت
"عربي21" نسخة منه، إن مشروع القانون الأمريكي جاء ردا على موقف مصر من
القدس، وإن المصريين كانوا يتوقعونه، ومستعدون تماما لمواجهته".
اعتراضات قبطية مشروطة
القس بطرس دانيال، القيادي في الكنيسة الكاثوليكية، قال إنه يرفض أن
تأتي الإصلاحات في مصر عبر ضغوط خارجية على الدولة، أو التهديد بقطع المعونة، لكنه في الوقت ذاته يتفق جزئيا مع ما ورد بالقانون الأمريكي حول ضرورة إعطاء الأولوية
للتعليم العلماني وحقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون.
وفي السياق ذاته، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، إن
الأقباط لن يقبلوا بأن يتحولوا إلى ورقة ضغط على الدولة المصرية، لكنهم في الوقت ذاته يريدون تحركات حقيقية على الأرض؛ لتغيير أوضاعهم السيئة، وعلى رأسها تطبيق القانون
على الجميع؛ لوقف الاعتداءات عليهم والتمييز ضدهم.
دعم الأقليات المضطهدة
الباحث في مؤسسة "كارنيجي"، بيري كاماك، قال إن هذا القانون
يتوافق مع خطة "ترامب" التي أعلنها من قبل بشأن الأقليات الدينية في
الشرق الأوسط، وكشفها نائبه مايك بنس، في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، حيث أعلن
سحب تمويل واشنطن للأمم المتحدة، وتحويله لدعم "الأقليات المضطهدة في الشرق
الأوسط والمنظمات الدينية الخاصة".
وأوضح "كاماك"، في تصريحات صحفية، أن ترامب يواصل تنفيذ
وعود الانتخابية بدعم اليهود، ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، ودعم مسيحيي الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن خطة ترامب ستؤدي إلى خلق اضطرابات في الشرق الأوسط،
لكنه لا يبالي بهذا في مقابل الحصول على دعم المتطرفين الأمريكيين.
السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إن واشنطن طالما
استخدمت ورقة حقوق الإنسان؛ للضغط بها على النظام المصري طوال العقود الماضية، لكن
الرؤساء المتعاقبين كانوا يمنعون تحويلها إلى قرارات حقيقية؛ لأن مصر دولة مهمة
للأمن القومي الأمريكي، مضيفا أن الوضع الآن اختلف كثيرا؛ لأن إدارة ترامب يتوقع
منها أي تصرف غير رشيد.
هل ينفذ ترامب تهديده ويقطع المساعدات الأمريكية عن مصر؟
إلى أين يقود مصر.. تأرجح السيسي بين الروس والأمريكان؟
لماذا فتح السيسي قواعد مصر العسكرية ومجالها الجوي لروسيا؟