انتقد باحثون وناشطون إسلاميون سلوك بعض الاتجاهات الإسلامية المتمثل في استعداء السلطة على مخالفيهم، وتحريضها لقمعهم وإقصائهم عن الحضور الدعوي الفاعل.
وحذروا من مغبة تورط إسلاميين في محاذير توظيف السلطة لهم كأدوات تسهل عليها تمرير سياساتها وأجنداتها.
ووفقا لإبراهيم اليماني، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، فإن "الديني" بمختلف تجلياته وسائر تشكيلاته حينما يقبل الخضوع للسياسي، فمن السهل على الأخير حينذاك القيام بتوظيف الدين توظيفا تاما أو جزيئا، بتحديد مساراته وخياراته.
وأبدى اليماني استغرابه من سلوك بعض الاتجاهات الإسلامية حينما تسمح لنفسها بالقيام بذلك الدور الذي وصفه بـ"القذر"، المتمثل بتحريض السلطة واستعدائها على مخالفيهم من إخوانهم أبناء الحركات والاتجاهات الإسلامية الأخرى، ليخلو لهم الجو ظنا منهم أن السلطة ستكون لهم دون غيرهم.
وتساءل اليماني في حديثه لـ"عربي21": "كيف يغفل أولئك الذين يتورطون في مثل تلك الممارسات عن أن السلطة التي يستقوون بها اليوم لا يبعد أن تنقلب عليهم في قابل الأيام، كما وقع في أكثر من حالة ودولة؟".
وأرجع اليماني دوافع تلك الممارسات إلى "ضيق أتباع بعض الاتجاهات الإسلامية بمخالفيهم من الاتجاهات الأخرى، باعتبارهم من أهل الضلال والابتداع والانحراف العقدي، ما يدفعهم إلى إسكاتهم والتضييق عليهم ومحاصرتهم".
ودعا إلى ضرورة تغيير ذلك النسق الفكري المغلق المسيطر على بعض تلك الاتجاهات الإسلامية، الذي يدفعهم إلى رفض فكرة التنوع الدعوي والمذهبي، حتى لو تطلب الأمر استعداء السلطة وتحريضها على الاتجاهات الإسلامية الأخرى.
ورأى اليماني أنه لا بد من إشاعة ثقافة القبول بالآخر (على الأقل الإسلامي)، والتعايش مع التنوع الديني العقدي والمذهبي، منوها إلى صعوبة إحداث ذلك التحول في العقول والذهنيات، لكن ربما مع دوام التذكير بذلك وطرقه مرات ومرات أن يتم إحراز تقدم ملحوظ في هذا المقام، وفق قوله.
من جهته، أرجع الإعلامي المصري، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عبد القادر وحيد، أسباب تلك الحالة إلى "تربية الجماعات الإسلامية لأفرادها أو قواعدها على نسق "الرأي الواحد" في كثير من القضايا الإسلامية عامة، والفقهية منها على وجه الخصوص.
وأوضح وحيد أن ذلك اللون من التربية يدفع الأفراد إلى الاستمساك بقضايا تتبناها الجماعة باعتبارها "الحق المطلق"، مشيرا كمثال على ذلك إلى أن بعض مدارس السلفية، إضافة لجماعة الإخوان كانوا يصفون الجماعة الإسلامية في مصر أثناء صدامها مع السلطة في تسعينيات القرن الماضي بـ"الخوارج".
وتابع قوله لـ"عربي21": "لقد أتاح ذلك للسلطة حينها تجييش تلك الجماعات حسب قناعتها، ضد مخالفيها من أبناء الجماعة الإسلامية"، مبديا ملاحظته "أنه بعد انطلاق مبادرة وقف العنف التي تبنتها الجماعة، واعترافها بخطئها في الصدام المسلح مع السلطة، تبدلت الأدوار وصارت السلطة في نظر الأقدمين أشد تجريحا من السابقين"، على حد وصفه.
واعتبر وحيد أن تربية الأتباع على ذلك النسق "الرأي الواحد" يشكل خطرا كبيرا على الفكر والسلوك، يفضي إلى حالة من الجمود الفكري، تغيب معه إبداعات المدارس الإسلامية المختلفة".
ولاحظ وحيد أن بعض الإسلاميين باتوا يشيدون بتجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة في ابتعاده عن الانحياز الأيدلوجي، وإدارته السلطة بالوقوف على مسافة واحدة من التيارات الفكرية والدينية كافة، مع أن كثيرا من أولئك المشيدين به كانوا قبل عقد من الزمن يعتبرونه علمانيا قحا.
وتدور تساؤلات حول هذا الخصوص، إن كانت حالة تحريض بعض الاتجاهات الدينية للسلطة على اتجاهات أخرى تعد ممارسة إسلامية معاصرة أم إنها قديمة ولها شواهد تاريخية عديدة.
وجوابا عن ذلك، قال الأكاديمي الفلسطيني، الباحث في الدراسات الإسلامية والعربية، مالك عبد المجيد الجيلاني: "تاريخنا مليء بنماذج من تلك الاتجاهات والشخصيات، ممثلا ببعض الوقائع في "حروب الردة"، وكذا استعداء السلطات الأموية على آل البيت النبوي".
وأضاف: "ومنها كذلك تحريض المعتزلة للسلطة العباسية على الفقهاء والمحدثين في أحداث ووقائع ما سمي بـ"فتنة خلق القرآن" زمن العباسيين الأول، وما قام به الخليفة القادر بالله حينما أصدر (الاعتقاد القادري) لتعميم المذهب الأشعري وفرضه بالقوة على مختلف الاتجاهات الدينية حينذاك".
وفسر الجيلاني لـ"عربي21" سلوك تلك الجماعات والاتجاهات الدينية بأنه راجع في بعض تجلياته إلى اعتبار ما يقومون به من "صميم الدين والتوحيد، وهم الذين يدعون للاعتقاد بالولاء والبراء، أي الولاء لمن هم على دينهم، ومذهبهم الاعتقادي، والبراء من مخالفيهم ولو كان مسلما لانحرافه وضلاله بحسب رؤيتهم الدينية".
ولفت الجيلاني إلى أن باب ما أسمي بـ"الحوادث والبدع" هو أسوأ باب في تبرير تلك الأخلاقيات الرذيلة كالمراء والجدل والخصام، والبغي في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، التي بدأت مبكرا في تاريخ الإسلام، حيث بدأ الخلاف أولا سياسيا، ولا يزال، لكن تأثيره تعدى إلى الانحراف السياسي.
وأوضح أن الانحراف الفكري، والفجور في الخصومة، ثم اختراع أنماط من التدين المعلب المتوافق مع أصحاب السلطة والنفوذ.
وأوضح الجيلاني أن "ثمة شواهد ووقائع على تلك الظواهر الانحرافية العجيبة في الممارسة الإسلامية التاريخية، يوم أن أضحى "الانحراف السياسي" مدعاة لاستعداء السلطان على المخالفين، سواء كانوا من الساكتين على أئمة الجور والطغيان خوفا وجبنا، أو من الخارجين على الظالمين لإحقاق الحق وإزهاق الباطل".
وتعليقا على إمكانية تحويل نسق التفكير في أوساط تلك الاتجاهات من الانخراط في استعداء السلطة على مخالفيهم إلى تقبل حالة التنوع الديني واعتبار السلطة حامية وراعية لجميع الاتجاهات، اعتبر الجيلاني ذلك ضربا من الخيال.
وفسر ذلك بالقول: "لأن هناك فئة منتفعة تعيش من وراء تعصب الاتجاهات والجماعات، مع رغبة كثير من الساسة إبقاء الأمة طرقا شتى ومذاهب مختلفة".
بدوره، وصف الناشط الإسلامي الكويتي، أسامة الثويني، تلك الممارسة "بالشاذة"، وقال إنها "تقع على "أطراف الحالة الإسلامية".
وأرجع أسبابها إلى "فقر المحتوى الفكري عند البعض، الذي يتولى تحدي اتجاه الحركة، وقضيتها وعدوها".
وقال لـ"عربي21": "ذلك الفراغ يتم تعويضه بالشخصنة، والتمحور حول الذات والعصبية المقيتة، عصبية تدفع أصحابها لإسقاط مخالفيهم وإلغائهم بأساليب متعددة، سواء كان بالافتراء عليهم، وتشويه صورتهم، أو كان بتحريض السلطة، أو حتى العمل معها بنقل المعلومات، وكتابة التقارير".
وأرجع الثويني دوافع بعضهم إلى أنهم "ربما أقنعوا أنفسهم بأنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، في ظل قناعتهم بأن النظام القائم نظام شرعي، ومنتقديه خوارج يريدون أن يفرقوا أمر الجماعة، وشق عصا الطاعة، فوجب مقاومتهم، وإن أفضى الأمر إلى قتلهم فلا بأس" بحسب عبارته.
وردا على سؤال حول إمكانية تغيير تلك الذهنيات والممارسات، لفت الثويني إلى "ضرورة الاجتهاد في تصحيح مفاهيم أولئك خاصة ما يتعلق منها بطبيعة الأنظمة وواقعها، وكذلك أهمية الأخوة الإسلامية، ومدى الحاجة إلى تغيير الأوضاع القائمة".
وختم بالقول إن ذلك يجب أن يتم مع لفت انتباههم إلى "اندفاع الأنظمة في بلاد المسلمين نحو العلمنة الصريحة، ما يعني أنها لم تعد بحاجة ماسة لخدماتهم، وهي في طريقها للاختفاء والزوال"، بحسب تقديره.
استنكار لخروج "الاجتماع القيادي الفلسطيني" دون قرارات محددة
محللون: هذا الخيار الفعال للسلطة الفلسطينية تجاه قرار ترامب
ما تقديرات إسرائيل حول تهديد أردوغان بقطع العلاقات معها؟