تؤكد معظم الأوساط السياسية والدبلوماسية في بيروت؛ أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها، قد أدخل
فلسطين والمنطقة كلها؛ في مرحلة جديدة تتجاوز كل التطورات التي حصلت خلال السنوات السبع الماضية، وقد تدفع هذه المتغيرات المنطقة إلى أتون مواجهات جديدة لا يمكن لأحد ان يحدد طبيعتها وآفاقها المستقبلية.
وتعتبر هذه الأوساط أن ردود الفعل المختلفة حول القرار الأمريكي، سواء كانت سياسية أو دبلوماسية، أو من قبل قادة قوى المقاومة أو بعض رؤساء الدول العربية والإسلامية، وحتى على الصعيد الدولي، تشير إلى أن ما جرى لا يمكن أن ينتهي بتسويات سياسية أو دبلوماسية، بل قد يكون مدخلا طبيعيا لتشكيل جبهات أو محاور جديدة تختلف كلية عن المحاور التي شكلت خلال السنوات السبع الماضية، وأننا سنكون أمام معركة شاملة مفتوحة على كل الاحتمالات.
لكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في بيروت وفي دول المنطقة: هل سنكون أمام جبهة جديدة للمقاومة تضم كل القوى المقاومة في المنطقة؟ وما مدى إمكانية تجاوب هذه القوى مع الدعوة التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله على صعيد وضع استراتيجية جديدة لكل قوى المقاومة؟ وهل يمكن لهذه القوى أن تتجه لفتح كل الجبهات دعما للشعب الفلسطيني؟ أم أن الأوضاع الدولية والإقليمية، والحسابات القُطرية، قد تقف مانعا من الذهاب إلى حرب شاملة؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، تستعرض هذه الأوساط بعض المعطيات من أجل رسم خريطة جديدة لموازين القوى الدولية والإقليمية والفلسطينية، ولتحديد آفاق المعركة المقبلة. ومن هذه المعطيات: الاتجاه الدولي العام الرافض لقرار الرئيس الأمريكي، وبروز مواقف عربية وإسلامية حاسمة في معارضة السياسة الأمريكية، وخصوصا المواقف التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تتلاقى مع مواقف المسؤولين الإيرانيين والروس والعديد من قادة دول المنطقة، وعدم قدرة الدول العربية، أو الإسلامية الحليفة لأمريكا أو المتعاونة معها، على تغطية قرار الرئيس الأمريكي، واضطرار بعض هذه الدول للسير مع الاتجاهات الرافضة للقرار، وبروز حالة شعبية عربية وإسلامية ودولية ضد السياسات الأمريكية، وعودة قضية
القدس والقضية الفلسطينية كي تكون القضية الأولى في جدول اهتمامات شعوب ودول المنطقة.
لكن في مقابل هذه المؤشرات الإيجابية، فإن القضية الأبرز ترتبط بقدرة قوى المقاومة، سواء في داخل فلسطين أو خارجها، على خوض معركة مفتوحة ضد الكيان الصهيوني، ومدى قدرة هذه القوى على تتحمل تبعات هذه المعركة وتحقيق الأهداف المنشودة.
حول هذا السؤال وغيره من الأسئلة، تؤكد مصادر مطلعة على أجواء قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعربية؛ أن المعطيات الميدانية والسياسية اليوم، سواء في داخل فلسطين أو على مستوى دول المنطقة، هي أفضل بكثير مما كانت عليه في السنوات الماضية، وأن هناك حوالي ربع مليون مقاتل جاهزون لخوض أية حرب شاملة في حال اتخذ القرار، وأن أية معركة عسكرية لن تبقى محصورة في جبهة واحدة، وأن التطورات التي جرت في سوريا والعراق ولبنان في السنوات الماضية؛ قد أدت إلى تشكيل قيادة عسكرية مركزية لكل قوى المقاومة، وأنه أذا انضمت القوى الفلسطينية إلى هذه القوى، مع دعم إيراني - تركي - روسي، وامتداد شعبي عربي - إسلامي، فسنكون أمام جبهة متماسكة قادرة على التأثير، ليس فقط في المجال العربي والإسلامي، بل حتى على الصعيد الدولي.
فهل آن الأوان لفتح هذه المعركة الشاملة، أم أن حسابات أخرى، وضغوط دولية وإقليمية، قد تؤجل هذه المعركة، وتعيد الأمور إلى مفاوضات جديدة، أو تراجعات محدودة للإدارة الأمريكية؛ كي تستوعب الهجمة المضادة وتقطع الطريق أمام المعركة الشاملة؟