يعيش الفلسطينيون الذكرى الثلاثين لانطلاق الانتفاضة الأولى، التي
عرفت باسم "انتفاضة الحجارة" عام 1987 بعد أكثر من عشرين عاما من
الاحتلال الإسرائيلي لكامل فلسطين عام 1967.
وجاءت الانتفاضة الأولى بعد شعور الفلسطينيين بتنامي الاضطهاد
والتنكيل والانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال وحرمانهم من أبسط الحقوق
الحياتية، علاوة على ممارسات المستوطنين التي تصل لاستباحة دمائهم دون أدنى حساب.
وتعد حادثة دهس العمال الفلسطينيين في مدينة جباليا بقطاع غزة شرارة
الانتفاضة الأولى، بعد قيام مستوطن يقود شاحنة بتعمد دهس عمال عائدين لبيوتهم مساء
8 كانون ثاني/ديسمبر عام 1987 ما أدى لاستشهاد 4 منهم.
وسعت سلطات الاحتلال منذ اللحظة الأولى للحادثة إلى أن الالتفاف على
الأسباب التي تقف وراءها وحاولت تصويرها على أنها حادثة دهس عرضية، ثم تطور الأمر
للحديث على أنها انتقام من قريب مستوطن تعرض للطعن في غزة، إلا أن تلك الأسباب لم
تمنع انفجار الموقف وانطلاق الانتفاضة.
وتطورت الأحداث في اليوم التالي التاسع من كانون ثاني/سبتمبر 1987 بعد
خروج الجنازات من جباليا، لتتحول إلى مواجهات واسعة مع قوات الاحتلال عبر الرشق
بالحجارة، وتوالي سقوط إصابات وشهداء ساهم في اشتعال مناطق القطاع والضفة الغربية
شيئا فشيئا، وطلب مزيدا من الدعم للسيطرة
على حالة الغضب المتصاعدة.
وعلى الرغم من الاستنفار الإسرائيلي بعد اتساع رقعة المواجهات، إلا أن
القيادات العسكرية حاولت التقليل من أهميتها وتوقعت انحسارها خلال فترة قصيرة، لكن ذلك
لم يحصل وكسر حاجز الخوف في التعامل مع الجنود، وصعد عدد من الشبان بشكل غير مسبوق
على جيبات عسكرية وجاب طلاب الجامعة الإسلامية بغزة الشوارع للتحريض على التظاهر
وإعلان الإضراب العام.
ورفض غالبية الفلسطينيين التوجه لأعمالهم خلال الأيام الأولى
للانتفاضة، وأغلقت المحال التجارية وتعرضت الحياة العامة للشلل، الأمر الذي استفز
الحكومة الإسرائيلية برئاسة الراحل إسحاق رابين في حينه، واتخذ قرارات قاسية لقمع
الانتفاضة وإنهاء حالة الغضب التي تسود الأراضي الفلسطينية.
وأطلق رابين سياسته الشهيرة التي عرفت باسم "تكسير الأيدي
والأرجل"، لفرض الهدوء مرة أخرى وإنهاء المواجهات، وقام مصور إسرائيلي بالتقاط
مشاهد مروعة لجنود إسرائيليين يقومون بتحطيم أيدي وأرجل فتية فلسطينيين في أحد جبال
نابلس، الأمر الذي أثار ضجة دولية من الانتهاكات الإسرائيلي وفاق حالة الغضب.
ولجأ الاحتلال إلى الاستعانة بما يعرف بقوات حرس الحدود لقمع
الانتفاضة، وزعمت الحكومة الإسرائيلية إصدار قواعد للتعامل مع الحشود في المواجهات، تتعلق بكيفية إطلاق النار ومتى، لكن تلك القواعد كانت مزاعم لا وجود لها على أرض
الواقع، وكان الجنود يتعمدون إطلاق النار بشكل مباشر على رؤوس وصدور الفلسطينيين، ما
أوقع عددا كبيرا من الشهداء والمصابين بجروح خطرة.
تميزت الانتفاضة الأولى بلجوء الفلسطينيين إلى المواجهة مباشرة مع
قوات الاحتلال عبر إلقاء الحجارة وقطع الطرق أمام قوات الاحتلال بالإطارات
المشتعلة، والاعتماد على شل الحياة العامة والعصيان المدني والإضرابات عن العمل، وهو
الأمر الذي استفز الاحتلال مرارا ودفع جنوده لخلع أقفال المحلات، وإجبار أصحابها
بالقوة على العمل.
لكن الاحتلال بالمقابل لجأ إلى محاصرة الفلسطينيين اقتصاديا عبر العديد
من المجالات ومنها:
مصادرة مساحات واسعة من الأراضي بحجج عديدة؛ كإجراء عقابي للفلسطينيين
وحرمانهم من مساحات كبيرة من الأراضي المنتجة زراعيا.
مصادرة الأموال وسرقة البضائع التجارية للتجار
الذين يقدمون على الإضراب، بالإضافة إلى استخدام العملاء لحرق المحلات المساهمة في
الانتفاضة، الأمر الذي ألحق خسائر جسيمة بحق آلاف التجار.
إحراق المساحات المزروعة في مئات القرى وخاصة
في فترة المحاصيل الكبيرة كالقمح والزيتون، في خطوة أشبه بعملية التجويع، علاوة على
قطع الأشجار المثمرة كالحمضيات واللوزيات.
فرض حظر التجول وتقييد حركة دخول العمال إلى الأراضي المحتلة عام 1948، من أجل خلق وضع اقتصادي صعب يدفع الفلسطينيين للتراجع عن الانتفاضة.
وأقدم الاحتلال على هدم البيوت بحجج أمنية وحول العديد منها لنقاط
عسكرية، وابتكر أساليب جديدة لمنع الفلسطينيين من البناء وهدم البيوت بحجة عدم
الترخيص.
وعلى صعيد ضحايا القمع الإسرائيلي للانتفاضة بلغت حصيلة الشهداء أكثر
من 1200 شهيد، بحسب العديد من التقديرات، في حين وصل عدد الجرحى إلى 90 ألفا نتيجة
استخدام الرصاص والرصاص المطاطي، وعمليات التنكيل والتعذيب الواسعة، بالإضافة إلى
سقوط العديد من الأطفال شهداء وجرحى خلال المواجهات.
واعتقلت قوات الاحتلال ما يقارب من60 ألف فلسطيني من القدس والضفة والقطاع والفلسطينيين
في الأراضي المحتلة عام 1948 بالإضافة للأسرى العرب.
العاهل الأردني يحذر من تداعيات نقل السفارة الأمريكية للقدس