نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا على إثر نشر دونالد
ترامب لتغريدة معادية للمسلمين، اعتبرت فيه أن عنصرية الرئيس الأمريكي تعكس عنصرية متأصلة في أوساط
اليمين المتطرف والقوميين في أوروبا منذ قرون.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الأحكام المسبقة ضد الإسلام والمسلمين باتت وباء مستفحلا في أوروبا خلال سنة 2017. لقد أصبحت "مسألة المسلمين" محورية في كل النقاشات السياسية لليمين المتطرف، الذي نجح في حصد الدعم الشعبي والتقدم في استطلاعات الرأي بشكل لم يحققه منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة في فرنسا، والتشيك، والنمسا وألمانيا.
وأوردت الصحيفة أن الخوف من ارتكاب المسلمين لهجمات إرهابية بات جزء من الرأي السائد في الحياة السياسية الأوروبية والأجهزة الأمنية، وهو ما حذرت منه العديد من المنظمات الحقوقية، على غرار منظمة العفو الدولية. كما يعتبر الصحفيون والباحثون أن هذه الهجمة المحمومة ضد الإسلام، التي تأججت بشكل خاص منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وإعلان "الحرب على الإرهاب"، جعلت من المسلمين "
اليهود الجدد في أوروبا"، بعد أن خلقت أجواء معادية لهم تشبه أجواء ثلاثينيات القرن الماضي وأواخر القرن 19.
وبينت الصحيفة أن المقارنة بين الظاهرتين ليست في محلها، لأن
الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية هما نوعان مختلفان تماما من العنصرية، حدث كل منهما في زمن وسياق تاريخي مختلف. ويعكس التاريخ المشترك بين كلتا الظاهرتين وجود بعض نقاط التشابه. ولكن هناك أيضا اختلافات عميقة، أدت مع حلول منتصف القرن 20 إلى ظهور كل منهما في شكل خاص به.
وذكرت الصحيفة بعض نقاط التشابه بين الإسلاموفوبيا الحالية ومعاداة السامية في الماضي، من بينها الخوف الوهمي من غزو إسلامي قادم من الشرق، والهوس بنظرية وجود مؤامرة يحيكها
المسلمون، وتعميم تهمة اضطهاد الرجل المسلم للمرأة المسيحية وتحرشه بها.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب كراهية الإسلام الذي يتبناه أشخاص مثل الهولندي خيرت فيلدرز، الذي يدعو لمنع بناء المساجد في أوروبا، لم يصل لحد الدعوة لطرد المسلمين من القارة العجوز، أو اتهامهم بالتآمر للحصول على سلطة خفية والسيطرة على قطاعات السياسة والمال والإعلام، وهي الأفكار المعادية للسامية التي كانت منتشرة في أوروبا خلال القرن 20.
كما سادت حينها فكرة الربط بين اليهودية والاشتراكية، كجزء أساسي من نظرة الأوروبيين لليهود قبل الحرب العالمية الثانية. ولكن ليس لهذه الفكرة التي تنشر الخوف من تهديد "يهودي بلشفي" نظير في الخطاب الأوروبي المعاصر ضد الإسلام.
وأضافت الصحيفة أن نقاط الائتلاف بين معاداة اليهود ومعاداة المسلمين تحتاج للتوضيح. ففكرة الخوف من سيطرة المسلمين على السياسة والمال ليست قائمة اليوم، ومع ذلك يروج دعاة الإسلاموفوبيا إلى أن الإسلام يسعى للقضاء على المسيحية في الغرب. وهذا يشبه فكرة التعطش اليهودي لتسيّد العالم التي كانت سائدة منذ خمسة قرون، وذكرها الكاتب المسيحي مارتن لوثر، في كتابه "اليهود وأكاذيبهم".
وتجدر الإشارة إلى أن لوثر في كتابه أوضح أن "اليهود يريدون مسيحا لأنفسهم وسيادة العالم، لإرضاء شهوتهم والاحتفال بمفردهم على حساب هذا العالم، وهو أمر يضمره المسلمون أيضا وليس اليهود فقط. فالنبي محمد يعد أتباعه بهذا الأمر، ولهذا يمكن اعتباره هو أيضا يهوديا صميما، واليهود أيضا مسلمون حقيقيون".
وقالت الصحيفة إن المسيحيين في القرون الوسطى وبدايات العصر الحديث كانوا يعتبرون أن اليهود، شعب التوراة الذين رفضوا المسيح، على أنهم العدو الأول للديانة المسيحية، وأنهم متحالفون مع الشيطان. ولكن، بعد ظهور الإسلام في القرن السابع للميلاد، أصبح رجال الدين المسيحيون يرون أن المسلمين واليهود كلاهما محرّفان للحقيقة الدينية، أي أن كلاهما يعتبر خصما ضمن عالم الديانات التوحيدية الإبراهيمية.
وأشارت الصحيفة بأن تلك الفترة كانت فيها التعاليم الدينية مرتبطة بشكل جوهري بالوصول للسلطة، وكان التنافس الديني بين اليهودية والإسلام ومختلف المذاهب المسيحية ينظر إليه على أنه في الواقع صراع على السلطة السياسية.
كما ذكرت الصحيفة أن الجمع بين اليهود والعرب المسلمين في سلة واحدة في أوروبا تم من خلال فكرة "السامية". وهي عبارة ظهرت في نهاية القرن 18، للتعبير عن مجموعة من الناس الذين يتكلمون لغات متشابهة تتحدر من غرب آسيا. وفي إطار مساعي الباحثين لتصنيف البشر بحسب خصائصهم اللغوية والعرقية، تبين أن أصل التسمية يعود إلى اسم سام، الذي ذكر في سفر التكوين أنه من أبناء النبي نوح.
واعتبرت الصحيفة أن الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية يشهدان تصاعدا واضحا في أوروبا خلال سنة 2017، ولكن بطرق مختلفة. في الواقع، إن فكرة المؤامرة اليهودية الكونية انتشرت، ولكن في شكل جديد، على غرار الهجمة التي يتعرض لها الرجل الثري اليهودي، جورج سوروس.
وفي الختام، بينت الصحيفة أن المسلمين باتوا مستهدفين من قبل الرأي العام والحكومات، ويعتبرون إرهابيين محتملين لدرجة أن التقاليد الديمقراطية والليبرالية الغربية أصبحت تتعرض للانتهاك والتجاهل بحجة حماية الأمن. أما تغريدات ترامب المعادية للإسلام فهي تأتي في هذا السياق، وتهدف لإظهار المسلمين على أنهم دعاة عنف وهمجية.