هل أضحت المقامات الدينية "مسمار جحا" للتمدد الاستيطاني؟

ما أن تدق الساعة 11 ليلا حتى يحل الترقب على السكان المحيطين بقبر يوسف في منطقة بلاطة البلد إحدى ضواحي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، فالسكان هنا اعتادوا دخول المستوطنين إلى القبر بين فترة وأخرى بحراسة معززة من جيش الاحتلال، واقتحام بيوتهم، والانتشار على أسطحها، واندلاع اشتباكات بين الشبان وجيش الاحتلال، تستمر حتى ساعات الفجر.

قبر يوسف واحد من مقامات وأضرحة عدة يحاول المستوطنون إثبات وجودهم فيها من خلال أداء صلواتهم بزعم مكانتها الدينية، ومن تلك المقامات: أضرحة بلدة عورتا قرب نابلس، وأضرحة بلدة كفل حارس قرب سلفيت وسط الضفة، ومقام يونس في بلدة حلحول قرب الخليل جنوب الضفة.

الفلسطينيون اعتبروا أن الاحتلال ومستوطنيه يتخذون من هذه الأماكن حججا للتوسع الاستيطاني في تلك الأماكن، ومحاولة إثبات حق تاريخي، وقال مختصون قابلتهم "عربي21"، إنها "ادعاءات غير صحيحة".

أهداف سياسية

بدوره، اعتبر مدير دائرة المواقع الأثرية في شمال الضفة عبد الرحيم عواد، أن الأهداف الأساسية من وراء تحويل بعض المقامات لمزارات لدى المستوطنين هي أسباب سياسية بحتة وليس لها أي أبعاد أو جذور دينية.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "يلجأ الاحتلال للدافع الديني والعقائدي في محاولة لتبرير السيطرة والزحف إلى هذا المكان والسيطرة عليه لاحقا، وبدأ الاحتلال يلجأ لهذا الدافع مؤخرا كحيلة جديدة إلى جانب الحيل السابقة للسيطرة على مساحات شاسعة من الأرض بأسرع وقت ممكن".

ونوه عواد إلى أن تسمية المقامات بأسماء أنبياء لا يعني أن هناك رابطا بين النبي وهذا المقام، قائلا: "لا يعني وجود أثر من النبي فيه، المقامات الموجودة في فلسطين هي مقامات إسلامية وتعود في غالبيتها للفترة المملوكية، وطرازها وطريقة بنائها تؤكد على ذلك، ومن المعروف أن المسلمين يعترفون بكافة الأنبياء ويكنون لهم احتراما دينيا وبالتالي يطلقون أسماء الأنبياء على المقامات من باب الاحترام والتقدير ليس من باب وجود علاقة بين المقام والنبي".

اقرأ أيضا: 70 عاما على "التقسيم".. هل أصبحت دولة فلسطين بعيدة المنال؟

وحذر المسؤول الفلسطيني، من أن سلطات الاحتلال تحاول إيجاد موطئ قدم للمستوطنين في مناطق متفرقة من الضفة وبعدة محافظات كما هو الحال مع مقام يوسف في نابلس، ومقامات كفل حارس بمحافظة سلفيت ومؤخرا مقام النبي يونس في حلحول، وهذه المقامات ليس لها علاقة بأي تاريخ يهودي مزعوم في المنطقة، وحتى علماء التاريخ والآثار الإسرائيليين يعلمون ذلك، لأنهم لم يجدوا أي مدلول أثري يهودي".

وتابع إن سلطات الاحتلال "تتخذ العديد من الذرائع للسيطرة على الأراضي والمناطق الفلسطينية، منها ما هو تحت ذريعة الدواعي الأمنية، ومنها ما هو تحت ذريعة أراضي الدولة، ومنها تحت ذرائع دينية، وكل هذه الأمور حجج واهية الهدف القادم منها إيجاد بؤر وتجمعات استيطانية على أراضي المواطنين".

وحول تأثير هذه الممارسات على التاريخ والتراث الفلسطيني أشار عواد إلى "أن كل هذه الممارسات والمحاولات الإسرائيلية لا تستطيع طمس تاريخ وحضارة فلسطين التي تعود لآلاف السنوات، وكل الدلائل والآثار في هذه الأرض تشير إلى حضارتها وتاريخها العربي الفلسطيني، ولا يمكن لدلائل مختلقة ومزورة أن تطمس واقعا عريقا".

الاستيلاء على الأرض

بدوره قال مدير حماية المواقع الأثرية بدائرة الآثار محمود البيراوي، إن "الاحتلال يسوق الروايات التاريخية، والدينية المزورة حول المقامات الإسلامية، بهدف الاستيلاء على الأرض، مثل العديد من المقامات في سلفيت والخليل ونابلس، حيث تم الاستيلاء على معظم هذه المقامات لصالح بناء وتوسعة الاستيطان".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه المقامات والأماكن وما حولها تستخدم لأغراض عسكرية، مع استغلالها لأغراض سياسية، والسيطرة عليها وطمس الهوية التاريخية، فالأطماع بتلك الأماكن تنطلق من محاولة إبراز علاقة يهودية بالاسم حتى تكون مبررا لهم سياسيا للسيطرة على هذه المواقع ومن ثم تركيز التواجد فيها، وتتحايل جهات عدة لإقناع  المستوطنين أن هذه الأماكن من حقهم وبالتالي يظهر تمسكهم بها كونه مطلبا دينيا أمام الرأي العام العالمي".

نحو 600 مزارا ومقاما

أما المختص بالمقامات والأضرحة الدينية جبر خضير، أرجع هذه الأضرحة والمقامات إلى أن "فلسطين بلدة الأنبياء والأولياء، وهذه المقامات ارث إسلامي، وأكثرها أصلها مساجد، وكانت تقام بها الصلوات مثل مقام يوسف، فهو في الأصل مسجد، ومقام سيدنا يونس بالخليل ومقامات عورتا وكفل حارس، والاحتلال يحاول تحويلها لإرث يهودي تحت أي مسمى".

وطالب خضير الفلسطينيين "زيارة الأضرحة والقبور وترميم كل المقامات والقبور. وأدعو وزارة الأوقاف إلى تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الإرث الإسلامي وتشجيع المواطنين لأداء الصلوات فيها".

وشدد الباحث خضير في حديثه لـ"عربي21"، على أن الحفريات الإسرائيلية في تلك الأماكن  لم تؤد إلى إيجاد أي ارث يهودي في فلسطين."

وحسب كتاب "الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين" للباحث توفيق بشاره كنعان، تم توثيق وجود  235 موقعا و348  مزارا في فلسطين  كانت تقام فيها الاحتفالات الإسلامية والأذكار والموالد والحكايات عن الأولياء والأشعار التي يغنيها الناس تكريما لهم.