ثنائية السيسي والإرهاب

منذ تلك اللحظة المشؤومة التي استدعى فيها الجنرال السيسي مواجهة الإرهاب، في السادس والعشرين من تموز/ يوليو 2013، حين وقف مختفيا خلف نظارته السوداء، مطالبا شعبه بمنحه تفويضا مفتوحا وغير مشروط لمواجهة ما سماه الإرهاب المحتمل، من ساعتها وأنا أراهن، كما راهن كثيرون، على أن السيسي استدعى الإرهاب لكي يكون قرينه وسر بقائه فوق عرض مصر، حتى تصبح مصر خرابا ودمارا، وساعتها لن يكون هناك معنى للحكم، ولا داعي للكرسي ولا للسيسي بطبيعة الحال.

لم يسجل الجنرال، الذي امتلك المليارات وحاملات السفن والطائرات والغواصات والدعم غير المسبوق من جبهة دعم الانقلابات والاضطرابات، ومركزها الرياض وغرفة عملياتها الموجودة في تل أبيب وأبو ظبي.. لم يسجل نصرا واحدا على ما أسماه الإرهاب.. خسر السيسي كل معاركه، صغيرها وكبيرها.

لم يقدم السيسي وقواته للمحاكمة، ولو إرهابيا واحدا من هؤلاء الذين يزعم أنهم قاموا أو يقومون بالعمليات في سيناء أو خارجها، منذ اغتصابه للسلطة وحتى اليوم، وهذا يعني أنه لم ينجح في القبض على أي منهم؛ لأن قواته، وباختصار، ليست مدربة ولا جاهزة للاشتباك مع التنظيمات المسلحة.

لم يستطع الجنرال صاحب الخلفية العسكرية أن يحمي جنوده وضباطه من ضربات الارهاب الآثمة، لم نسمع ولو مرة واحدة أنه أجهض عملية إرهابية محتملة

لم يستطع الجنرال صاحب الخلفية العسكرية أن يحمي جنوده وضباطه من ضربات الإرهاب الآثمة، لم نسمع ولو مرة واحدة أنه أجهض عملية إرهابية محتملة.

كل ما نسمعه أو نراه هو قصف متأخر لطيرانه؛ لبيوت ومساكن الآمنين وبعض المناطق الصحراوية، وتصوير جوي لعربات الدفع الرباعي التي يتم توزيع صورها بعد كل عملية على أنها عربات الإرهابيين المدمرة. بينما، وعلى العكس، فإن التنظيمات المسلحة عادة ما تقوم بعرض ما اغتنمته من قوات الجيش والشرطة، من عربات ودبابات ومصفحات. وأخيرا، وكما حصل في عملية الواحات، وقعت قوة بوليسية عظيمة في فخ كبير، وتم حصد أرواح مجموعة من كبار الضباط المتخصصين في الأمن الوطني؛ الذين تركوا وراءهم أسلحتهم الخفيفة وعرباتهم وأجهزة اتصالاتهم، دون عناء المقاومة التي لم يتدربوا عليها، فعملهم مقصور على اقتحام بيوت الآمنين، وأسر النساء، وقتل الشباب المسجونين والأسرى عند قوات أمن النظام.

ما نراه اليوم هو نوع جديد من الإرهاب المستحدث والجديد على مصر، وعلى الإرهاب نفسه؛ لأن العمليات المسلحة التي تجري عادة في سيناء، أو حديثا في الواحات البحرية، كانت تقتصر على مهاجمة الجيش والشرطة، وحتى أجهزة المخابرات ومواقع استجواب وتعذيب المقبوض عليهم، وقتلهم أحيانا، خصوصا في سيناء، ثم جاءت عملية الهجوم على أوتوبيس المسيحيين في الفيوم، وهو الحادث الذي أثيرت حوله الشبهات، حيث لا يزال النظام يبحث عن دعم أجنبي، ويعتقد أنه وجد ضالته في الهجوم على المسيحيين.

أما الهجوم على المساجد، فهو أمر لا يمكن فهمه في إطار العلاقة بين الإرهاب والسيسي. فكيف حوّل الإرهابيون وجهتهم من مواجهة قوات السيسي إلى قتل المصلين؟ هناك ألف علامة استفهام حول هذه العملية، ومحاولة تفسيرها على أنها تأتي في إطار تكفير التنظيمات المسلحة للتيارات الصوفية؛ هو تفسير قاصر، إذ أن التيارات المسلحة لديها أولويات حسب فهمها للصراع مع السلطة، ولو كان استهداف غير الشرطة والجيش هدفا لاستهدفت هذه التنظيمات مؤيدي النظام وحوارييه ومفتييه وإعلامييه. ولكن بقراءة لطبيعة العمليات التي تمت، فسوف نجد أن هؤلاء الذين ذكرتهم ليسوا على قائمة استهداف المسلحين. هذا أولا، أما ثانيا فهو أنه، و لو سلمنا بأن هذه العملية تأتي في اطار تصفية وتهديد التيارات الصوفية والنيل منها، لو سلمنا جدلا بذلك؛ فلماذا يذهب هؤلاء بعيدا ليستهدفوا مسجدا للصوفية في سيناء وليس في قلب القاهرة، وفي قلب عواصم المحافظات الكبرى في مصر؛ المعروفة بأن فيها مساجد للصوفية أو الطرق الصوفية، مثل الشاذلية والبرهانية والحامدية، وغيرها بالعشرات إن لم يكن بالمئات؟

ثم ثالثا، وهذا مهم لفهم ما جرى في حادثة مسجد بئر العبد في العريش، والتي راح ضحيتها ما يفوق الثلاثمائة روح بريئة وعشرات المصابين، لماذا لم يعلن أي من التنظيمات المسلحة عن تبنيه أو رعايته للحادث؟ هل يحتاجون إلى كل هذا الوقت حتى يخرجوا إلى العالم ببيان يوضحون فيه الأمر، وهم الذين لا يتأخرون كثيرا عقب كل عملية يقومون بها ضد الجيش والشرطة؟

 

لماذا لم يتحرك الجيش؟ هل كان الجنود والضباط مشغولين بشيء آخر؟ وهل يعقل أن يتأخر الجيش والشرطة والإسعاف لساعات قبل التحرك؟

ورابعا، وهذا هو الأهم، فحسب خرائط جوجل، فإن هناك معسكرا للقوات المسلحة يبعد فقط كيلومترا، أي الف متر، عن موقع الحادث، فلماذا لم يتحرك الجيش؟ هل كان الجنود والضباط مشغولين بشيء آخر؟ وهل يعقل أن يتأخر الجيش والشرطة والإسعاف لساعات قبل التحرك؟ ثم وفي منطقة ساخنة، مثل العريش وبئر العبد، ألا يوجد مستشفى مركزي قريب؟ ثم أين الإسعاف الطائر؟ أم أنه يستخدم لنقل الفنانين الذين يصابون في حوادث الطرق؟

في رأيي المتواضع أن السيسي استدعى الإرهاب ليثبت لمن أتوا به للسلطة أنه قادر على مواجهة ما أسماه الإرهاب المحتمل. أو بمعنى آخر، فإن الموضوع أصبح أكبر من قدراته وإمكاناته المتواضعة فعلا، لذا وفي إطار البحث عن مخرج، رأى السيسي توسيع رقعة الإرهاب من أجل استدعاء العالم لكي يدعمه. ولا ننسى أبدا نداءه الذي وجهه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب الهجوم المسلح على أوتوبيس المسيحيين على طريق الفيوم، وهو النداء الذي لم يسمعه ترامب وقتها لانشغاله بقضايا محلية ودولية أهم.

اليوم، يعيد السيسي الكرّة عبر هذا الحادث الإجرامي؛ الذي إما وقع بعلم مسبق من السيسي، أو سمح بوقوعه لاستثماره واستغلاله سياسيا، كما فعل من قبل.

لو تابعت الضجة والزفة الإعلامية التي صاحبت تغطية مجزرة مسجد بئر العبد بالعريش؛ لأدركت أن دماء الشهداء تستثمر الآن لصالح السيسي ولصالح بقائه في السلطة، وتستخدم ضد الإخوان المسلمين والأزهر. ولا أعرف ما علاقة الإخوان والأزهر بمن قاموا بالعملية، لو افترضنا أنهم قاموا به على قاعدة عقدية بحتة؛ لأن هؤلاء القتلة يكفرون الإخوان والأزهر، كما يكفرون الصوفية والشيعة.

 

السيسي والإرهاب وجهان لعملة واحدة. فلا يمكن للجنرال أن يسيطر ويهيمن ويخضع الشعب ويدمر ثروات البلاد؛ دون مبرر

أكرر ما قلته قبل سنوات، أن السيسي والإرهاب وجهان لعملة واحدة. فلا يمكن للجنرال أن يسيطر ويهيمن ويخضع الشعب ويدمر ثروات البلاد، دون مبرر، خصوصا مع تواضع إمكاناته وضحالة طريقة تفكيره، وهوسه الشديد بالسلطة، وتضخم الأنا في داخله.

تخيل معي عزيزي القارئ؛ لو أن ما يسمى الإرهاب اختفى، ولمدة سنوات، ماذا عساه أن يفعل السيسي؟

كيف سيتصرف في مياه نهر النيل وسد النهضة؟

ماذا سيفعل في انهيار الاقتصاد، وفي خسائر مشروعه الفنكوش في قناة السويس؟

بماذا سيبرر فشله في زراعة ملايين الأفدنة، وبناء ملايين الوحدات السكنية؟

بماذا سيبرر اعتقال المصريين وتعذيبهم وتصفيتهم نهارا جهارا؟

الإرهاب هو كلمة السر لبقاء السيسي، كما كان لغيره من الأباطرة.

يبقى الجنرال عادة محميا من الإرهاب، ولكن تبقى الأوطان وحدها تدفع الثمن.