تصدرت في الأيام الأخيرة في نشرات وسائل الإعلام التركية وصفحاتها؛ تقارير وتحليلات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية، كالاستفتاء الشعبي الذي أجري في إقليم كردستان وما حدث بعده في شمال العراق، واعتقال عشرات من الأمراء والعلماء والمسؤولين ورجال الأعمال في المملكة العربية السعودية، وزيارات أردوغان لروسيا والكويت وقطر، واحتمال تفجر أزمة جديدة بين أنقرة وواشنطن بسبب قضية رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا ضراب، المعتقل في الولايات المتحدة، إلا أن الرأي العام التركي ما زال يولي اهتماما كبيرا للتطورات الداخلية والملفات المرتبطة بالمشهد السياسي.
تركيا تواجه حاليا مشاكل وتحديات تحيط بها، وتشغلها ملفات ساخنة، كتلك المتعلقة بالأزمة السورية، والتصدي لمشروع تقسيم المنطقة لإقامة حزام على طول الحدود التركية السورية يسيطر عليه حزب العمال الكردستاني، كما تستعد لإطلاق عملية عسكرية جديدة لتطهير عفرين من الإرهابيين، على غرار عملية درع الفرات، وانتشار القوات التركية في إدلب. وبالتوازي مع انشغالها بهذه الملفات في الخارج، يجب أن تكمل في الداخل مسيرة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بشكل سلس، في ظل التنافس السياسي الذي يتوقع أن يشتد أكثر كلما اقترب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في 2019.
بالتوازي مع انشغالها بالملفات في الخارج، يجب أن تكمل في الداخل مسيرة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بشكل سلس
مراكز الدراسات والبحوث تجري في تركيا استطلاعات للرأي بشكل منتظم لجس نبض الشارع ومعرفة ميول الناخبين. وتعطي نتائج هذه الاستطلاعات المحللين والمراقبين مؤشرات تسهم في قراءة المشهد السياسي للبلاد. وتشير نتائج آخر استطلاع للرأي، أجراه مركز الأبحاث الموضوعية التركي (أو آر سي)، إلى أن 59.4 في المئة من الناخبين يرون أن تركيا ليست بحاجة لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة في تركيا، فيما يقول 30.2 في المئة منهم إن البلاد تحتاج إلى انتخابات مبكرة.
وفقا لنتائج ذات الاستطلاع، لو جرت الانتخابات البرلمانية الآن لحصل حزب العدالة والتنمية الحاكم على 48.9 في المئة، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 23.9 في المئة، وحزب الحركة القومية على 10.2 في المئة، وحزب الشعوب الديمقراطي على 7.5 في المئة، والحزب الجيد الذي تم تأسيسه مؤخرا على 6.7 في المئة من أصوات الناخبين. وكان هناك سؤال آخر وُجِّهَ إلى الناخبين الأتراك الذين تم استطلاع آرائهم، وهو: "هل تثق برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان؟"، ورد 61.7 في المئة منهم على هذا السؤال بـــ"نعم"، فيما كان جواب 38.3 في المئة "لا".
نتائج الاستطلاع تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان ما زال يحافظ على شعبيته
هذه النتائج تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان ما زال يحافظ على شعبيته، على الرغم من عملية التجديد وإعادة البناء التي يشهدها منذ عودة أردوغان إلى رأس الحزب. كما تشير إلى أن حزب الحركة القومية يقف على شفا حفرة الحاجز الانتخابي (10 في المئة)، ما يعني أن البرلمان التركي القادم قد يتألف من حزبين فقط، إن لم تكن هناك تحالفات انتخابية تحمل أعضاء أحزاب صغيرة إلى البرلمان.
السؤال الذي يشغل المراقبين منذ تأسيس الحزب الجيد برئاسة وزيرة الداخلية السابقة ميرال آكشنر هو: "هل يمكن أن ينجح هذا المشروع في إسقاط أردوغان وحزبه؟". ولعل نتائج الاستطلاع تجيب على هذا السؤال، وتؤكد أن "مشروع آكشنر" بعيد حتى اللحظة عن تحقيق ذاك الهدف في الانتخابات القادمة.
النسبة التي حصل عليها "الحزب الجيد" برئاسة آكشنر في استطلاع الرأي؛ جاءت من الأصوات الهاربة من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية. ولا يستبعد أن يصوت بعض الناخبين الذين سبق أن صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي لصالح "الحزب الجيد" في الانتخابات القادمة. ولكن يبدو أن كل هذه الأصوات لن تكفي ليتمكن "الحزب الجيد" من تجاوز الحاجز الانتخابي ودخول البرلمان التركي.
كل هذه الأصوات لن تكفي ليتمكن الحزب الجييد من تجاوز الحاجز الانتخابي ودخول البرلمان التركي
الدافع الأول والأهم للمجتمعين تحت سقف "الحزب الجيد" هو النكاية بأردوغان والرغبة في التخلص منه، ولكن هذا الدافع لا يكفي وحده لنجاح حزب سياسي جديد في ظل وجود أحزاب أخرى تحمل ذات الهدف. كما أن الاستقالات التي شهدها الحزب الجديد منذ تأسيسه قبل فترة وجيزة؛ يدل على أن هناك صراعا للسيطرة والنفوذ بين الزعماء المؤسسين والتيارات المختلفة.
هذه النتائج تشير إلى أن رئيس الجمهورية التركي يتمتع بثقة نسبة من الناخبين؛ يمكن أن تمكنه من الفوز في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. ويكاد يستحيل أن تجد المعارضة مرشحا منافسا لأردوغان يتمتع بشعبية مشابهة. ويعني هذا أن القوى المناوئة للرئيس التركي قد تلجأ إلى طرق أخرى غير ديمقراطية، وافتعال أزمات اقتصادية، بهدف زعزعة ثقة الشعب التركي بأردوغان، إلا أن تلك المحاولات قد تؤدي إلى التفاف الشعب التركي حول أردوغان أكثر من ذي قبل، فينقلب السحر على الساحر.
تركيا.. وضرورة مراجعة الموقف من أزمة اليمن
قراءة أنقرة لأحداث السعودية الأخيرة