فجأة، وبدون أية مقدمات منطقية، قرر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ لقاء رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي، وأمين عام التجمع عبد الوهاب الآنسي؛ الموجودين في الرياض منذ أكثر من ثلاثين شهرا.
وأكثر ما يثير الاستغراب؛ أن هذا اللقاء جاء بعد حملة شعواء شنها الإعلام السعودي على هذا الحزب الذي يمثل الشريك الأكثر صلابة للتحالف في ميدان المواجهات المسلحة باليمن. ثم إنه ترافق مع إجراءات لاحقة أبقت على الشكوك قائمة بشأن جدية الرياض في الانفتاح على الإصلاح، من قبيل شطب خبر اللقاء من موقع وكالة الأنباء السعودية.
وفي الحقيقة، إذا كان هناك طرف سياسي يواجه ظروفَ الإقامة الجبرية في الرياض، فليس إلا قيادات الإصلاح، فهي مقيدة النشاط والحركة، وتواجه تضييقا لجهة حرية الاجتماعات التي تكاد تصل إلى حد المنع المطلق. بل إن قيادات الإصلاح تعيش هما مؤرقا مرتبطة بترتيبات الإقامة التي تقتضي مراجعات دورية كل شهر تقريبا، بالإضافة إلى أن بعض القيادات الوسطية التي تواجه مشاكل مزمنة، فيما يخص الحركة إلى خارج المملكة، إذ يتعين على بعض هذه القيادات أن تمضي أكثر من شهر أحيانا حتى تحصل على تأشيرة العودة إلى المملكة التي يفترض أنها مقيمة فيها.
اللقاء يستدعي المزيد من القراءة والتعمق في دلالاته وأهدافه، خصوصا أنه يأتي إثر حملة داخلية نفذها ولي العهد لترسيخ سلطاته
لذا وأخذا بهذه الاعتبارات كلها، فإن هذا اللقاء يستدعي المزيد من القراءة والتعمق في دلالاته وأهدافه، خصوصا أنه يأتي إثر حملة داخلية نفذها ولي العهد لترسيخ سلطاته، واستهدفت في جزء منها أمراء وشخصياتٍ سياسة ومالية سعودية منافسة، وبعضها قريب جدا، بل حليف، لحاكم أبو ظبي القوي محمد بن زايد.
وقبل أن نبالغ في تقدير ما إذا كان هذا اللقاء يمثل مؤشرا على افتراق في الرؤية بين ولي العهد السعودي وحليفه الظاهري محمد بن زايد، علينا أن نبحث في الأهداف الخفية التي قد تشمل فيما تشمل؛ محاولة سعودية لإعادة بناء تحالف جديد في اليمن، أو استعادة التحالف القديم الذي كان فيه الإصلاح شريكا سياسيا للمخلوع صالح لأكثر من ثلاثة عقود.
وثمة من يقرأ في هذا اللقاء بأنه جزء من إعادة ترتيب الجبهة السنية العريضة في المنطقة، وربما طلب ولي العهد من رئيس الإصلاح وأمينه العام التحرك ضمن هذا الأفق، في إطار الجبهة التي يحظر فيها الإخوان المسلمون أكثر من غيرهم؛ من حيث التأثير الميداني.
وثمة حقيقة تلح في ذهن المراقب على هامش لقاء كهذا، ومفادها أن ولي العهد الذي ذهب إلى مقر الرئيس اليمني في الرياض قبل ذلك، وأظهر أمام الكاميرات مودة تجاه الرئيس، ربما توفرت لديه رغبة تكتيكية لطمأنة معسكر الشرعية، سلطة وقيادات حزبية، في ظل تنامي المخاوف وحالة انعدام الثقة لدى هذا المعسكر؛ بشأن المستقبل المجهول الذي ينتظر تحالفهم غير الراسخ مع الرياض والتحالف العربي إجمالا.
هناك تحولات جوهرية طرأت على المواقف السياسية للرياض وشركائها في التحالف، منذ الساعات الأولى لتدخل التحالف في الأزمة اليمنية
بدأ بإعادة صياغة خارطة تحالفاته، وبإنشاء قائمة خصومه وأعدائه، ليجد الذين ينخرطون في معركة واحدة مع التحالف أنفسهم هدفا ذا أولوية
على الرغم من أن السياسات المتطرفة التي تبنتها أبو ظبي تجاه الإصلاح، فإنه استمر شريكا مؤثرا في الميدان، لكن بقدر كبير من الحذر والريبة وتوقع الأسوأ
وعلى الرغم من أن السياسات المتطرفة التي تبنتها أبو ظبي تجاه الإصلاح، فإنه استمر شريكا مؤثرا في الميدان، لكن بقدر كبير من الحذر والريبة وتوقع الأسوأ، إلى أن جاء لقاء بن سلمان بقيادة الإصلاح؛ لينهي مرحلة طويلة من الجدل بشأن علاقة الرياض بهذا الحزب.
فهل يكفي لقاء كهذا للاطمئنان بأن مهمة الرياض في اليمن تتسق مع المشروع الوطني في هذا البلد؟ من السابق لأوانه الإجابة بنعم على هذا السؤال.