امتلأت نشرات
الأخبار العربية خلال الشهور الماضية؛ بأحداث ووقائع لم يخطر على بال رسام كاريكاتير
أن تجري على هذا النحو؛ منها مثلا حصار قطر، واعتقال أمراء سعوديين، واستقالة
الحريري المفاجئة من الرياض، وغيرها.
ويمكن وصف ما
يحدث، إجمالا، بتحولات سياسية سريعة ومباغتة وغير منطقية أو عقلانية. وما يبدأ
سياسيا هنا ينتهي غالبا بمعاناة ومشكلات اقتصادية واجتماعية، مثل الآثار
الاجتماعية السلبية على العديد من الأسر الخليجية التي ترتبت على حصار قطر، فضلا
عن ضرب التبادل التجاري لمجلس التعاون الخليجي في مقتل، بالإضافة للآثار
الاقتصادية المترتبة على اعتقال الأمراء السعوديين الذين يديرون عشرات من المشارع
الكبرى داخل وخارج العالم العربي.
تحولات سياسية سريعة ومباغتة وغير منطقية أو عقلانية. وما يبدأ سياسيا هنا ينتهي غالبا بمعاناة ومشكلات اقتصادية واجتماعية
انصبت كثير من
التحليلات المتداولة على مآلات الأزمات السياسية التي يمر بها
العالم العربي، وتتركز
معظمها في اللحظة الراهنة داخل منطقة
الخليج وتأثيرها على موازين القوى الحالية.
وسرى شعور لا إرادي عند كثيرين؛ بأننا نشاهد يوميا وقائع متلاحقة، وكأنها جزء من
مسلسل تلفزيوني تتصاعد أحداثه دراميا بشكل عنيف، وهو واقع معاش للأسف ستكون له
آثار ممتدة على أجيال، وينبغي أن نتعلم من دروس الماضي والحاضر لنتهيأ لما هو قادم؛
لأن هناك بُعدا آخر يتعلق بتأثير كل ما يجري على ملايين الناس على المدى القريب
والمتوسط. فليس سرا أن دول الخليج تحتضن ملايين العرب والآسيويين المقيمين لأغراض
اقتصادية تتعلق بالعمل، وأضيف إليها مؤخرا أسباب أمنية تتعلق بالأوضاع الأمنية
السيئة في بلدان مثل مصر وفلسطين وسوريا واليمن وليبيا.
بعد الغزو
العراقي للكويت، أي قبل أقل من ثلاثة عقود، اضطرت مئات من الآلاف من الأسر العربية
لترك الكويت فارين من المعارك، وفر آلاف مثلهم من العراق. ورغم أن أموال ومدخرات كثير
من هؤلاء ضاعت، وقد كانت رصيدهم الحقيقي في سنوات الغربة، إلا أن معظمهم وجدوا بلدانا
أخرى يعودون إليها ليستكملوا حياتهم. فقد كانت هناك دول مستقرة نسبيا. أما اليوم
فأين سيعود السوريون واليمنيون ومئات الآلاف من المطاردين المصريين وغيرهم؛ إذا اختل
التوازن الأمني في أي بلد خليجي لا قدر الله؟
في حرب تموز/
يوليو عام 2006، التي شنتها إسرائيل على لبنان، نزح أكثر من نصف مليون لبناني بسبب
الغارات الجوية والقصف، وذهب معظم هؤلاء إلى سوريا التي أكرم شعبها وفادتهم حتى
انتهت
الحرب؛ فعادوا إلى ديارهم معززين مكرمين. إذا تكرر سيناريو 2006 اليوم، بعد
أن قرعت طبول الحرب، أين سينزح هؤلاء الأبرياء وسوريا بهذا الشكل؟ هذا بالإضافة
لمصير شبه مجهول لمليون سوري لاجئ في لبنان.
ورغم فظاعة
المآسي الإنسانية في سوريا حاليا، منذ اندلاع الثورة عام 2011، إلا أن أكثر من
خمسة ملايين لاجئ سوري وجدوا حدودا يمكن عبورها للهرب من جحيم المعارك خلال
السنوات الست الماضية، فذهبوا إلى تركيا ولبنان والأردن.
إذا حدث أي من السيناريوهات السيئة المترتبة على ما يجري من تحولات سياسية مخيفة في العالم العربي الآن، فإن نتائجها الإنسانية ستكون أكثر فداحة من ذي قبل
إذا حدث أي من
السيناريوهات السيئة المترتبة على ما يجري من تحولات سياسية مخيفة في العالم
العربي الآن، فإن نتائجها الإنسانية ستكون أكثر فداحة من ذي قبل. وهذا يدفعنا إلى
التركيز على نقطتين رئيسيتين؛ أولهما أنه ينبغي أن تكون هذه الآثار حاضرة في
أذهاننا من الآن، وينبغي التحذير منها طوال الوقت، كي تكون
حاضرة في أي معادلة سياسية. ونتمنى أن تكون أحد مكابح جنون السلطة الذي بدأ ينفلت
من عقاله عند كثيرين. وثانيا؛ هو أن تكون هناك خطوات أهلية واجتماعية جماعية استعدادا
للتعامل مع هذه الحالة الطارئة؛ إذا حدثت. وهو واجب الدول والحكومات بشكل رئيسي،
لكن بما أن كثيرا من الدول العربية قد تخلت عن واجباتها تجاه رعاياها حاليا، إن لم
تكن هي السبب الرئيسي في مآسيهم، فإنه من المهم أن يتخذ المجتمع زمام المبادرة.