قدمت السياسة الإيرانية نماذج فريدة من الشخصيات والمدارس التي استطاعت من خلالها الحفاظ على تجربة نظام ولاية الفقيه وهو أنموذج خاص جدا لم يسبقه شبيه له في أنظمة الحكم، ولم يتكرر هذا النموذج الذي ولد في المنطقة التي شهدت صراعات لم تتوقف منذ فجر الخليقة.
ورغم تعرض هذا الأنموذج إلى تحديات إقليمية ودولية كبيرة لكنه لم يبقى صامدا فحسب، وإنما كان قادر وبشكل كبير أن يحول كل التحديات إلى فرص من خلال ما يتمتع به من مرونة وصلابة في نفس الوقت فهو مرن جدا حين يتعامل مع الفاعلين الدوليين الخارجيين وهو صلب جدا حين يتعامل من منطلق داخلي إيديولوجي يرتكز هذا النظام على الدين في بنائه السياسي والاجتماعي الإعلامي وربما إنموذج الإطاحة بنظام البعث في العراق وإعدام صدام حسين خير دليل على قوة ومرونة وصلابة هذا النظام.
فبعد حرب الثمان سنوات مع صدام وبعد أن اعتقد الجميع أن إيران، قد هزمت واحتفل الجميع بالنصر العربي على الفرس في عام 1988 لم تعترف إيران بهذه النتيجة وبدأت بالتحرك لإنهاء هذه المعركة بطريقتها ووفق قواعدها هي، حيث استطاع اللوبي الإيراني الشيعي بقيادة أحمد الجلبي إقناع دوائر القرار الأمريكي بضرورة إسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق.
وبالتأكيد لم يكن الجلبي "سوبر مان" ليستطيع وحدة أن يقنع الأمريكان بهذا القرار الخطير بل كانت الماكنة الإيرانية بكل قواتها الإستخبارية والمالية والعلاقاتية من خلفه وهي تخطط لهدف كبير جدا لا يقف عند حد إسقاط النظام في العراق والانتقام من صدام فحسب، بل احتلال العراق من خلال استدراج القوة العالمية الأمريكية إلى ساحة تملكها هي بالأصل من خلال التواجد الشيعي الكبير في العراق والذي كان تتواصل مع بل وتستحوذ عليه من خلال الأيدلوجية الشيعية الصلبة التي بنتها على مدى قرون كاملة حتى كان مؤثر في القرار الكويتي الذي صعد الصراع مع صدام ليتم تحطيم القوة العسكرية له في حرب الخليج الأولى عام 1991.
أما اللوبي الإيراني في أمريكا والدول العظمى فقد استمر بالعمل وبشكل فاعل إلى أن تم اجتياح العراق عام 2003 وإعدام صدام بأيدي إيرانية وتحت حماية المارينز الأمريكي وهنا أصبح الحلم الإيراني واقعا فقد أصبح إيران هي الماسكة بالحكم في العراق وهي من تكتب الدستور وتبني عمليته السياسية كما تريد بل وتبني أجهزته الأمنية الرسمية وغير الرسمية بنفسها دون أي منازع حتى استفاقت الولايات المتحدة على حقيقة أن لا مكان لها في العراق وعليها أن تخرج قبل أن تغرق بمستنقع وعر مليء بمليشيات وأجهزة أمنية تدين بالولاء الكامل لإيران سياسيا ودينيا وامنيا.
أما أمريكا فلم تستوعب الدرس الإيراني الذي عنوانه الأكبر أن الولاء المذهبي لدى الشيعة أعمق من المصالح السياسية فعادت لترد الصفعة لإيران من خلال "داعش" لكنها نسيت أو تناست أن إيران لديها مرونة عالية في التعامل مع التهديدات الخارجية وتحويل التحديات إلى فرص فحولت إيران تحدي "داعش" إلى فرصة كبيرة في إعادة السيطرة ليس فقط على الجغرافية العربية في العراق فحسب بل تعدت إلى الجغرافية الكردية من خلال الأنموذج الجديد والفريد الذي تسعى إيران من خلاله لاستكمال ما بدأه الجلبي.
العبادي رجل إيران الطيب
بعد أن افشل الأمريكان إنموذج المالكي في قيادة العراق وقد يكون المالكي جاء في التوقيت الخاطئ، جاءت إيران لتقديم العبادي الذي قد يعتقد الكثيرين من السياسيين والنخب والشارع أنه مختلف عن المالكي، نعم هو مختلف من حيث الأداء لكنه لا يختلف قيد شعرة من حيث الإديولوجية والانتماء فهو من مدرسة حزب الدعوة التي أنتجها الفكر الاثني عشري، بل قد يكون العبادي أكثر ارتباطا دينيا وفكريا في التشيع وإيران من الجلبي.
وقد يعتقد القارئ أن هذا القول مجرد استهداف للعبادي لكن لو تفحصنا جيدا الوضع العراقي سنكتشف أشياء خطرة جدا:
1- العبادي يحاول سلب الأمريكان الجمهور السني الذي أصبح قريب جدا من الأمريكان بعدما عاناه طيلة السنوات الماضية.
2-العبادي يحاول تحطيم الأنموذج الكردي الذي يعتبر احد ركائز الأمريكان في العراق والمنطقة.
3-العبادي يستحوذ على نصيب السنة والأكراد في المناصب ومراكز العراق دون المساس بحصة الشيعة أو إيران.
4-العبادي يتقدم باتجاه المجتمع العربي الخليجي كإنموذج جاراٍ خلفه مقتدى الصدر.
5-العبادي حول ميليشيات إيران إلى جهات أمنية وعسكرية رسمية حتى الأمريكان صاروا يتعاملون معها كواقع حال وفرقة العباس القتالية أنموذجا.
7- العبادي يحاول التغاضي عن قضية إعادة النازحين في المناطق المختلطة بين السنة والشيعة ويسلم ملف إعادة النازحين في المناطق السنية إلى قادة الحشد ليمكنهم فيها امنيا وسياسيا.
في الختام
- إيران لا تهزم
- العبادي ليس وطنيا
- أمريكا تستدرج مرة أخرى
- السنة بلا هوية سياسية
- هوية الأكراد مهددة