تناول موقع "ميدل إيست آي" في تقرير السبب وراء حملة الاعتقالات في السعودية، نافيا أن تكون من أجل محاربة الفساد.
وذهب الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "يخدع الناس بترويجه أن الاعتقالات التي طالت أمراء ووزاء سابقين تهدف لمحاربة الفساد".
وعنون تقريره: "ما يجري في المملكة العربية السعودية نزاع سياسي على العرش وليس مجهودا لمكافحة الفساد".
ولفت إلى محاولات ابن سلمان ترويج الأمر منذ البداية على أنه حملة ضد الفساد، إذ وصف في مقطع فيديو قصير انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي السعودية في الأسبوع الماضي، حملته على الفساد قائلا: "أتعهد لك بأن كل شخص متورط في الفساد لن يفلت، سواء كان أميرا أو وزيرا أو أي أحد".
وصدر مرسوم ملكي بتأسيس "هيئة عليا" للتحقيق في الفساد. وبعد ساعات قليلة، شُنت حملة اعتقالات ضخمة أخذت البلاد على حين غرة.
وعبر الموقع عن اعتقاده بأن حملة التطهير التي يشنها محمد بن سلمان "لا يمكن اعتبارها تصحيحية أو إصلاحية أو تحركا ضد الفساد كما يرغب ولي العهد في إيهام الناس".
اقرأ أيضا: صحيفة فرنسية: السعودية تعلن حربا مزعومة على الفساد
وأوضح الموقع أن ما يجري "تضور شديد للسلطة، وتنافس محموم على العرش، يصور على أنه حملة ضد الفساد".
ثروة ابن سلمان الشخصية
وتناول الموقع ثروة ابن سلمان الشخصية وربطها بحملته على الفساد، قائلا: "لو كان محمد بن سلمان رجل مبادئ، لكان يتوجب عليه أن يكشف عن ثروته الشخصية وثروة والده الملك سلمان، وثروات باقي أفراد عائلته المباشرين (أشقائه وشقيقاته)".
وأشار إلى أن أفراد عائلة الملك سلمان راكموا أيضا من الثروة عبر السنين ما يقدر بمئات المليارات من الدولارات.
وأشار إلى أن الملك سلمان نفسه وجهت له كثيرا تهم بالفساد من أفراد في العائلة السعودية الحاكمة، ومنهم الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن الذي أشار بشكل غير مباشر في العديد من مقاطع الفيديو التي انتشرت له على "يوتيوب" إلى تهم الفساد الموجهة ضد سلمان نفسه، بما في ذلك إساءة استخدام المال العام.
وأورد تقرير الموقع: "يقال إن محمد بن سلمان اشترى قاربا ثمنه مئات عدة من ملايين الجنيهات الإسترلينية. أضف إلى ذلك ما يزيد على تريليون ريال سعودي (أي ما يقرب من 300 مليار دولار أمريكي) فقدت من خزينة الدولة بعد أن استلم هو ووالده مقاليد الأمور في البلاد".
واعتبر الموقع أن من تم اعتقالهم كانوا يعدون بالنسبة لابن سلمان تهديدا، وقال: "بينما يسعى ولي العهد البالغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً إلى تقديم نفسه للجمهور السعودي وللغرب على أنه يقود تغييرا إيجابيا حقيقيا في البلاد، إلا أن نظرة فاحصة عن كثب تثبت أن الأمراء والوزراء الذين أقالهم واعتقلهم إنما فعل بهم ذلك محمد بن سلمان لأنه يراهم مصدر تهديد لطموحه في أن يصبح الملك القادم".
وضرب مثالا على ذلك، الأمير الوليد بن طلال، الذي قال إنه توسم في نفسه الترشح للمنصب الأعلى في البلاد، وينقل عنه أنه قال إنه "يتحرق شوقا لأن يصبح ملكا".
لذلك اعتبر الموقع أن لا تفسير لاعتقاله واعتقال الآخرين سوى أنه يأتي في سياق صراع سياسي داخلي.
وأورد أيضا أن اعتقال إبراهيم العساف، وزير المالية السابق، كان بالنسبة لمحمد بن سلمان امتدادا لنفوذ الوليد، خاصة بعد أن بات مرتبطا به من خلال المصاهرة، حيث إن ابن الوليد، الأمير خالد بن الوليد، تزوج شقيقة العساف.
ووفقا للموقع، فالأمر ذاته ينطبق على رجال الأعمال الآخرين، ومنهم صالح كامل، الذي وإن لم يكن يطمح في ترشيح نفسه للمنصب الأعلى، إلا أنه يعد ممن ينتمون إلى معسكر الأمير نايف وأبنائه، بما في ذلك ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف.
ويعتقد بأن صالح كامل يشغل لهم أموالهم ويستثمرها نيابة عنهم.
وصالح كامل، على سبيل المثال، هو المقاول الرئيسي المسؤول لدى وزارة الداخلية عن تشغيل نظام مراقبة المخالفات المرورية والمعروف باسم "ساهر".
وأفاد الموقع بأن صالح لربما ظل يشغل ذلك المنصب حتى لحظة اعتقاله مؤخرا.
ويعتقد بأن نظام المخالفات هذا جمع مبالغ خيالية عبر السنوات الماضية لصالح وزارة الداخلية (أي لصالح الأمير نايف ثم من بعده ابنه محمد بن نايف) ولصالح المقاول نفسه صالح كامل، بحسب الموقع ذاته.
سحق المعارضين السياسيين
ومن الأسباب الأخرى التي اعتقد الموقع أنها وراء حملة الاعتقالات، "سحق المعارضين السياسيين، وقال: "يجدر بنا رؤية التحرك الأخير في سياق سعي محمد بن سلمان لسحق معارضيه السياسيين الذين قد يعملون في أي وقت من الأوقات على تهديد نفوذه أو تقديم أنفسهم كمنافسين محتملين لما يمكن أن نطلق عليه اسم دولة السلمانية الناشئة".
وقال: "يأتي ذلك كله كجزء من الصراع الداخلي على السلطة بين أفراد عائلة آل سعود منذ أن فتح الباب على مصراعيه أمام أبناء الجيل الثاني في العائلة ليتنافسوا على نوال أعلى منصب في الدولة".
اقرأ أيضا: الاعتقالات بالسعودية.. مكافحة للفساد أم تصفية للخصوم؟
وأوضح أنهم "كلهم يشعرون بأن من حقهم أن ينافسوا على احتلال ذلك الموقع الأرفع. إلا أنه بات جليا أن محمد بن سلمان عازم على توجيه رسالة غاية في الوضوح لكل واحد منهم بهذا الخصوص.
وأورد "ميدل إيست آي": "تشعر هذه الأيام كما لو أن المملكة العربية السعودية تحولت إلى ساحة وغى، إلا أن المؤكد أن ما يجري لا علاقة له إطلاقاً بمكافحة الفساد".
وأضاف: "ينقلنا ذلك إلى مغزى مهم آخر لما وقع من اعتقالات، يتعلق بتوزيع السلطة والنفوذ بين أفراد عائلة آل سعود. فعلى سبيل المثال، أثناء حكم الملك فهد، كان وهو وأبناؤه يتحكمون بالسلطات التنفيذية للدولة، بينما كان شقيق الملك، الأمير عبد الله، قائداً للحرس الوطني".
ومع مرور الزمن، بات الحرس الوطني حكرا على عبد الله وأبنائه، ومجالا لاكتساب مزيد من النفوذ.
وكان الأمر ذاته ينطبق على الأمير سلطان الذي كانت وزارة الدفاع هي موطن نفوذه، وكذلك على الأمير نايف الذي كانت وزارة الداخلية مجاله.
وبذلك، كان الملك وهؤلاء الأمراء الثلاثة يمثلون تقليديا مراكز النفوذ داخل العائلة السعودية الحاكمة على مدى عقود متتالية.
وكان بإمكان هؤلاء الأمراء تعيين أبنائهم في مناصبهم لضمان بقاء مراكز النفوذ ضمن دوائرهم المغلقة.
ولذلك أصبح عبد الله فيما بعد ملكا، بينما وقف كل من سلطان ونايف في الطابور ينتظران دورهما. أما سلمان فكان خارج الصورة تماما، حيث كان يشغل "فقط" منصب أمير منطقة الرياض.
وبحسب الموقع: "لم يكن لدى سلمان "قوة مسلحة" تأتمر بأمره، ولربما يفسر ذلك لماذا يشعر هو وابنه بأنهما إلى حد ما أحط قدرا من الأشقاء وأبناء العمومة الآخرين".
وأضاف: "فقد رأوهم يزدادون سلطانا وينعمون بمزيد من الثروة والنفوذ السياسي، وقد يقدم ذلك تفسيرا وتحليلا نفسيا للدافع خلف الاعتقالات الأخيرة".
ما يقوم به سلمان وابنه الآن هو أنهم يضيقون دوائر النفوذ التي كانت موزعة بشكل تقليدي بين أفراد العائلة، وهدفهما هو احتكار السلطة، وإبقاؤها في قبضتهما.
ولذلك ما أن خُلع محمد بن نايف من ولاية العهد حتى سُحبت منه وزارة الداخلية، ولم يعد يتحكم بشيء من صلاحياتها وتشكيلاتها المسلحة.
ومباشرة بعد إزاحة محمد بن نايف، دمج الملك كل القوات التي كانت تابعة لوزارة الداخلية في كيان جديد أطلق عليه "مركز الأمن الوطني". يرتبط هذا الكيان الجديد مباشرة بالملك وبابنه فقط لا غير.
وبعد ذلك، لم يبق شخص لديه قوة ذات بال سوى الأمير متعب بن عبد الله، الذي بات العقبة الأخيرة في طريق محمد بن سلمان المؤدي إلى العرش.
ويبدو أن متعب لم يكن على استعداد للتنازل دون قتال، ولم يقبل التخلي عن وزارة الحرس الوطني كما فعل ابن عمه محمد بن نايف حين وافق على التخلي عن وزارة الداخلية.
صراع على العرش
وقال الموقع: "يمكن رؤية وفاة الأمير منصور بن مقرن ضمن نفس سيناريو الصراع على السلطة، فما حصل له يعد حادثا غير مسبوق في تاريخ المملكة، وقع في لحظة حرجة جدا.
ما من شك في أن من الخطورة بمكان على المملكة العربية السعودية كبلد أن تشهد سباقا محموما بين كبار المسؤولين فيها على المناصب العليا ومراكز القوة من خلال المكائد والمؤامرات، إذ لا ينبغي أبدا أن تسود مثل هذه العقلية بين رجال الدولة.
إضافة إلى ذلك، ينبغي على محمد بن سلمان وعلى كل مسؤول في السلطة أن يفهم أنه لا يملك أن يكون انتقائياً في تطبيق القانون. فإذا كانوا يعتبرون الفساد جريمة فإنه ينبغي تطبيق نفس المعايير على الجميع دون استثناء.
وختمت الصحيفة بالقول: "أيا كان الذي يصل إلى العرش في المملكة العربية السعودية، فإن عليه أن يفهم تماما أنه لا يمكن ببساطة غسل أدمغة أبناء هذا الجيل من خلال الدعاية. فهذه الاعتقالات لا علاقة لها بالفساد، والسعوديون يعرفون ذلك جيدا، ولا تنطلي عليهم الدعاية مهما كان شكلها".
وشددت أخيرا على ما ذكرته في أول تقريرها بالقول: "إن ما يجري هو صراع سياسي على العرش".
لماذا ضغط تيلرسون على السعودية لتحسين العلاقات مع بغداد؟
"إيكونوميست" تكشف أسباب الفوضى العارمة لاكتتاب "أرامكو"
التايمز: كيف ستستثمر السعودية عائدات الاكتتاب العام لأرامكو؟