التضامن مع
علاء عبد الفتاح قاسم مشترك بين الجميع، لا أنكر أن إسلاميين محترمين تضامنوا بصدق، وتناسوا أي خلاف سياسي عابر، أو أيديولوجي مستقر.
ولكن الأزمة أن مركز الثقل الأيدولوجي لدى التيار الإسلامي هو الأكثر هوسا واستقطابا، وبذا يبدو خطاب الكراهية هو الصورة العامة التي تمثل التيار الرئيس، وهو ما يمكن القياس عليه وسواه استثناءات هامشية، لا يسمعها أحد، وإن سمعوها أوّلوها بالتسييس الذي يقابل "الحق" الذي لا مراء فيه، والحق أن الجميع باطل إلا هم.
علاء الذي دفع من حياته سجنا ومن مستقبله حرمانا من منصب رفيع كان ينتظره على الجانب الآخر من الشاطئ، ومن حريته، وحرية أسرته، ومن حرمانه من زوجته وطفلته التي ولدت وهو سجين وتربت وهو سجين وتكبر وهو سجين.
علاء الذي تضامن مع كل مظلوم في هذا البلد، وقابل كل صلف ضد ثورة شارك فيها وفكرة آمن بها وأسرة انتمى إليها وأيدولوجية انحاز إليها ببشاشة وعفو يحسد عليهما.
علاء هذا مختصر لدى قطاع كبير من الإسلاميين في فيديو صغير يقف فيه على تخوم اعتصام النهضة ويسمح لنفسه أن ينتقد "جند الله"، في أكثر -وأقسى- فترات الثورة
المصرية ضبابية واستقطابا!
علاء الذي عارض مبارك، وعارض مرسي، وعارض
السيسي، وناضل في وجه الجميع من أجل الجميع، لم يجد منصفا -له صوت عال- وسط فصيل بالملايين ليقول إنه يستحق الدعم لا التشفي، وإن الرجال لا يقفون عند المثال، وإن مشهدا من دقيقتين لا يمكن أن يقضي على مكانة رجل نحتها في صخر البؤس الذي نعيش فيه بسنوات من عمره وكفاحه.
علاء مسجون؟ "أحسن"، القاضي تنحى لاستشعار الحرج؟ "يشرب"، ألم يعارض مرسي، ألم يعارض الإخوان؟
ألم يشارك في 30/6؟! فليتجرع مرارة الكأس، اللهم شماتة، هكذا يكتبونها دون خجل، وهكذا يفعلونها دون استشعار حرج، والأدهى أنها "لله".. فأيهما أكثر جرما هؤلاء أم قاضي استشعار الحرج؟!
ومثل علاء في ثورتنا الكثيرون، ماهر، ودومة، وعادل، عشرات، مئات، جرى اختزالهم، واختزال نضالاتهم التي سبقت نضالات كثير من الإسلاميين، في مشهد 30/6 الذي شارك الإخوان في صناعته ربما أكثر من العساكر أنفسهم!
المهاويس شامتون.. والعقلاء ساكتون، من يجرؤ على الكلام وسط هؤلاء الهمج؟ من يضمن ألا يصيبه ما أصاب علاء وإخوانه؟
أرى التضامن والمودة والتقدير في الجلسات الخاصة، ولا أراها على صفحات الجرائد أو المواقع أو التايم لاين، ذلك لأن آلافا من المريدين يمكنهم أن ينصرفوا عنك بـ "بوست" واحد تكتبه تضامنا مع العلماني الفاجر الذي عارض الرئيس المؤمن، "ومن يتولهم منكم فهو منهم"، فأي ثورة تلك التي لم يزل يبشر بها الحالمون؟!
إننا ننزف كراهية وغباء ونطاعة، مع كل مناسبة للدعم القولي لا الفعلي لواحد ممن يدفعون الثمن عنا قولا وفعلا.
فكيف لمثلنا أن يتعافى وينهض ويشتغل ويعيد ترتيب أوراقه وصفوفه وينجح؟
إن ردود الأفعال إزاء أي جهد -ولو كان جهد المقل- باتجاه شخص أو فكرة أو مضمون من أي نوع للثورة أو بها -إن كان لم يزل بها- يكشف عن نفسيات وعقول لا يمكن أن تتأمل معها أي اصطفاف أو عمل مشترك من أي نوع.
وحسبك أن تراقب السيسي وعساكره وهم يخربون مصر تخريبا ممنهجا، فيما نحن نحاول أن نقنع فصيلنا الأكبر والرئيس، أنهم أخطأوا قبل شباب الثورة وبعدهم، وأن فاتورة الأخطاء الفادحة التي يدفعها الجميع الآن لم تكن تخص سوى "أنفار" من قياداتهم التاريخية الربانية، بعضهم يدفع بدوره، وبعضهم يرفل في عز الانقلاب المترنح في عواصم أوروبا، فيما يزعم أنه ماض في مقاومة الانقلاب لآخر قطرة دم.. دم من؟!
فليرحم الله علاء ومن معه، وليرحم شباب الإسلاميين ورموزهم خلف قضبان السجون، وليرحمنا ممن كرهوا رحمته أن تصيب قوما غيرهم، الذين ضل سعيهم في الحياة السياسية وهم يحسبون أنهم يحسنون ثورة!