نشر موقع "بلومبيرغ" مقالا للكاتب إيلي ليك، يقول فيه إن المحافظ الكردي لكركوك نجم الدين كريم لن يعود إلى المدينة التي انتخبته عامي 2011 و2014، حيث أنها أصبحت خطيرة عليه.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن كريم قال في مقابلة يوم الأربعاء معه، إنه فر من بيته مساء الثلاثاء، ولا خطط لديه للعودة في الوقت الحالي، وأضاف: "لو عدت مرة أخرى فإن حياتي في خطر.. وحتى في الليلة التي حدث فيها هذا كله كان علي التحرك بحذر؛ لأصل إلى المكان الآمن".
ويعلق ليك قائلا إن المقابلة كشفت عن عدد من الأمور التي تناقض ما قالته كل من الحكومتين الأمريكية والعراقية حول الأزمة التي بدأت هذا الأسبوع لطرد المليشيات الكردية التي أمنت
كركوك منذ عام 2014.
ويقول الكاتب إن
الأكراد لم يثقوا كثيرا برئيس الوزراء
العراقي حيدر العبادي، الذي أمر الحشد الشعبي، الذي يعد الكثيرون منه وكلاء لإيران، بمغادرة المدينة، حيث قال كريم: "ليلة أمس قامت المليشيات الشيعية بالهجوم على أحياء كردية ففر الآلاف، وقد ضربوا الناس، وهذا كله من المليشيات الشيعية، وهم الذين يقول التحالف الأمريكي إنهم ليسوا هنا"، وأضاف: "يزعم العبادي أنه لم يسقط ضحايا، مع أننا شاهدنا شاحنات محملة بجثث الموتى".
ويورد الموقع نقلا عن مسؤولين أمريكيين يراقبون الوضع في العراق، قولهم إن تقييماتهم الأمنية لا تشير إلى وضع خطير، وإنهم لا يستطيعون تأكيد سقوط ضحايا كثر، وأخبروا الكاتب أن الكثير من التصريحات الكردية حول كركوك كان مبالغا فيها، ومع ذلك اعترفوا بمشاركة مليشيات شيعية، فيما أكدت الحكومة العراقية للحكومة الأمريكية أن ما تقوم به هو تمرين عسكري وليس مناورة، بل وصف العبادي التقارير التي تحدثت عن غزو عسكري بأنها "أخبار مزيفة".
ويعلق ليك قائلا إن "هذا كله يمثل مشكلة للعبادي وحكومته، فمن جهة يزعم رئيس الوزراء العراقي أن جيشه يقوم بتأكيد سلطته على مناطق نيابة عن الحكومة المنتخبة، وكان المقاتلون الأكراد قد سيطروا على المدينة منذ عام 2014، بعد انهيار الجيش العراقي أمام مقاتلي تنظيم الدولة".
ويرى الكاتب أن "الحكومة العراقية أضعفت سكان كركوك عندما جردت كريم من منصبه، في رد على قرار حكومة إقليم كردستان ضم كركوك إلى الاستفتاء على استقلال كردستان، وهذا يعد صعبا للأكراد الذين يعدون كركوك مدينة ذات مكانة خاصة لديهم".
ويجد ليك أن "التوغل في كركوك يؤثر على التسوية دون عنف، ويجرد الأكراد من ورقة تأثير كانت في يدهم، ومع أن الأكراد صوتوا في الاستفتاء لصالح الاستقلال، إلا أنهم لم يعلنوا عن الانفصال مباشرة، وقدمت بغداد سابقة خطيرة من خلال تسوية الأمر بالقوة، وكما كتب الكاتب العراقي الأمريكي نبراس كاظمي، من مدونة (تلسيمان غيت) تغريدة قال فيها: (ما تمت خسارته هو الاتفاق بالتراضي الذي ميّز مرحلة السياسة الجديدة في بغداد: القوة لن تحل المشكلات أو تسوي الخلافات)".
ويورد الكاتب نقلا عن كريم، قوله إن الجيش العراقي تصرف هذا الأسبوع وكأنه مخلب إيران، مشيرا إلى أن معظم المحللين لا يتفق مع هذا الموقف، حيث يقول الباحث في معهد "أمريكان إنتربرايز" مايكل روبن، الموجود الآن في بغداد، إن الحكومة العراقية أجبرت على التحرك؛ لأن مسعود
بارزاني دفع باتجاه الاستفتاء، وأضاف روبن: "كركوك متنازع عليها وهي متنوعة.. وقرر بارزاني تمزيق الوضع القائم، والحادث كله ليس نصرا لإيران، بل يخدم المصالح الأمريكية؛ لأن العبادي أكثر وعيا وإدراكا للغرب من منافسيه، وهو في وضع جيد".
ويلفت الموقع إلى أن مسؤولين أمريكيين أخبروا الكاتب أن العبادي تحرك ليزيح من أمامه المنافس الرئيسي في انتخابات العام المقبل، وهو نوري المالكي، مشيرا إلى أنه بدأ بعد الاستفتاء بحملة يدعو فيها لأهمية استعادة كركوك، حيث كان تقييم المسؤولين الأمريكيين على الأرض بأن العبادي سيخسر الثقة لو لم يتخذ عملا لتأكيد سلطته على كركوك.
ويعلق ليك قائلا إن "هذا لا يعني أن إيران لم يكن لها دور في أحداث الـ72 ساعة الماضية، وهنا يأتي دور قائد فيلق القدس قاسم
سليماني، الذي قام يوم الأحد بالتوصل لصفقة مع أرملة وأبناء إخوة الزعيم الكردي جلال طالباني، الذي مات قريبا، وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تحالف مع إيران أثناء الحرب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي، وكانت وحدات البيشمركة التي انسحبت من كركوك هذا الأسبوع هي تلك الموالية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني".
وقال كريم للموقع: "لقد توصلوا إلى تفاهم مع قادة البيشمركة بعدم قتال القوات العراقية القادمة إلى كركوك"، وأضاف: "في يوم الهجوم جاء بافل ابن طالباني وابن شقيقه لاهور وشقيقه الآخر أراز، إلى كركوك، وقابلوا ممثلي قاسم سليماني هناك، وأعطاهم إنذارا، إما أن تتركوا مواقعكم أو سنهاجم".
ويستدرك الكاتب بأنه مع ذلك، فإن بعض البيشمركة واجهوا الجيش العراقي، إلا أن انسحاب الوحدات الكبيرة من كركوك كان يعني دخول القوات العراقية بسهولة.
ويقول ليك إن "هذا الحادث أغضب حكومة إقليم كردستان، ووصف بارزاني قادة البيشمركة وجماعة طالباني الذين توصلوا للصفقة بأنهم (خونة)، وبدأ قادة الإصلاح في البرلمان المعروفون باسم (حركة غوران) بمساءلة قرار بارزاني المضي في الاستفتاء، واستطاع سليماني تمزيق الأكراد رغم اقترابهم من تحقيق حلم الدولة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "في الوقت ذاته لا تزال أوضاع الأكراد تزداد سوءا، حيث أغلقت إيران الحدود مع كردستان، وهددت تركيا بإغلاق الحدود كذلك، وقطعت المعاملات البنكية إلى أربيل، ورفضت إدارة ترامب أن تدعم أي طرف ضد آخر، وقال كريم إنه يشعر بالخجل من موقف الحكومة الأمريكية، وهذا أمر مثير للدهشة، خاصة أن كريم يحمل الجنسية المزدوجة الأمريكية والعراقية، لكنه قال: (سنعود لكركوك يوما ما، ولست متأكدا متى، لكننا سنعود)".