تتسابق دول مجلس التعاون الخليجي للاقتراض من الخارج عبر أسواق الدين، بهدف سد عجز الموازنات بنهاية العام الحالي، مع تضررها كثيرا جراء تهاوي أسعار النفط بأكثر من ثلثي قيمتها على مدار ثلاثة أعوام.
وقال محللون اقتصاديون، إن قيمة إصدارات السندات السيادية في مجلس التعاون الخليجي، سجلت أرقاما قياسية منذ بداية العام الجاري، مع سعي تلك الدول لاستقطاب الأموال اللازمة لسد عجز الموازنات في 2017.
وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على العائدات النفطية في تمويل إيرادات موازناتها.
وحتى وقت قريب، كانت دول الخليج الغنية بالنفط، قادرة على تجاهل أسواق السندات العالمية، لكن لجأت قبل عام إلى إصدار أدوات الدين لتغطية
العجز في موازناتها.
ارتفاع الإصدارات
وتشير البيانات المتاحة إلى ارتفاع حجم الإصدارات السيادية الخليجية منذ بداية عام 2017 إلى ما يزيد عن 60 مليار دولار.
وحاز إصدار
السعودية من السندات الدولارية الشهر الماضي، على لقب أكبر دين سيادي للعام الثاني على التوالي، إذ بلغت قيمته 12.5 مليار دولار تم بيعه دفعة واحدة بين جميع الأسواق الناشئة.
وكانت الرياض، جمعت في أول طرح للسندات الدولية 17.5 مليار دولار في 2016.
وفي خطوة مماثلة، حصَّلت العاصمة
الإماراتية "أبوظبي" الغنية بالنفط الشهر الجاري، 10 مليارات دولار من عملية بيع سندات حكومية، في ثاني خطوة من نوعها في الدولة منذ تراجع أسعار النفط في 2014.
وفي أيار/ مايو 2016، جمعت الإمارة 5 مليارات دولار جراء عملية بيع سندات هي الأولى في سبع سنوات.
وضمن برنامجها لتمويل عجز الميزانية، أصدرت الكويت سندات بـ 8 مليارات دولار خلال آذار/ مارس الماضي، في أول دخول لها إلى أسواق الدين الدولية.
وكانت سلطنة عُمان طرحت سندات دولية بـ 5 مليارات دولار، وصكوكا سيادية بملياري دولار في وقت سابق من هذا العام.
وتوقع بنك الاستثمار المتخصص في الأسواق الناشئة "أرقام كابيتال"، أن تواصل السندات السيادية، التربع على عرش إصدارات الدين الجديدة في دول مجلس التعاون الخليجي، في محاولة من الحكومات بالمنطقة للتأقلم مع الوضع الجديد الناجم عن استمرار تدني أسعار النفط.
ورجح البنك في دراسة حديثة، أن تتجاوز إصدارات 2017 إصدارات العام الماضي والبالغة 70 مليار دولار بحوالي 5-10 بالمائة.
أداء إيجابي
قال فيليب جود، مدير إدارة الاستثمارات لدى شركة لإدارة الأصول "فيش"، إنه من الملاحظ استمرار الأداء الإيجابي للإصدارات السيادية في الخليج خلال العام الحالي، بعد أحجام قياسية في 2016.
وأضاف أن هذا التوجه الإيجابي يعود إلى العديد من العوامل، منها الطلب القوي من المستثمرين نتيجة توافر العائد الكبير، فضلا عن أن العوامل الأساسية لدول الخليج ما زالت قوية، مع تمتعها بوضع ائتماني مستقر، وسجل جيد في سداد الديون المستحقة.
وتوقع أن تكون وتيرة الإصدارات من السندات الحكومية "متوسطة" خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، لاسيما وأن السعودية وأبوظبي استوفتا جانباً من تمويلاتهما بعد آخر إصدارين.
وتابع: "من المحتمل لجوء كل من البحرين والكويت إلى إصدار سندات في حال توافر ظروف وشروط مناسبة، فيما قد تواجه قطر بعض الصعوبات بسبب الحظر".
خطوة اضطرارية
واعتبر الخبير الاقتصادي الكويتي عدنان الدليمي، تزايد لجوء دول الخليج إلى بيع السندات الدولية، بأنه خطوة "اضطرارية" لسد عجز الموازنات الناتج عن انخفاض أسعار النفط (المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية)، والذي رفع بدوره المتطلبات التمويلية.
وأضاف أن تلك الدول ما تزال في حاجة إلى موارد مالية ضخمة لتغطية استحقاقات خطط التنمية، والتطوير للبنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية الكبرى، علاوة على ارتفاع إنفاق التسلح والأمن لمواجهة أوضاع جيوسياسية وحروب حالية ومحتملة.
ولفت إلى أن الحرب في اليمن، تسببت في ضغوط اقتصادية ومالية إضافية على بعض دول المنطقة، وبخاصة السعودية والتي تعاني -في الأصل- من بعض الخلل في الميزانية بسبب تدني أسعار النفط.
وأوضح الخبير الاقتصادي الكويتي، أن اللجوء إلى أسواق السندات الدولية لتوفر التمويل اللازم يعتبر خيارا جيدا، إذا ما تم مقارنته بالسحب من الاحتياطيات السيادية الذي قد يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المستقبل.
انخفاض الفائدة
وقال مايكل جريفيرتي، رئيس جمعية الخليج للسندات والصكوك، إن انخفاض معدلات الفائدة ساهمت في تشجيع حكومات المنطقة على إصدارات الدين، إذ توفر للمقترض فرصاً بأسعار فائدة ثابتة منخفضة وسداد تكلفة الاقتراض على المدى الطويل.
وأوضح "جريفيرتي"، أن هناك عوامل أخرى لها تأثير كبير على إصدارات الخليج، إضافة إلى معدلات الفائدة، مثل السيولة في الأسواق العالمية وأسعار النفط.
وقال إن الطلب على تلك الإصدارات كان قوياً سواء من المستثمرين الدوليين أو المحليين، بعد ما أظهرت عائداً أفضل مقارنة بأسواق أخرى، وهو ما ظهر بوضوح في إصدارات السعودية وأبوظبي مؤخرا.
وحظي الطرح الأخير للمملكة السعودية، بإقبال كبير من المستثمرين الدوليين والمحليين، إذ وصلت قيمة طلبات الاكتتاب 40 مليار دولار، فيما تجاوز إصدار أبوظبي 30 مليار دولار وبتغطية تزيد عن ثلاثة أضعاف.
ولفت إلى أن اللجوء لأسواق الدين الدولية، يخفف من الاعتماد على الاحتياطيات السيادية في سد عجز الموازنة، كما يساعد أيضا في توفير السيولة اللازمة لبرامج الإنفاق الحكومية، إضافة إلى توسيع قاعدة المستثمرين ذوي الدخل الثابت.
وبين "جريفيرتي"، والذي عمل في السابق مستشارا لوزارة الخزانة الأمريكية فيما يخص الدين وأسواق السندات السيادية، أن توسع دول الخليج في الاقتراض الخارجي لن يكون "مقلقا"، لاسيما وأن معدلات الديون في معظم دول المنطقة ما تزال منخفضة مقارنة بدول أخرى حول العالم.
ومن المتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام لدول الخليج الست إلى 59 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة مع 30 بالمائة بنهاية 2015، بحسب تقرير حديث صادر عن المركز المالي الكويتي.