نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" مقالا للكاتب تايلور لوك، حول صدور مرسوم ملكي في
السعودية الأسبوع الماضي، يسمح للنساء بقيادة السيارات، مشيرا إلى أن هذا القرار يعني أن السعودية لم تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع النساء من قيادة السيارات.
ويقول الكاتب إنه "بالرغم من الإسراع في مدح الخطوة، ووصفها بأنها قفزة نوعية إلى الأمام في حقوق المرأة في السعودية المحافظة، إلا أن المراقبين يفضلون الانتظار ليروا إن كانت تلك الخطوة ستقود إلى المزيد من الإصلاح، أم أنها مجرد مناورة سياسية".
ويورد لوك في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن مراقبين، قولهم إنه ليس من الواضح إن كانت تلك الخطوة بدافع رغبة حقيقية في الإصلاح الاجتماعي، أم أنها بسبب الحاجة الاقتصادية، أم أن هناك حاجة لتحسين العلاقات مع الغرب، مشيرين إلى أن الجواب عن هذا السؤال هو ما سيحدد إن كانت هذه الخطوة واحدة، أم أنها بداية سلسلة من الإصلاحات المرغوب فيها منذ فترة.
وتشير المجلة إلى أنه بموجب المرسوم الذي صدر في 27 أيلول/ سبتمبر، فإن لجنة وزارية ستقوم بمراجعة السياسة الجديدة، وسيبدأ في تطبيقها في 24 حزيران/ يونيو 2018، بعد العيد بأيام، لافتة إلى أن المرأة لن تحتاج لوكيل للحصول على الرخصة أو لقيادة السيارة.
ويلفت الكاتب أن خطوة السماح للمرأة بقيادة السيارة تصب في الرواية السعودية حول الإصلاحات تحت قيادة ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان، الذي أعلن عن خطط لإدخال السياحة وأنشطة اجتماعية وترفيه في هذه المملكة المغلقة، مستدركا بأن المراقبين يقولون إن السبب في الخطوة هو بالتأكيد اقتصادي.
وينوه لوك إلى أن "الحظر كان حاجزا كبيرا أمام النساء السعوديات يمنعهن من العمل، ولكون المواصلات العامة في السعودية محدودة جدا، فإن العائلات كانت تضطر لاستئجار سائقين، حيث تستأجر العائلات السعودية حوالي 800 ألف سائق أجنبي، يأتي معظمهم من جنوب آسيا، والبعض يستخدم سيارة الأجرة، وكلا الخيارين مكلف للطبقة الوسطى، التي بدأت تشعر بآثار التقشف".
وتنقل المجلة عن فهد ناظر، الذي يعمل مستشارا سياسيا لدى السفارة السعودية في واشنطن، ولا يتحدث باسم الحكومة السعودية، قوله: "كان منع النساء من القيادة مكلفا اقتصاديا بالنسبة للنساء العاملات، حيث لم يكن هناك منطق اقتصادي للاستمرار في العمل إن كانت ستدفع لسائق".
ويذكر الكاتب أن خطة ولي العهد "رؤية
2030" تهدف لجعل السعودية أقل اعتمادا على النفط، وهذا يعني أنه يجب أن تكون البطالة أقل، ما يستدعي أن تزيد مشاركة المرأة في العمل، من 22% إلى 30% مع حلول 2030، لافتا إلى أن النفط يشكل نصف إجمالي الناتج المحلي تقريبا، ويتوقع له أن يجف بعد 70 عاما.
وتجد المجلة أن رفع الحظر سيساعد على خلق فرص اقتصادية إضافية للسعوديين، مثل مدربات قيادة سعوديات ومديرات، وربما شرطيات مرور، بالإضافة إلى أن مغادرة السائقين الأجانب ستوفر فرصا للسائقين السعوديين رجالا ونساء مع شركات سيارة الأجرة، مثل "كريم" و"أوبر".
ويقول لوك إن "ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي السعودي كانت إيجابية جدا، ومما قد يكون حدد توقيت المرسوم الملكي الرجل خلفه، حيث كانت القرارات تتخذ سابقا من لجنة، فكانت العائلة المالكة تزن كل قضية بحذر وعناية وعادة بمقاومة التغيير، لكن يعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولقربه من والده، ولإمساكه بملفات الاقتصاد والجيش والأمن، هو في الواقع (يحكم البلد من الجوانب كلها عدا الاسم)".
وتنقل المجلة عن فريدريك ويهري من مؤسسة كارنيغي، قوله: "في ظل ولي العهد، هناك مركزية أكثر من أي وقت سابق، فقد اجتمعت في يده سلطة غير مسبوقة.. ومع مركزية السلطة يمكن لولي العهد أن يمرر أي إصلاحات مهما كانت دوافعه".
ويقول الكاتب إن "محمد بن سلمان، الذي صعد خلال عامين من شخص غير معروف إلى ولي للعهد، لم يستطع أن يحيد معارضيه داخل العائلة المالكة فقط، بل استطاع أن يحد من سلطات الشرطة الدينية".
وتورد المجلة نقلا عن أستاذ الشؤون الدولية في جامعة تكساس جورج غوس، قوله: "كان الملوك السعوديون في الماضي يدركون ثمن الاستمرار في سياسة عدم السماح للنساء بحق القيادة، لكنهم لم يكونوا مستعدين لتحمل النقد من الدوائر المحافظة.. لكن محمد بن سلمان لا يهمه".
ويرى لوك أن "توقيت القرار مهم، حيث أن المملكة متورطة في حرب في
اليمن لا تبدو نهايتها قريبة، وقد خلفت الحرب مجاعة تهدد 7 ملايين شخص -إحدى أكبر الكوارث الإنسانية في العالم- ما تسبب بمعارضة في المجتمع الدولي، بما في ذلك من بعض أقرب حلفاء الرياض وممديها بالسلاح".
ويوضح الكاتب أن مقترحا بوقف بيع الأسلحة الأمريكية للسعودية في حزيران/ يونيو كاد أن يمرر في الكونغرس، ولم ينقصه سوى أصوات إضافية قليلة، بالإضافة إلى أن الحكومة البريطانية تحت الضغط لوقف بيع الأسلحة للسعودية؛ بسبب احتمال ارتكاب جرائم حرب، مشيرا إلى أن هناك في كندا وعدا بمراجعة هذه المبيعات بعد استخدام مصفحات كندية في حصار قرية شيعية في إقليم السعودية الشرقي.
وتنقل المجلة عن المتخصص في الشرق الأوسط لدى "هيومان رايتس ووتش" آدم كوغل، قوله: "يشعرون أنهم في مرمى النار، فاليمن مأساة، ورؤية 2030 فشلت بالحسابات كلها -وأظن أنهم شعروا أن هناك حاجة لبعض الأخبار الجيدة".
ويفيد لوك بأن العديد من رجال الدين دعموا نهاية الحظر، لكن غيرهم وجدوا أنفسهم معارضين لمحمد بن سلمان ورؤيته، ففقدوا وظائفهم أو سجنوا، حيث أنه قبل المرسوم بأسبوع واحد تم اعتقال 20 من رجال الدين البارزين والناشطين، وكان ذلك جزءا من حملة دامت شهرين، تم فيها اعتقال عشرات رجال الدين والصحافيين والكتّاب والأكاديميين والناشطين الحقوقيين.
وبحسب المجلة، فإن منظمة العفو الدولية وصفت ذلك بالقول: "واضح أن القيادة الجديدة في ظل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تبعث رسالة مخيفة: لن نتسامح مع حرية التعبير وسنلاحقكم".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "المراقبين يرون أن الحملة تأتي في وقت يفكر فيه محمد بن سلمان باستلام العرش؛ ولذلك هو يريد إسكات المعارضة مرة واحدة وإلى الأبد، ورفع الحظر عن قيادة السيارات للنساء قد يكون أفضل مشاغلة للمجتمع الدولي في الوقت الذي تتعمق فيه حملة القمع".