يناقش مجلس النواب في
مصر عدة
قوانين تزيد من تضييق الخناق على فئة الفقراء، وتحرمهم من الدعم الحكومي، وتضم هذه الفئة الملايين من المواطنين إلى شريحة الفقراء غير القادرين على سد احتياجاتهم الأساسية، بحسب مراقبين.
وفي هذا الإطار، تقدمت النائبة عبلة الهواري بقانون جديد لتجريم
التسول، بعد أن تحول إلى ظاهرة منتشرة في الأماكن العامة بجميع المحافظات، موضحة أن القانون يفرض عقوبة السجن على من يمارسون التسول، أو من يستخدمون الأطفال في هذه الأعمال، مؤكدة أنها ستقدم القانون في دور الانعقاد الجديد، الذي بدأ أمس الاثنين.
كما تقدمت النائبة غادة عجمي بمشروع قانون جديد يقضي بسحب الدعم عن الطفل الثالث للأسرة، وقالت إنها ستطالب
البرلمان بسرعة مناقشة القانون وإصداره في مطلع دور الانعقاد الثالث، مضيفة، في تصريحات صحفية، أن "من لديه هواية الإنجاب يجب أن يتحمل مسؤولية أولاده، ويجب ألّا نتحمل نحن وبقية الشعب هذه المسؤولية ويتأثر اقتصاديا واجتماعيا، في وقت تحتاج فيه الدولة كل جنيه".
رفع الدعم نهائيا
وتأتي هذه القوانين وسط حزمة من القرارات التي اتخذتها الحكومة لرفع الدعم تدريجيا عن السلع الأساسية، المقدم من الدولة لمحدودي الدخل؛ تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
وأصدرت وزارة التموين قرارا في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بصرف الخبز المدعم للمواطنين المقيمين داخل محافظات محل إقامتهم فقط، بعد أن كان باستطاعتهم صرفها من أي مخبز في البلاد.
وأثار هذا القرار المفاجئ سخطا كبيرا بين المواطنين، بعدما تسبب في حرمان مئات الآلاف من المغتربين الذين يعيشون بعيدا عن محافظاتهم من الخبز، الذي يعدّ السلعة الأساسية للفقراء.
وسبق لوزارة التموين أن بدأت في عملية موسعة لتنقية قاعدة بيانات الدعم من غير المستحقين، شملت حذف نحو 14 مليون مواطن من أصل 84 مليون من مستحقي الدعم، ليصل العدد إلى 70 مليون مواطن، سعيا إلى تقليصه لاحقا إلى 30 مليون مواطن فقط عبر تحديد شروط قاسية للفئات المستحقة للدعم.
وفي السياق ذاته، توقعت تقارير صحفية إقرار زيادة جديدة في أسعار الوقود الشهر المقبل، حتى تكون الحكومة قد رفعت الدعم نهائيا عن المحروقات.
وكانت السلطات قد رفعت في تموز/ يوليو الماضي أسعار الكهرباء بنسب متفاوتة، وفق شرائح الاستهلاك، تراوحت بين 18% و42%، كما رفعت أسعار الوقود في نهاية حزيران/ يونيو الماضي، بنسب وصلت إلى 100%، للمرة الثانية، بعد تحرير سعر صرف الجنيه تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
تفكير سطحي
وتعليقا على هذا التوجه من النظام، قال أستاذ العلوم السياسية محمود السعيد إن مفهوم العدالة الاجتماعية تم إهداره بشكل كبير في فترة حكم عبد الفتاح السيسي، حيث أصبح الفقراء يزدادون فقرا؛ بسبب القرارات التي أضرت بشكل كبير بهم، مثل رفع الدعم وتعويم الجنيه، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، على الرغم من أن السيسي أكد أكثر من مرة على أنه سيكون نصيرا وداعما للفقراء، إلا أنه دائما ما يتخذ قرارات ضدهم.
وأضاف السعيد، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن ظاهرة التسول أصبحت في تزايد مستمر؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، مشيرا إلى أن مناقشة مجلس النواب لقانون جديد يمنع التسول هي فكرة جيدة في حد ذاتها، لكن توقيتها سيئ للغاية؛ لأن البلاد تحتاج في هذه المرحلة من البرلمان أن يهتم بمشاكل الفقراء وتوفير احتياجاتهم الأساسية، قبل أن يمنعهم من التسول.
وأكد أن أعضاء مجلس النواب ينظرون لمعاناة الفقراء بتفكير سطحي، لافتا إلى أن هناك كثيرا من أصحاب المعاشات، على سبيل المثال، تدفعهم الظروف الصعبة إلى التسول، ولو أن نواب البرلمان اهتموا بمشكلتهم، وأفرجوا عن أموالهم التي تحتجزها الدولة، لكان ذلك أفضل من مناقشة مشروع مكافحة التسول، على حد قوله.
تحت خط الفقر
من جانبه، تساءل أستاذ العلوم السياسية عبد الخبير عطية، قائلا إن قانون العقوبات الحالي فيه نصوص كافية لتجريم التسول ومعاقبة من يتخذون التسول مهنة للتكسب، فلماذا يناقش البرلمان قانونا جديدا بهذا الخصوص ويهمل قوانين أخرى أكثر أهمية تمس حياة المواطنين؟
وأضاف عطية، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن الجميع لا يرضى عن انتشار ظاهرة التسول في مصر، لكن الأمر يحتاج إلى وضع حلول عملية ودراسة مسبباتها قبل سن قانون جديد لتجريمها، بينما لا يجد آلاف الفقراء قوت يومهم؛ بسبب ضيق ذات اليد.
وأوضح أنه لم يعد هناك فقراء في مصر، بعدما أصبح الملايين منهم تحت خط الفقر، موضحا أن الفقراء في الماضي كانوا يجدون ما يأكلونه، وكانوا يعملون في وظائف ذات أجور متدنية، لكن الآن أصبحت نسبة كبيرة من المصريين تعاني؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي جعلت حتى الأغنياء يشتكون من
الغلاء بعد تعويم الجنيه.