كتاب عربي 21

لماذا حرام على الكرد وحلال لكل جنس؟

1300x600
الذين يبكون لاحتمال إعلان كردستان العراق دولة مستقلة، لم نسمع منهم ولا نعيا شفهيا أو مكتوبا، عندما هلك الآلاف من كرد العراق في حلبجة، في عام 1988، في غضون ساعات، بالغازات السامة في أم المهالك، التي أسماها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الأنفال، ومن آيات الصلف والمكابرة العروبية، أن صحيفة بغداد بوست نشرت  في عددها ليوم الجمعة 29 سبتمبر/ أيلول، في عامنا هذا الجاري نحو ثلثه الأخير، تقريرا يفيد بأن إيران، وليس حكومة صدام حسين هي التي قصفت حلبجة بالغاز السام (مع أن علي حسن المجيد، ابن عم صدام حسين، اعترف بأنه "بطل" المجزرة، وكان فخورا بلقب "علي الكيماوي").

ولم يكن للكرد بواكٍ على مدى عقود، والموت يحصدهم لأنهم رفضوا التعريب القسري، بينما كان أقصى ما يتمنونه، أن تعترف حكومة بغداد بأنهم قوم لهم خصوصيتهم اللغوية/ الثقافية.

ونصبوا سرادق العزاء على وحدة العراق، التي قد تنتهي بقيام دولة كردية في الجزء الذي كان يمثل شطره الشمالي، لم يذرفوا حتى دموع التماسيح عندما طار ثلث مساحة السودان، بانفصال جنوبه، وطار معه ثلاثة أرباع الغطاء النباتي، والمخزون النفطي لبلد كان كل ما يتفاخر به ويتباهى به بين الأمم، بأنه الأكبر مساحة في أفريقيا والعالم العربي.

لم تصدر ولو مواساة بالكلمة المكتوبة أو المنطوقة عن جامعة الدول العربية للسودان لفقدانه جزء عزيزا من أرضه و"مواطنيه"، لسبب مفهوم "عربيا" وهو أن أهل جنوب السودان ليسوا عربا بل أفارقة أقحاح، مع أن نحو 90% من سكان ما تبقى من السودان أيضا أفارقة أقحاح، ولكن طالما أن الحكومة المركزية تزعم أنها عربية فـ"كله عند العرب صابون"، أي يصبح جميع المواطنين السودانيين عربا ب"التصبين".

الأمازيغ/ البربر، هم سكان شمال أفريقيا الأصليون، وقبل قرون آلت مقاليد الحكم لعرب مسلمين، ودخل الأمازيغ الإسلام أفواجا، وعاشوا معززين مكرمين لقرون ولغتهم في الحفظ والصون، إلى أن قام الاستعمار برسم حدود دول الشمال الأفريقي كما نعرفها اليوم، وآلت مقاليد الأمور في تلك الدول للنخب العربية، وصار استخدام اللغة البربرية في معاملات الحياة اليومية في بعض تلك الدول جريمة.

كان قعيد ليبيا معمر الجزافي الأكثر تطرفا في التشدد مع الأمازيغ ولغتهم، لأنه حسب أن الله قبض روح جمال عبد الناصر، حتى يصبح هو قائد العرب على طريق الوحدة الشاملة، ولما أدرك أن ذلك لن يحدث حتى يشيب الغراب، صار أفريقيا واشترى ذمم بعض تنابلة أفريقيا، وحمل لقب ملك ملوك أفريقيا.

ورغم التأفرق، إلا أن الأخ معمر ظل يرفض اعتبار أمازيغ بلاده أفارقة، فكان طبيعيا أن يكون فرسان الزنتان في طليعة القوى التي أسقطت ديكتاتورية معمر في عام 2011، وكان أول مطلب لهم الاعتراف بلغتهم الخاصة، فكان لهم ما أرادوا، وصار عيالهم يتلقون بها العلم في المدارس، وفي ظل الأوضاع الهايصة في ليبيا، ما زال أهل الزنتان يرفضون الخضوع لسلطة طرابلس او بنغازي، لأن ليل الظلم الطويل الذي عاشوا فيه، جعلهم يسيئون الظن بالحكومة المركزية.

ويتكلم العرب المعاصرون عن عراق اليوم، وفي مخيلتهم عراق العباسيين، وفي المخيلة العربية- الإسلامية احتفاء عجيب بالعصر العباسي، وكره معلن للعصر الأموي، رغم أن الأمويين هم من وضعوا مداميك ما يسمى بالدولة الإسلامية-العربية الكبرى، ولم تظهر الهرطقة والبرطمة إلا في العصر العباسي، الذي آلت مقاليد الأمور فيه، لحين طويل من الدهر، للفرس.

وعمر العراق المعاصر قرن واحد إلا ثلاث سنوات، ومن يعمل على تفتيته منذ عام 2005 ليس الأكراد بل السلطة المركزية في بغداد، التي همشت حتى القوات المسلحة لترفع من شأن مليشيا طائفية متفلتة، ظلت تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (وإن شئت قل داعش) لثلاث سنوات، وقتلت من مواطني الأنبار، والموصل تحديدا، آلافا مؤلفة، ولم تنجح حتى يومنا هذا  في الانتصار على بضع مئات من مقاتلي "تنظيم الدولة".

وبالمقابل نجحت البشمرقة الكردية في إجلاء مقاتلي التنظيم من كردستان، في غضون أشهر معدودة، وكردستان هي الجزء الوحيد من العراق الذي لا يشهد التفلُّت الأمني والمجازر اليومية، فلماذا لا يصبو الكرد للفوز بدولة خاصة بهم كما فعل أهل جنوب السودان وأهل بنغلاديش (التي كانت باكستان الشرقية حتى عام 1971)، وكما يشتهي أهل التبت بمباركة دولية؟ لماذا يرتضون العيش في ظل عروبية زائفه تأتمر بأمر طهران الفارسية؟

وعلى المشفقين على العراق، أن يدركوا أن التخبيص الذي مارسته حكومة نوري المالكي وخلفه حيدر العبادي، لن يقود فقط إلى مولد جمهورية كردستان، بل سيؤدي إلى قيام بانتوستانات/ كانتونات سنية-شيعية، فالحديث على استحياء عن قيام نظام فيدرالي في العراق، سيتحول إلى حديث جهير عن تقسيم العراق إلى دويلات طائفية.

ولو كفَّ الحكام العرب عن تجاهل خصوصيات الأقليات التي تعيش في الدول التي يحكمونها، لما انتفض أهل الجنوب السوداني، والأمازيغ والكرد ضدهم، وخليق بنا أن نبكي الواقع العربي، حتى قبل التشظي المرتقب في العراق وسوريا، بدلا من مواصلة النحيب على الأندلس، التي لم يعد من دليل على أن العرب حكموها لسبعة قرون، سوى أن الأندلسيين (الإسبان) هم الشعب الأوربي الوحيد الذي يمارس نوم القيلولة بمسمى السيستا.