يمثل عبد الباسط
اقطيط المرشح السابق لمنصب رئاسة الوزراء في
ليبيا عام 2014، والداعي إلى حراك الخامس والعشرين من سبتبمر، ظاهرة ثقب أسود، تمتص الجميع وتسقطهم.
كما أنه يشبه في زاوية ما، أغاني الراب الآخذة في الانتشار بين الشباب، والتي يرفض فيها المغني ظاهرة ما أو سلوكا مجتمعيا، فاقطيط أعلن مرارا وتكرارا عبر صفحته على الفيسبوك رفضه لكل الأجسام السياسية التي أنشاها اتفاق الصخيرات السياسي "المجلس الأعلى للدولة، مجلس النواب، مجلس رئاسة حكومة الوفاق"، وحتى تلك الرافضة لاتفاق الصخيرات عملية الكرامة، الجنرال خليفة حفتر والدول الإقليمية المتدخلة في المسألة الليبية "السعودية، قطر، تركيا، مصر، الإمارات، الجزائر" ولا يستغرب حتى رفضه للجهود الأممية في الأزمة الليبية.
للرجل قصة طويلة في عالم التقلبات من حال إلى آخر، فمن شاب مغمور في ليبيا، إلى لاجئ ومتحصل على الإقامة الدائمة في سويسرا، إلى زوج سارة برونفمان، التي والدها هو رئيس الكونجرس العالمي اليهودي، إلى رجل أعمال صاحب شركات، ثم سياسي رشح نفسه لرئاسة وزراء الحكومة الليبية عام 2014.
في أيار/ مايو الماضي كتب الصحفي الأمريكي ديفيد كورن مقالا في مجلة "ماذر جونز" بعونان "اتصال جو ليبرمان ببنغازي" تساءل فيه، هل سيدعم الحزب الجمهوري ترشيح جو ليبرلمان لمنصب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية؟ وأنه إذا ما حدث ذلك، فإن ذلك يعني أنه للمرة الأولى يترشح فيها شخص لهذا المنصب على صلة بسياسي أجنبي، له صلة بمتهم لدى الولايات المتحدة بمقتل أربعة أمريكيين بينهم السفير الأمريكي كريستوفر ستيفينز.
ويقول كورن إن جو ليبرلمان كان يعمل لدى مكتب محاماة "كاسويتز بينسون توريس" الذي قدم استشارات قانونية لرجل الأعمال الليبي عبد الباسط اقطيط إبان ترشحه لمنصب رئاسة الوزراء في ليبيا عام 2014، خلفا لرئيس الوزراء الأسبق علي زيدان.
ويعتقد الصحفي الأمريكي كورن أن لدى اقطيط قناعة بإمكانية تحويل ستة مليون ليبي من حافة الحرب الأهلية، إلى درة في تاج شمال إفريقيا. في الوقت الذي عاش فيه خارج بلده أكثر مما عاشه داخلها، إضافة إلى افتقاره للخبرة السياسية والأمنية، وضعف علاقاته الداخلية بمختلف المليشيات، يجعله غير مؤهل لقياده بلده الممزق. ويفتخر اقطيط لدى الدوائر الأمريكية بسعة علاقاته خاصة مع وزير الخارجية السابق جون كيري، والسيناتور المحافظ جون ماكين.
وبالإضافة إلى صداقات وعلاقات اقطيط بالولايات المتحدة، فإن له علاقات أيضا بأعدائها. فعندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية القبض على نزيه عبد الحميد الرقيعي المشهور بأبي أنس الليبي، في العاصمة
طرابلس يوم الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر، سنة 2013 لصلته بتفجيري كينيا وتنزانيا في 1998. عند ذلك خشي أحمد أبو ختالة، أن يلقى ذات مصير أبو أنس الليبي، فنفى صلته بعميلة مقتل السفير الأمريكي ومرافقيه.
هذا التصريح الأخير صدّق عليه اقطيط وباركه، بل وعارض سياسة الولايات المتحدة في تسليم أبو ختالة، عندما عارض نقل إرهابيين أو خطفهم، متهمين لدى السلطات الفيدرالية الأمريكية، وأعلن اقطيط أنه متأكد من براءة أبو ختالة إذا ما قدم لمحاكمة في مدينة بنغازي.
وتنتهي القصة بعد ذلك بسقوط مرشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، بسبب علاقته بعبد الباسط اقطيط.
نجح اقطقط في إسقاط مرشح الرئيس الأمريكي، ويسعى حاليا من خلال الحراك الذي أطلقه ودعا إليه في عدة مدن ليبية على رأسها طرابلس وبنغازي، إلى الإطاحة شعبيا بكل المؤسسات الليبية الهشة، التي أشرف على إنشائها المجتمع الدولي عبر اتفاق الصخيرات الموقع في السابع عشر من كانون الأول/ يناير عام 2015.
وهذا ما دعا الخارجية الأمريكية إلى إصدار بيان ترفض فيه دعم أي مبادرات فردية في ليبيا، من شأنها تجاوز العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة، مؤكدة أن اتفاق الصخيرات السياسي هو المرجع لحل الأزمة الليبية، من خلال انتهاج سبل الحوار لإجراء تعديلات محدودة ومتفق عليها، على الاتفاق، واعتماد دستور جديد والاستعداد للانتخابات.
هذا التصريح أو الرسالة لم تثن اقطيط عن الاستمرار في نهجه الرافض للوضع القائم في ليبيا والجاري التفاوض بشأنه بين عدة مكونات سياسية وعسكرية برعاية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة.
خرجت مظاهرات يوم الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر مؤيدة لحراك اقطيط في طرابلس ومصراتة وزليتن، كما خرج آخرون رافضون لاقطيط وحراكه في طرابلس، قيل أنهم ممولون من حكومة الوفاق الوطني، أو هم في الأساس مسلحون مؤيدون لفائز السراج. إلا أن ذلك لا يمكن إثباته بهذه السهولة.
أما اقطيط وحتى كتابة هذه المقالة، فأمامه اختبار صعب، يتمثل في تزعمه مظاهرة شعبية مؤيدة له في مدينة بنغازي شرق ليبيا، حيث المدينة منقسمة على نفسها عسكريا، بين الجنرال خليفة حفتر، وقادة كتائب، انضموا حاليا لحكومة السراج، خاصة بعد تكليف فرج اقعيم - قائد بارز في عملية الكرامة- بمهام وكيل وزارة الداخلية.
فاقطيط ترفض أدبياته السياسية، السراج وحفتر، أي أنه لم يسع إلى الاستفادة من هذا الانقسام والانضمام إلى أحد طرفي معادلة الشرق الليبي، وهو ما يفرض تحديات أمامه، أمنية، ويطرح تساؤلات عن مدى سعة صدر حفتر وحلفائه، على حراك مدني رافض لجنرال مدعوم من قوى إقليمية كبرى كالقاهرة وأبو ظبي والرياض.
ويفرض التساؤل نفسه بمدى إمكانية تسامح معارضي حفتر في بنغازي مع رجل، يرفض حكومة الوفاق الوطني، وهي الجدار العازل الذي يحميهم حاليا من بطش الجنرال حفتر بهم، أو إرغامهم على إتباع نهجه العسكري.
بعض المطلعين على الشأن الليبي، ينظرون إلى حراك اقطيط من زاوية أخرى، حيث أن خطة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة تتضمن ثلاث مراحل، تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي، وهذه لن يكون لاقطيط ممثلين فيها، فهي حصرية بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، إلا أنه يمكن له الدخول في المرحلة التالية "المؤتمر الوطني الجامع" الذي ستدعو له البعثة الأممية كل المهمشين والمبعدين والذين أبعدوا أنفسهم. سيدخل اقطيط ومؤيدوه لهذا المؤتمر تحت أي لافتة كانت.
إلا أن أهم ما قد ينظر إليه رجل الأعمال الليبي هو المرحلة الأخيرة من خطة غسان سلامة، وهي الانتخابات البرلمانية والتشريعية، والتي من المفترض أن تسدل الستار على أخر مرحلة انتقالية في البلاد.
ووفق وجهة النظر تلك، فقد سجل اقطقط نفسه كمشروع قادم لقيادة البلاد، حتى وإن كان حتى الآن غير واضح المعالم، ويفتقر إلى خطة عمل تشرح رؤيته في الأزمات الليبية الحادة، والتي جعلت ليبيا على شكل "كنتونات" وأزقة وشوارع ومدن صغيرة يحكمها قادة مليشيات مسلحة، ما اضطر في نهاية الأمر السياسيين على اتباعهم والخضوع لهم.
في الفترة الماضية على حراك 25 سبتمبر، اعتمد اقطيط بشكل رئيس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كمنبر للتواصل مع الليبيين، كونه الموقع الأكثر شيوعا، من غيره المواقع الأخرى، كالتوتير. إلا أنه يوم 25 سبتبمر وصل إلى جماهيره مباشرة، وهو جمهور في أغلبه غاضب من الأوضاع الراهنة.
ومن عوامل ضعف اقطيط أنه ربط نفسه ببعض مكونات التيار الإسلامي، المرفوض من قطاعات واسعة من الليبيين، فظهرت للرجل صورة مع رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، وليبيين من حزب العدالة والبناء، وهي نقطة سلبية ليست في صالح حراك 25 سبتمبر، من الزاوية البراغماتية السياسية، كما أن القنوات المحلية الليبية التي تروج له هي الأخرى من ذوات التوجه الإسلامي. فمصاهرة رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، لدى قطاعات من شعوب الثورات المضادة، أقل شأنا من الارتباط بالتيار الإسلامي.