في الوقت "بدل الضائع"، نجحت قوات
سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيا؛ في فرض سيطرتها على أكبر حقول غاز
دير الزور، لتسبق بإعلانها عن سيطرتها على كامل الحقل السبت؛ قوات النظام المدعومة من
روسيا، والتي كانت تتأهب للوصول إليه.
ومنذ تمكنها في الأسبوع الماضي من العبور إلى الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات، أو ما يعرف محليا بـ"الجزيرة"، خاضت قوات النظام معارك ضارية ضد تنظيم الدولة للوصول إلى حقل "كونيكو"، لكن وعلى خلاف كل التوقعات، كان الحقل من نصيب "قسد"؛ التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري.
ويُعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية لم تكن لتسيطر على هذا الحقل الواقع شمال شرق دير الزور، في معركة كبدتها نحو 20 قتيلا، دون ضوء أخضر أمريكي، بل وبمشاركة مباشرة من القوات الأمريكية التي ذُكر أنها نفذت إنزالا جويا داخل المنشأة الأربعاء.
ويقدر إنتاج هذا حقل "كونيكو"، وهو الأكبر في دير الزور، نحو 10 ملايين متر مكعب من
الغاز الطبيعي يوميا.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، إن التقاطع الأمريكي- الروسي حول دير الزور يقتضي أدوارا معينة، فإن كان من المسموح للنظام وحلفائه السيطرة على مدينة دير الزور، فإن من الواضح أن أولوية السيطرة في منطقة شرق الفرات على مصادر الطاقة هي لقوات سوريا الديمقراطية، وفق تقديره.
وأضاف لـ"عربي21": "هذه الأولوية الأمريكية لسوريا الديمقراطية تقع ضمن الحسابات الأمريكية؛ لأجل عدم إعطاء النظام وحلفائه إمكانيات اقتصادية جديدة لمواصلة الحرب".
وأكد أبو دياب، نقلا عن مصادر مقربة من قوات سوريا الديمقراطية، أن الجانب الأمريكي لا يريد أن يصل النظام لمنابع الطاقة شرق دير الزور، مبينا أن ذلك كان الرد عند سؤال المصادر لهم عن سبب إصرار "قسد" على التمدد شرق دير الزور، وعما إذا كان لذلك صلة بموضوع الخط الإيراني العراقي السوري.
وأوضح أبو دياب أن سبب اعتماد الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية كأداة لحرمان النظام من الوصول إلى هذه المنطقة الغنية بالثروات، وتحول وروسيا وإيران إلى لاعبين أساسيين في ثروة دير الزور، هو"عدم وجود قوات محلية موثوقة من الجانب الأمريكي".
وحول ما إذا كانت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على حقل غاز "كونيكو" تعني حتما حرمان النظام من حقول النفط الأخرى شرق دير الزور، رأى أبو دياب: "حتى هذه اللحظة هذا ما يبدو، ومن هنا تفسر اللجهة الأمريكية الحادة تجاه الروس عندما حذرتهم من تكرار استهداف سوريا الديمقراطية".
والمشهد بكامله يعني، من وجهة نظر أبو دياب، أن هناك تحكما أمريكيا واضحا بمجمل التطورات العسكرية في سوريا، وأن كل ما حققته روسيا من مكاسب منذ أعلنت عن تدخلها العسكري المباشر في أيلول/ سبتمر 2015، "لم تكن لتتحقق على الأرض من دون غطاء ضمني أمريكي"، كما قال.
ويتفق الكاتب المحلل الاقتصادي، إياد الجعفري، مع ما ذهب إليه أبو دياب، في أن المقصود أمريكيا من وراء إعطاء حقل غاز "كونيكو" لقوات سوريا الديمقراطية؛ ليس توسيع سيطرة الأكراد على مصادر الطاقة.
ويوضح الجعفري، في حديث مع "عربي21"، أن الهدف الأمريكي من هذه الخطوة يكمن في جانبين: "توسيع نفوذها (الولايات المتحدة) في منطقة ثرية بالثروات، تحتاج إلى شركات عالمية لإعادة الإنتاج والصيانة، والشركات الأمريكية أولى".
أما الجانب الثاني، فيربطه الجعفري برغبة أمريكية في جعل الروس يخرجون بخسائر كبيرة من سوريا، موضحا أن "الولايات المتحدة تسعى لترك سوريا المفيدة التي تتحكم بها روسيا بدون أي شيء مفيد، لتتحول من منطقة من منطقة نفوذ ومكاسب إلى منطقة عبء"، على حد قوله.
ويضيف الجعفري: "ليس المقصود أمريكيا من تسليم حقل غاز كونيكو للأكراد؛ النظام والأسد الذي لا يعدو عن كونه بيدقا، وإنما روسيا".
ويرى أن المعركة الاقتصادية الروسية- الأمريكية الأكبر لم تحسم بعد، في إشارة منه إلى حقل نفط العمر الذي لا زال تحت سيطرة تنظيم الدولة، وهو من أكبر حقول النفط في سوريا.
وفي تصوره للمرحلة القادمة، قال الجعفري إن النظام سيحاول الوصول إلى حقل نفط العمر بغطاء روسي، بالرغم من أن مناطق سيطرة سوريا الديمقراطية أقرب إليه.