اضطر الشاب
المصري إيهاب سليم (30 عاما) إلى بيع ذهب زوجته لشراء وحدة سكنيه، واتفق قبل بداية آب/ أغسطس الجاري على شراء وحدة تحت الإنشاء بإحدى العمارات السكنية الحديثة في شارع الهرم محافظة الجيزة (غرب العاصمة القاهرة).
وبعد مرور أسبوعين، ذهب سليم لصاحب العمارة لسداد مقدم الحجز وكتابة العقد، لكنه فوجئ بزيادة 15 ألف جنيه (849.3 دولار) في سعر الوحدة عن السعر المتفق عليه بسبب الزيادة "التاريخية" في أسعار
الحديد.
ويسجل سعر حديد
التسليح في السوق المصري ارتفاعات حادة خلال الشهر لجاري لم يشهدها منذ 2008 رغم وجود فائض في الإنتاج يفوق احتياجات السوق، حسب تجار.
وبلغت نسبة الزيادة في سعر حديد التسليح، خلال الشهرين الماضيين، حوالي 21 بالمائة بما يتجاوز 2100 جنيه للطن الواحد (118.9 دولار).
ويبلغ سعر طن حديد التسليح بمصر حاليا، نحو 12 ألف جنيه (679.5 دولار) مقابل نحو 9.9 الآف جنيه (560.5 دولار) بداية شهر حزيران/ يونيو الماضي، وفق تجار تجزئة.
وحسب إحصائيات لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية (مستقل وتشرف عليه وزارة التجارة والصناعة)، تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصانع الحديد في مصر نحو 11.8 مليون طن سنويا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك 8.6 مليون طن، بما يعني وجود فائض يبلغ حوالي 3.2 مليون طن.
تداعيات سلبية
المهندس داكر عبد اللاه، عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء (غير حكومي)، قال إن الزيادة الأخيرة في أسعار الحديد خلقت تبعات "سلبية" على القطاع
العقاري في مصر.
وأضاف عبد اللاه، في حديثه أن أسعار العقارات في مصر شهدت زيادات تتراوح بين 10 إلى 20 بالمئة خلال الفترة الأخيرة نتيجة الارتفاعات الحادة في أسعار حديد التسليح.
وانتقد قيام منتجي الحديد برفع الأسعار لمستويات قياسية، رغم عدم زيادة سعر إمدادات الغاز لمصانع الحديد والصلب.
ونص آخر قرار حكومي على أن يباع الغاز لمصانع الأسمنت بقيمة 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ولمصانع الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والسيراميك والزجاج المسطح بسعر 7 دولارات.
واعتبر عبد اللاه أن الحكومة المصرية "تسرعت في فرض رسوم إغراق على الحديد"، موضحا أنه على الرغم من أن حجم الحديد المستورد لا يتعدى 2 مليون طن، إلا أن هذا الحجم كان "كافيا لخلق توازن في السوق".
وحسب عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، فإن أزمة حديد التسليح في مصر تتمثل في وجود 23 مصنعا لا يوجد بينهم مصنع واحد يتبع الدولة.
وأكد على "ضرورة إنشاء مصنع حكومي لصناعة حديد التسليح يتبع القوات المسلحة، ليكون حائط صد ضد الممارسات الاحتكارية لمصنعي الحديد".
وطالب عبد اللاه بضرورة إلغاء رسوم الإغراق التي فرضتها الحكومة على واردات 3 دول، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه لإنقاذ المواطنين من استغلال المصانع.
رسوم إغراق
وفرضت وزارة التجارة والصناعة المصرية في 6 حزيران/ يونيو 2017، رسوم مكافحة إغراق لمدة 4 أشهر على الواردات من صنف حديد التسليح القادمة من الصين وتركيا وأوكرانيا.
وقالت الوزارة، آنذاك، إن القرار جاء نتيجة تضرر الصناعة المحلية من الزيادة الكبيرة في الواردات من صنف حديد التسليح من الدول الثلاث المذكورة.
وشهدت واردات مصر من حديد التسليح تراجعا حادا، خلال النصف الأول من العام الجاري، لتسجل نحو 263 ألفا و789 طنا، مقابل مليون و25 ألف طن خلال نفس الفترة من 2016، بانخفاض قدره 74 بالمائة، وفقا لبيانات رسمية صادرة عن وزارة التجارة والصناعة المصرية.
المهندس سهل الدمراوي، عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء حذر، أيضا، من أن ارتفاع أسعار حديد التسليح بهذه الوتيرة المتسارعة "يهدد نمو القطاع العقاري الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد والمشغل الرئيسي لنحو 8 ملايين عامل في مصر".
وحسب بيانات حكومية، فإن عدد الوحدات السكنية المنفذة في مصر خلال الفترة بين العامين الماليين 2009-2010 و2014-2015 بلغ 1.2 مليون وحدة باستثمارات 109.6 مليار جنيه (6.2 مليار دولار).
وطالب الدمراوي، "بضرورة وضع حد أقصى لأسعار حديد التسليح في مصر في ظل رفع التجار هامش أرباحهم من 600 جنيه (33.9 دولار) في الطن إلى 1000 جنيه (56.6 دولار) للطن حاليا.
ولفت إلى أن العديد من شركات القطاع الخاص العاملة في مجال التطوير العقاري أوقفت أعمالها، عقب ارتفاع مواد البناء وعلى رأسها حديد التسليح.
وطالب الدمراوي الدولة بضرورة فتح باب استيراد الحديد، وإلغاء رسوم الإغراق التي تفرضها على الحديد المستورد لخفض الأسعار.
البيليت السبب
من جانبهم، ينكر أصحاب مصانع الحديد في مصر استغلالهم قرار رسوم الإغراق للتحكم في السعر، ويرجعون الزيادة إلى الارتفاعات العالمية لخامات الحديد "البيليت" عالميا، وعدم وجود مصانع تنتجه محليا.
وارتفعت أسعار البيليت بنحو 110 دولارات للطن خلال الشهر الجاري إلى 525 دولار للطن (سيف) وهو أعلى سعر وصل إليه البيليت منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
وترجع الزيادة في أسعار البيلت إلى الارتفاع الشديد في أسعار المواد الخام الداخلة في تصنيع أفران الصهر التي تتولى إنتاج البيلت.
وتسببت الجهود الصينية للسيطرة على التلوث في اضطراب أسعار الصلب وخام الحديد والفحم بسبب تقليص الإنتاج بصورة روتينية نتيجة لإجراءات الطوارئ الخاصة بالضباب الدخاني وحملات التفتيش.
وحسب جمال الجارحي، رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، تستورد مصر 100 بالمائة من خامات صناعة حديد التسليح من الخارج.
وأضاف الجارحي في تصريحات صحفية: "مصانع الحديد بمصر تعاني من سوء حظ؛ فهناك ارتفاعات في أسعار الخامات، بشكل شبه يومي".
ومن بين الأسباب الأخرى التي ساقها مصنعو الحديد لزيادة الأسعار، ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء.
وقررت مصر رفع أسعار الوقود في نهاية حزيران/ يونيو، بنسب وصلت إلى 55 بالمائة، و100 بالمائة بالنسبة للغاز المنزلي؛ كما رفعت في 6 تموز/ يوليو الماضي، أسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي بنسب وصلت إلى 42.1 بالمائة.
فجوة عقارية
وتعمل الحكومة المصرية حاليا على إنشاء العديد من الوحدات السكنية لتضييق الفجوة بين العرض والطلب لاسيما مع النمو السكاني الكبير.
وتصل الفجوة بين العرض والطلب لنحو 600 ألف وحدة سكنية سنويا، حسب مسؤولين بالقطاع.