أعلنت الحكومة
المصرية منع بناء أي
مساجد في مصر دون الحصول على موافقة رسمية مسبقة، كما حظرت تماما إنشاء المساجد الصغيرة التي تقام أسفل العقارات، والمعروفة في مصر باسم الزوايا، بحجة محاربة التطرف والإرهاب.
وأعلن وزير
الأوقاف محمد مختار جمعة قواعد جديدة وصعبة للحصول على ترخيص لبناء المساجد، حيث اشترط أن يكون المسجد على مساحة كبيرة، وأن يشمل دارا لتحفيظ القرآن وحضانة للأطفال ومستوصفا طبيا، ولم يستثن قرية أو مدينة من هذه الاشتراطات.
ويقول مراقبون إن هذه الاشتراطات جعلت المساجد المسموح بها بمثابة مراكز إسلامية لا يقدر على تكاليف بنائها سوى قلة قليلة من أثرياء المجتمع، الأمر الذي سيجعل السكان في مصر يكافحون حتى يتمكنوا من بناء مسجد جديد.
مساجد لتجنيد الأطفال!!
وبرر وزير الأوقاف هذه القرارات بأن البلاد لا تحتاج إلى بناء زوايا جديدة؛ لأن الزوايا تنتشر في كل مكان وأعدادها كافية، كما قال.
واعتبر جمعة، في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي، أن "كثرة بناء الزوايا ليس من الدين ولا الوطنية، لأنها تفرق ولا تجمع"، وقال إن "المساجد الصغيرة والزوايا أصبحت أداة في يد البعض لنشر الأفكار المتطرفة، واستُغلت خلال العقود الماضية من جانب الجماعات الإرهابية لتجنيد الأطفال".
وأكد مختار جمعة حرص الحكومة على السيطرة على المساجد، موضحا أن من يريد بناء مساجد لا بد أن يكون عبر الطرق الشرعية عن طريق الحصول على تصريح من الحكومة.
وأعلن أنه لا مجال لإلقاء الخطب أو الدروس "لأي أحد كائنا من كان" دون تصريح مسبق من الوزارة، معتبرا أن "بناء مساجد بالمخالفة للقانون أو إنشاء مساجد بشكل عشوائي هو أمر مرفوض ولا يتوافق مع قيم الإسلام ونظامه وحضارته"، كما قال.
وأبدى عدد من نواب البرلمان المؤيدين للنظام موافقتهم على قرارات وزير الأوقاف، حيث قال وكيل اللجنة الدينية بالبرلمان النائب عمر حمروش، في تصريحات صحفية الجمعة الماضية، إن هذا القرار "تأخر كثيرا"، وأنه "سيقضي على عشوائية بناء المساجد دون أي ضوابط".
كما وصف النائب خالد مشهور؛ قرار وزير الأوقاف بأنه "صائب"، وقال: "بعض المواطنين يبنون المساجد بدون ترخيص رسمي لأهداف أخرى غير التقرب إلى الله"، معتبرا أن هناك "من يستغل بناء مساجد للتهرب من فواتير الكهرباء والمياه أو البناء على أرض زراعية دون ترخيص"، على حد قوله.
تطرف تحت الأرض؟!
وتعليقا على هذه القرارات، قال الباحث السياسي جمال مرعي؛ إن قرار وزارة الأوقاف في حد ذاته يتضمن إحدى صور التطرف بحجة مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن الحكومة ترغم الناس على الالتزام بشروط "متعسفة لبناء المساجد، معللة ذلك بأنها تعمل على منع تكوين جماعات إرهابية".
وأضاف مرعي، في حديث لـ"
عربي21"، أن "ادعاء الحكومة غير صحيح، فوزارة الأوقاف يمكنها أن تشرف على المساجد والزوايا، وتقوم بتعيين الأئمة والخطباء الذين تطمئن لهم، لكن أن تمنع إنشاء المساجد فهذا أمر خطأ؛ لأن هناك مناطق نائية في كثير من الأقاليم تحتاج لإنشاء أماكن للعبادة والصلاة في القرى والنجوع، ولا يمكن إجبارهم على الذهاب للصلاة في المساجد البعيدة".
وأكد الباحث السياسي؛ أن "وزير الأوقاف الحالي يجامل النظام بشكل فج، فضلا عن كرهه لجماعة الإخوان والسلفيين، وهو يتخيل أن وقف إنشاء المساجد سيمنع تكوين جماعات معارضة للسلطة، لكن الحقيقة أنه بهذا القرار يساهم في توفير بيئة خصبة لتطرف جديد تحت الأرض، وتجمعات سرية تعمل ضد النظام"، موضحا أن "منع الناس من التجمع العلني في الأمور الدينية والأساسية، مثل الصلاة، سيدفعهم إلى التجمع بشكل سري والعمل ضد السلطة التي تقمعهم"، وفق تأكيده.
"قرار جيد"
لكن المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع؛ دافع عن القرار الجديد، وقال إنه "إذا كانت وزارة الأوقاف جادة في تنظيم بناء دور
العبادة فقط فهو أمر جيد، شريطة ألا يكون الدافع الحقيقي وراء هذه الخطوة هو النكاية في جماعة الإخوان المسلمين".
وشدد ربيع، في حديث لـ"
عربي21"، على "ضرورة تنظيم أعمال بناء دور العبادة في البلاد، سواء المساجد أو الكنائس"، معربا عن اعتقاده بأن "إنشاء المساجد في العقود الماضية كان يمثل بابا كبيرا للفساد في عهد حسني مبارك، بسبب قانون يمنح أي مالك عقار إعفاءً من الضرائب إذا بنى أسفل العقار مسجدا، كما يحصل على المرافق من ماء وكهرباء مجانا".
ورأى أن "هذه الأوضاع المغلوطة كانت مجالا كبيرا لبناء العقارات المخالفة وتحقيق الأرباح الطائلة من ورائها، كما ضيعت على الدولة موارد ضخمة وساهم في تضخم ثروات طبقة رأسمالية بسبب قصور القوانين"، على قوله.
واعتبر أن هذا "الوضع أدى إلى تفريخ آلاف الإرهابيين الذين خرجوا من زوايا ومساجد صغيرة؛ داخل مناطق العشوائيات البعيدة عن سيطرة الدولة"، بحسب تعبيره.