نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها في القاهرة جاك شينكر، يقول فيه إن محامي حقوق إنسان مصريا كشف عن الفظائع التي تجري في السجون
المصرية، واتهم في تصريحات للصحيفة النظام المصري بالاختطاف والتعذيب والانتهاكات، مشيرا إلى أن شهادته جاءت بعد تعرضه نفسه للتجربة، حيث أصبح ضحية من ضحايا نظام عبد الفتاح
السيسي..
ويقول شينكر إن الأجهزة الأمنية المصرية مسؤولة عن تعذيب السجناء وحرمانهم من أبسط
الحقوق الإنسانية، مشيرا إلى أن طارق (تيتو) حسين، (24 عاما)، وهو محام في قضايا حقوق الإنسان، تعرض نفسه للاختطاف والاحتجاز القسري لعدة أسابيع، وتحدث عن تجربته للصحيفة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن حسين اتهم مسؤولي النظام بمحاولات نزع اعترافات كاذبة، وعدم السماح للمعتقلين بالاتصال مع المحامين والحصول على الاستشارة القانونية، واستخدام أساليب عنف أثناء التحقيق بالضرب، واستخدام الصعق الكهربائي، ما يعد خرقا للدستور المصري والقانون الدولي.
وتذكر الصحيفة أن تلك الاتهامات جاءت بعد أيام من صدور تقرير عن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، فصلت فيه "
التعذيب المنتشر في ظل حكم الجنرال الذي أصبح رئيسا، عبد الفتاح السيسي"، وجاء فيه أن حجم انتهاكات حقوق الإنسان "قد يصل إلى جرائم ضد الإنسانية"، لافتة إلى أن وزارة الخارجية قالت إن التقرير يقوم على أدلة باطلة ومحاولة مدروسة لتشويه سمعة مصر.
وبحسب الكاتب، فإن الصحيفة طلبت من الحكومة المصرية الرد على اتهامات المحامي حسين، والمعاملة السيئة التي يتعرض لها السجناء، إلا أن "الغارديان" لم تتلق ردا.
ويلفت التقرير إلى أن الكابوس الذي تعرض له حسين كان في 17 حزيران/ يونيو، عندما عُكّر صفو بيت عائلته في القرية الصغيرة كفر حمزة، شمال القاهرة، وسُمع طرق على الباب، وعندما حاولت أمه معرفة من الطارق، فإنها وجدت أكثر من 50 عنصرا من قوات الأمن المدججين بالسلاح ينتظرون في الشارع.
وتبين الصحيفة أنه عندما طلب حسين أمرا من النيابة بالقبض عليه، جاءه الرد "تعرف أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة هنا"، حيث صعد المحامي في مجال النشاط المطالب بالديمقراطية، بعدما اعتقل شقيقه الأصغر لأكثر من عامين، دون توجيه اتهامات له، بعدما ارتدى قميصا كتب عليه "شعب بلا تعذيب"، واختفى حسين في ما يصفه الكاتب بـ"متاهة" تشبه العالم الروائي لكافكا، وتنقل بين البيروقراطية والتعذيب المنظم لمدة 42 يوما، ونقل ما بين عدد من مراكز الشرطة والسجون والمحاكم حول مصر دون أن تعرف عائلته مكانه.
ويورد شينكر نقلا عن حسين، قوله: "لو كان لديك حلم بتغيير مصر للأفضل، والعيش في بلد يحترم فيه القانون، ويتم فيه رفض عنف الدولة، فإن هناك ثمنا يجب أن تدفعه"، وأضاف: "يعتقد هذا النظام أن القتال من أجل حقوقك هو جريمة، إلا أن الجريمة الحقيقية هو ما يحدث داخل
السجون المصرية".
وقال حسين للصحيفة إنه تعرض للتحقيق أكثر من مرة أثناء اعتقاله، وسئل مرارا حول موقفه من ثورة عام 2011، وعن رأيه بقادة المعارضة البارزين، ومقالاته التي كتبها لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، حيث إنه لم يعرف في البداية طبيعة الاتهامات الموجهة إليه، ومنع من الاتصال مع محاميه، وعند تقديمه أمام النيابة اتهم بالتحريض ضد الدولة، وعضوية جماعة محظورة، وهي جماعة الإخوان المسلمين.
ويجد التقرير أن تلك الاتهامات كانت غريبة في ضوء معارضة حسين لحكم الرئيس السابق محمد مرسي، حيث قرر قاض في وقت لاحق إطلاق سراحه بكفالة، ورفضت القوى الأمنية تطبيق الحكم القضائي، زاعمة أن حسين متهم بعدة قضايا قانونية في مناطق مختلفة من مصر، مشيرا إلى أن قائمة الاتهامات تضم البناء بطريقة غير قانونية، وتزوير سند قبض مالي، وهي جرائم ارتكبت في مدن لم يعش فيها أبدا، أو كان فيها عندما كان طفلا.
وتفيد الصحيفة بأن حسين ظل محتجزا على مدى أسابيع في عدد من المعتقلات، ونقل في عربات الشرطة المكتظة بالسجناء، التي كانت تحمل أحيانا حوالي 150 سجينا، حيث كانت تقف تحت شمس الصيف أمام مراكز الشرطة، لافتة إلى أنه عندما مرض حسين، وأصبح يتقيأ دما، فإن سلطات السجن لم تسارع لتقديم الدواء له، وقيل إنه يواجه سجنا لمدة عام في جريمة لم تحدد.
وينوه الكاتب إلى أن حسين عانى من أسوأ تجارب السجن في معسكر اعتقال في مركز بدر البحيرة، وهي بلدة تقع غرب دلتا النيل، فيقول: "منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها كان من الواضح أن الإجراءات في داخل هذا السجن وحشية"، وطلب من القادمين الجدد التعري ومواجهة الجدار، حيث قام حراس السجن بجلدهم بأنابيب بلاستيكية، ويقول: "كنا نسمع على طول ممرات السجن صراخ الأشخاص الذين كانوا يعذبون، وأصوات الصعقات الكهربائية، وكان يمر من جانبنا أشخاص مغطون بالدم".
ويعلق حسين قائلا: "أنا محامي حقوق إنسان، ومن المفترض أن أقوم بالدفاع عن هؤلاء الأشخاص ضد هذه الوحشية، وكانت لحظة في حياتي اكتشفت فيها معنى أن تكون منهارا".
وينقل التقرير عن حسين بيومي، من حملة "أمنستي إنترناشونال مصر"، قوله إن معاناة طارق حسين تعكس أزمة حقوق إنسان أكبر تعيشها مصر، حيث يتم العمل بقوانين الطوارئ، ومنع التظاهرات، واعتقال عدد كبير من الصحافيين، وحجب المئات من مواقع الإنترنت، وقمع حرية التعبير.
ويضيف بيومي للصحيفة: "استهدف النظام المصري طارق لأنه تجرأ على الدفاع عن ضحايا انتهاكات الدولة، ولأنه تجرأ للتعبير عن رأيه بطريقة سلمية"، مشيرا إلى أن مستوى سوء المعاملة والتعذيب الذي كشف عنه مثير للقلق.
ويكشف شينكر عن أن منظمة "أمنستي إنترناشونال" أصدرت العام الماضي تقريرا حول الاختفاء القسري، الذي قالت إنه زاد بشكل كبير، وبأن قوى الأمن تختطف أربعة مواطنين في كل يوم، وتحتجزهم في أماكن مجهولة.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن آخر ضحايا عنف الدولة كان صديقا لطارق، وهو إبراهيم متولي حجازي، الذي أنشأ رابطة أسر المختفين قسريا، وهو في مطار القاهرة، حيث كان في طريقه لجنيف للمشاركة في ورشة عمل حول التحقيقات في قضية اختفاء طالب جامعة كامبريدج الإيطالي غويليو ريجيني، الذي اختفى العام الماضي، عشية الذكرى الخامسة لثورة 2011، لتكتشف جثته بعد أيام على الطريق خارج القاهرة، مشوهة وعليها آثار التعذيب والحرق.