ألقت حركة حماس الكرة في ملعب خصمها السياسي التاريخي المتمثل في حركة فتح، في مباراة دامت طويلا على غير المعتاد، كان الحكم فيها جهاز المخابرات المصرية، حيث اتخذت قرارا بحل اللجنة الإدارية التي شكلتها مؤخرا لإدارة قطاع غزة، ودعت حكومة الوفاق الوطني لاستلام مهامها فورا.
رد "فتح" الأولي على هذه الخطوة كان حذرا، فبينما أكد نائب رئيس الحركة فيها محمود العالول أن الخطوة إيجابية، فقد دعا في الوقت ذاته إلى عدم التسرع والانتظار لمعرفة التفاصيل من وفدها المتواجد في القاهرة.
ولاحقا صرح مسؤول ملف المصالحة في "فتح" ورئيس وفدها إلى القاهرة عزام الأحمد أن لقاء سيجمع حركتي فتح وحماس في القاهرة الأحد، يليه اجتماع آخر لكافة الفصائل، متوقعا أن تستلم حكومة الوفاق مهامها في قطاع غزة قريبا.
اقرأ أيضا: حماس توافق على حل اللجنة الإدارية بغزة وإجراء انتخابات عامة
الفصائل الفلسطينية بدورها رحبت بالخطوة التي أقدمت عليها حركة حماس، واعتبرتها مقدمة لإنهاء الانقسام، حيث ثمنت لجان المقاومة الشعبية ما أعلنته "حماس"، وشددت على ضرورة أن يقابل ذلك بقرار عاجل وفوري من رئيس السلطة محمود عباس، يتم بمقتضاه رفع كافة الإجراءات العقابية ضد أهالي قطاع غزة فورا.
حركة الجهاد الإسلامي رحبت من جهتها بالخطوة، ودعت لإتاحة المجال أمام الجهود المصرية لإنهاء الانقسام داعية السلطة إلى التراجع عن الإجراءات ضد غزة.
الجبهة الشعبية رحبت هي الأخرى بالخطوة، وقالت على لسان عضو اللجنة المركزية فيها: "نرحب بإعلان حركة حماس حل اللجنة الإدارية وندعو حكومة التوافق الوطني لاستلام مهامها في القطاع بسرعة من أجل وضع خطة لإنقاذ الأوضاع الإنسانية".
ورغم خلافه مع رئيس السلطة، وإبرامه تفاهمات مؤخرا مع "حماس"؛ قال القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان إن "حماس" بهذه الخطوة "تكون قد أزاحت الذرائع التي كان يضعها أبو مازن شرطاً للمضي بالمصالحة".
من جهته صرح المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، مرحبا بما أعلنته حركة حماس، داعيا جميع الأطراف إلى اغتنام الفرصة لاستعادة الوحدة، وفتح صفحة جديدة للشعب الفلسطيني، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة لدعم الجهود المبذولة في هذا الصدد، وصولا لمعالجة الوضع الإنساني الخطير في غزة، و"خصوصا أزمة الكهرباء كأولوية".
اقرأ أيضا: أول رد لحركة فتح على حل اللجنة الإدارية بغزة.. تفاصيل
ورأى المختص في الشأن الإسرائيلي، مأمون أبو عامر، أن قيام "
حماس بوضع مصير
اللجنة الإدارية على الطاولة المصرية قبل إعلان حلها، هي خطوة ذكية وموفقة جدا التقطتها
المخابرات المصرية"، على حد وصفه.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "تسببت خطوة حماس بإحراج الطرف الفلسطيني الآخر (السلطة وحركة
فتح) الذي لم يبق له أي ذريعة للتملص من التقدم خطوة نحو إتمام
المصالحة، وهو الذي جعل من اللجنة الإدارية شماعة لإجراءاته العقابية تجاه غزة"، كما قال.
ولفت أبو عامر إلى أن "الخطوة التالية عقب قرار حل اللجنة الادارية؛ هي مسألة التطبيق، والتي اعتقد أن المخابرات المصرية سيكون لها دور بارز في تنفيذ اتفاق المصالحة على أرض الواقع".
جولة قتال
ورأى أن مصر "معنية جدا أن تكون حاضرة بقوة في ملف المصالحة الفلسطينية، وهو بالنسبة لها ملف أمني بالدرجة الأولى من جانب، وسياسي من الجانب الآخر؛ بأن تمسك القاهرة بالورقة الفلسطينية، مما يعزز من دورها أمام منافسيها الإقليميين في المنطقة".
وفي ذات السياق، أوضح المختص في الشأن الإسرائيلي أن نجاح الجانب المصري في إتمام المصالحة الفلسطينية "ربما يمهد الطريق أمامه للخوض مفاوضات معمقة من أجل إتمام إنجاز صفقة تبادل جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء ملف الجنود الإسرائيليين لدى حماس".
ونوه إلى أن "أي اتفاق للمصالحة سابقا كان يرافقه فيتو إسرائيلي يؤدي إلى إفشاله، لكن تل أبيب اليوم يبدو أنها باتت تدرك أن وجود اتفاق للمصالحة برعاية مصرية بات هو الخيار الأفضل بالنسبة لها، على قاعدة وقف جولات القتال في ظل تفرد حماس بالقطاع وتنامي قوتها العسكرية، وتفاديا لجولة قتال جديدة قادمة"، وفق تقديره.
من جانبه، شدد أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس؛ على أهمية الدور المصري "الضاغط والضامن"، معربا عن تفاؤله مما يجري؛ لأن "المؤشرات القادمة من القاهرة إيجابية والأجواء طيبة"، على حد وصفه.
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "الخطوة الأهم نحو المصالحة؛ هي استلام حكومة التوافق عملها في قطاع غزة"، لافتا إلى أن "الأمور ليست بهذه السهولة والتمكين، إلا أن التصميم وبناء الثقة بين الجانبين سيسرع من تطبيق المصالحة".
ونبه البسوس إلى إمكانية وجود "بعض العقبات التي يمكن تذليلها"، معتبرا أن العنصر "الأهم في الموضوع، هو أن مصر معنية بعودة الوحدة الفلسطينية، وما لديها من النفوذ يمنحها قوة الضغط على فتح وحماس وتذليل العقبات أمام جهود المصالحة".
الخطوة القادمة
من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، أن "حماس بإعلانها حل لجنتها الإدارية بغزة، والذي جاء استجابة لشرط حركة فتح، تكون بذلك قد نزعت كل الذرائع التي تعمدتها السلطة الفلسطينية"، كما قال.
وأكد في حديث لـ"عربي21" أن "المصالحة الفلسطينية دخلت في مرحلة الحسم؛ فإما أن تستجيب السلطة، وإما أن تكون القاهرة في حل من فتح معبر رفح البري بوجود حرس الرئيس"، متوقعا أن تكون الساعات الأربع والعشرين القادمة؛ تحمل الجواب لشعبنا الفلسطيني، والوقوف إزاء استجابة فتح لخطوة حماس".
ورأى أبو شمالة أن "استجابة حماس لمطلب فتح، يمثل تجاوبا من حماس مع الضغوط المصرية، ومحاولة لإغلاق أي ثغرة يتذرع بها من لا يرغب بالمصالحة"، موضحا أن "الخطوة القادمة مطلوبة من حركة فتح، فإن تأخرت فالخطوة التالية مطلوبة من مصر أولا والفصائل الفلسطينية، التي طالبت بحل اللجنة الإدارية أيضا، ثانيا، وهي هنا مطالبة بالتحرك لممارسة
حكومة الوفاق دورها والقيام بواجبها تجاه سكان غزة"، على حد قوله.
وحول المطلوب من حركة "فتح"، شدد أبو شمالة على ضرورة أن تعمل حركة فتح على "الاستجابة لخطوة حماس، والبدء الفوري في ممارسة الحكومة الفلسطينية لدورها في غزة وتحمل مسؤولياتها"، وهي ذات الخطوة التي أكد عليها جميع المتحدثين لـ"عربي21".
وكانت حركة حماس، أعلنت اليوم حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة. ودعت الحركة في بيان لها، حكومة الوفاق الوطني للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فوراً.
وأوضحت في بيان لها وصل "عربي21" نسخة منه، أن هذا الإعلان يأتي "استجابة للجهود المصرية، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية"، مؤكدة أن مصر "حرصت على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام".
وأبدت الحركة موافقتها على إجراء الانتخابات العامة، معربة عن استعدادها لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة "فتح"، حول "آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011م كافة".
ووصل وفد من حركة فتح برئاسة عزام الأحمد، مساء الجمعة إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين للبحث في جهود إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.
ويتزامن وصول وفد حركة فتح في وقت تستضيف فيه القاهرة منذ عدة أيام وفدا من "حماس" برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية.