أظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن سلطة النقد
الفلسطينية؛ تراجعا كبيرا في حجم ودائع مواطني قطاع
غزة في
البنوك المحلية خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
فقد انخفضت الودائع من 1.7 مليار دولار إلى أقل من مليار دولار، خلال هذه الفترة. وبحسب بيانات سلطة النقد، فقد بلغ إجمالي حجم الودائع في البنوك الفلسطينية خلال هذا العام 11.3 مليار دولار، استحوذت الضفة الغربية على حصة الأسد من هذه الودائع بتخطيها 10.2 مليارات دولار، أي ما نسبته 90 في المئة من إجمالي الودائع المصرفية.
وتظهر هذه الأرقام مدى اتساع الفجوة في الحالة الاقتصادية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فعند النظر إلى التوزيع الجغرافي لهذه الودائع، يظهر أن مدينة رام الله لوحدها تستحوذ على 3.9 مليارات دولار، أي أن حصتها أكبر من مجموع ودائع قطاع غزة مجتمعة بأربعة أضعاف.
إجراءات السلطة
ويعيش قطاع غزة في ظروف اقتصادية صعبة، بسبب
الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ أكثر من عشر سنوات، إضافة إلى الإجراءات "الانتقامية" التي اتخذها رئيس السلطة محمود عباس بحق القطاع في الأشهر الأخيرة، والتي كان من أبرزها إحالة جميع الموظفين العاملين في غزة للتقاعد، وتجميد حسابات بنكية لمؤسسات وجمعيات خيرية تعمل في القطاع؛ بدعوى تمويلها لنشاطات تتبع لحركة حماس.
ويشير مراقبون إلى أن الإجراءات التي اتخذها عباس بحق القطاع مؤخرا كانت من الأسباب الرئيسية في فقدان ثقة المواطنين والقطاع الخاص بالمؤسسات المصرفية؛ خوفا من تعرضها لعقوبات اقتصادية قد تصل إلى إصدار قرار من سلطة النقد بوقف نشاطات البنوك المحلية، كما سبق أن هدد عباس بذلك.
أسباب التراجع
بدوره، قال عميد كلية التجارة في الجامعة الإسلامية بغزة، محمد مقداد، إن "تراجع حجم الودائع المصرفية في بنوك قطاع غزة يعود إلى مجموعة من العوامل؛ أبرزها غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي للقطاع خلال السنوات العشر الأخيرة، منذ قيام الجانب الإسرائيلي والمصري بفرض الحصار الاقتصادي، وتوقف القطاع عن تصدير أي منتجات أو سلع تنتجها مصانعه، الأمر الذي أدى إلى إعلان العشرات من التجار إفلاسهم وسحب كل ودائعهم المصرفية من البنوك، بل قاموا أيضا ببيع كل موجوداتهم حتى يتخلصوا من الالتزامات التي رافقتهم خلال هذه الفترة".
وبحسب مقداد، فإن العامل الثاني وراء انخفاض الودائع المصرفية بهذه الصورة، خصوصا في النصف الأول من هذا العام، هو أن "الإجراءات العقابية التي فرضها الرئيس عباس بحق سكان القطاع أدت لقيام المودعين بسحب أموالهم من
المصارف واللجوء لخيار شراء الأصول المتداولة، كالذهب والعقارات، كخيار أكثر ضمانا واستقرارا من بقاء الودائع رهنا في البنوك التي قد يقدم الرئيس عباس على سحب تراخيصها ووقف أنشطتها في القطاع نتيجة خلافه السياسي مع خصومه على الساحة الفلسطينية".
وأوضح مقداد، في حديث لـ"
عربي21"، أن "الواقع الاقتصادي في قطاع غزة لا يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال بالواقع الاقتصادي في الضفة الغربية، حيث تتمتع الضفة الغربية باستقرار سياسي واقتصادي وانفتاح تجاري على الجانبين الإسرائيلي والأردني، ويستطيع الأفراد والتجار التحرك بسهولة على المعابر الحدودية مما يسهل من عملية نقل بضائعه بغرض التصدير والحصول على الإيرادات اللازمة لاستمرار النشاط الاقتصادي، وهذا ما لا يحدث في قطاع غزة".
وفي سياق متصل، أظهرت إحصائيات نشرتها جمعية البنوك الفلسطينية أن بنوك قطاع غزة قامت خلال الربع الثاني من هذا العام بترحيل 100 مليون شيكل (28 مليون دولار) للبنوك الإسرائيلية، كسيولة فائضة عن حاجة القطاع، أما في الضفة الغربية فقد رحلت البنوك 4.1 مليارات شيكل (1.2 مليار دولار) لنفس الفترة.
تداعيات ومخاطر اقتصادية
بدوره، قال مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة بغزة، ماهر الطباع، إن استمرار التدهور الحاصل في حجم الودائع المصرفية في بنوك القطاع قد يؤدي إلى "عواقب كارثية على النشاط الاقتصادي للقطاع، من بينها شح السيولة وتوقف المصارف عن منح القروض البنكية للمواطنين والقطاع الخاص، إضافة إلى وقف البنوك تقديم ضمانات لاستيراد السلع والخدمات، مما يعني دخول القطاع في مرحلة ركود اقتصادي لا أحد يعلم عواقب هذه المرحلة".
وأضاف الطباع في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "القطاع المصرفي في غزة يمر بأسوأ فترة في تاريخ القطاع المصرفي الفلسطيني، مقارنة بنظيره في الضفة الغربية الذي حقق خلال السنوات القليلة الماضية قفزة كبيرة في نشاطاته المالية بسبب الظروف السياسية المستقرة والانفتاح التجاري والمالي على العالم الخارجي"، كما قال.
ويعمل في السوق الفلسطينية 17 مصرفا محليا وأجنبيا، تشتغل في الضفة الغربية وقطاع غزة، منها سبعة مصارف محلية (مصرفان إسلاميان وخمسة مصارف تقليدية)، و10 مصارف أجنبية (ثمانية بنوك أردنية، وبنك بريطاني وبنك مصري).