نحتفظ بحقنا في السخرية من الحكومة وما جاورها، فذلك حتى الآن مكسبنا الوحيد من الثورة ومن الديمقراطية.
أما الحكم الرشيد المنتظر، فأعتقد أنه اختفى في الدهليز وسيأتينا مع المهدي آه لقد جاءنا مهدي سابق وطلع (فأشوش)، إذ اكتشفنا بيروقراطيا صغيرا يقيس حدود العالم بحواف مكتبه في شركة نفطية.
ثم جاء يوسف وقلنا ستعمر خزائن الأرض ونؤتى الحكمة وحب الحصيد، ها نحن في العجاف السبع نشاهد يوسف ونحسب أصابعنا قبل مرور الضرائب، ونقول لا بأس من البئر المعطلة، فعندنا القصر المشيد. حيث يسكن يوسف ويمشي أحيانا على قدميه ليعلمنا الرياضة وتخفيف وزن الشحوم الكثيفة التي نبتت بأوراكنا من طول انتظار الحكومة.
يا يوسف أين الحكومة؟
يوسف مزنوق والحكومة متعسرة، والشعب
التونسي العظيم يغني مع المرحومة فاطمة (برّ هكاكة بر هكاكة)وترجمتها لأهل المشرق من العرب، سر كما تيسر، فأنت لم تكتشف الطريق.
الحكومة حكومات ويوسف طري العود
يجب أن ننصف يوسف، فهو شاهد على نفسه بالسعي في خير البلاد، ولكنه طري العود على معارك الحكومات داخل حكومته.
توجد حكومة أولى في الداخلية وثانية في التربية وثالثة في الصناعة والتجارة وربما يفتتح وزير الفلاحة حكومته الخاصة في الزراعة فكيف لليوسف لا "ينزنق" بين الحكومات وهو يتابعها زنقة زنقة دار دار حزب حزب. والشعب المدلل يقف له بالمرصاد ويريد فالشعب دوما يريد رواتب وزيادات.
كان يمكن أن تكون التعددية الحزبية وسيلة كافية ليجد رئيس الحكومة الأرصدة البشرية متوفرة بين يديه فيختار إذ تقترح عليه الأسماء فيختار بيسر ويمر إلى العمل لكن التعددية أمام يوسف بحيرات آسنة يُسمع فيها نقيق طويل.
توجد بحيرة النقابة أولا (حيث يتخفى اليسار التونسي العظيم) تحكم من خلف ستار هذا يروقني، وهذا لا يروقني والاعتراض ليس على الكفاءة، بل على الولاء الأيديولوجي، فكل وزير خوانجي حتى يثبت خضوعه للنقابة والعمل بما تراه.
توجد بحيرة النداء الحزب الذي تبين له فجأة أنه منتصر في انتخابات نسينا تاريخها لفرط ما انفرط من نتائجها على الأرض حزب أغلبي على سجلات الانتخاب أقلي في البرلمان، ويمسك بخناق المال، ويمسك المال بخناقه، فلا ينفصمان إلا في قائمة وزارء بلا كفاءة.
توجد بحيرة النهضة الحزب الثاني في السجلات والأول في البرلمان وبيده الحل والربط حتى بعد أن تخلى عن العنعنات.
مرعوب من حكومة الداخلية ومرتبك في حكومة التربية، وليس لديه حلول لحكومة الصناعة والتجارة.
أما حكومة الثقافة، فقد صرف عنها النظر، خشية أن يتحول بيض المثقفين إلى حجر على رأس وزير خوانجي على الثقافة.
لذلك، تركت الأمر لأهله، وولت الأدبار مولولة بالتنمية البشرية في القرى والمداشر.
التعددية الحزبية حتى الآن كارثة على التجربة الديمقراطية، لأنها لا تنتج تحالفات وازنة ومستقرة، بل تشتغل في العملية السياسية بطريقة التعطيل المتبادل للقوة، بقاعدة عطل خصمك حتى لا يستقوي عليك بالحكومة.
وفيما نشاهده في تجارب ديمقراطية عريقة، رأينا العمل يجري باستبعاد الخلافات الحزبية في التحالفات الحكومية من أجل حسن تسيير العمل الحكومي، فتنجح حكومات الأحزاب أكثر مما تنجح حكومات الحزب الواحد الأغلبي.
وصارت حكومات الحزب الوحيد نادرة بالنظر إلى ما تفرزه الساحات السياسية من تعدد على الأرض. تعدديتنا معطِّلة ويوسف طري العود.
يوسف الخيزران
إنه ليس طريا، وإن توهمنا لننصفه من فشله. فنحن نريد أن نرى بسمارك في ثوب يوسف ونقول لنا رئيس حكومة قوي وقادر.
إن طراوته تغريه بالانحناءات الكثيرة فقد صار له طموح رئاسي. ولقد صار للجميع في تونس طموح رئاسي. إذ يبدو أن اختفاء وجه الدكتاتور قد أغرى الجميع بالخروج إلى الصيد فالمناصب متاحة وما أسهل أن يقوم المرء من نومه ليجد نفسه وزيرا.
وعين أحدهم نفسه على التربية عبر صفحته في الفايسبوك وشرع يتقبل التهاني، وربما أنفق المسكين مبالغ على تبديل خزانة ملابسه (فربطة العنق أهم من الكفاءة في حكومات تونس) حتى أننا نرجو له التوفيق كي لا يتورط في الشيكات مع محلات الملابس.
ليكون يوسف رئيسا في 2019 يجب أن يرضي البحيرات الثلاث المذكورة أعلاه، ولذلك يتحول إلى عود خيزران.
يقول نعم لحزب النداء ولا يقول لا للنقابة ويقول الله يبارك سيدي الشيخ عندما يذهب إلى مقر النهضة ثم يجد نفسه قد قبل بمتناقضات جبارة فيعيد الحسابات. لو أغضبت طرفا سيصوت ضدي في المستقبل. ويستأنف الجولة.
يقول له ابن الرئيس(حزب النداء) احتاج وزير داخلية يغطي على اللعب في الانتخابات القادمة، ولا بأس بأن لا يضرب النهضة بقوة وتقول النهضة نريد وزيرا لا يساهم في تزوير الانتخابات ضدنا ولا يكون من جماعة بن علي الذي اضطهدنا.
فإذا جاء بوزير من خارجها رفضته النقابات الحاكمة بأمرها في الداخلية. ويبحث يوسف فلا يجد وزيرا فميراث بن علي في الداخلية ثقيل لأجيال حتى أن المغادرين بالتقاعد يتركون خلفهم تابعين يأتمرون بأوامرهم.
يقول له الاتحاد نريد وزيرا للتربية لا يحب السلفيين (والمقصود الخوانجية) ولا يكره العربية لكنه يمكن للفرنسية التي جاءت بجائزة نوبل للنقابة. ويقول له الشيخ نريد وزيرا يعرب المدرسة من جديد ويفسح للتربية الدينية مجالا ويحتار يوسف فالتربية حكومة وحدها ولها نقابات وعلى النقابة جنرال منتصر في معركة إسقاط الوزراء.
ويوسف يحسب لهم حسابا. لو أسقطوا له وزيرا آخر قد يخسر مستقبله الرئاسي. ويستأنف الجولة وتتأخر الحكومة ونسأله يا يوسف أين الحكومة؟ فلا يجيب وإنما يملأ السوشيال ميديا بأخبار كاذبة حتى حين.
هل صرنا شعبا غير قابل للحكم؟
هذا الانطباع يتسع عند فئات واسعة ضاقت صدورها بما يجري ولا تفلح في فرض هيبة الدولة من جديد فلفظ هيبة الدولة نفسه عبث به حزب النداء الذي اتخذه شعارا انتخابيا فلما وصل إلى الحكم (هزقه) على طريقة عادل إمام في الولد سيد الشغال.
فهيبة الدولة أن يكون وزراء الحزب كل الحكومة ولا يهم أن يرتكبوا بعد ذلك أبشع الحماقات في التسيير. إنها غنيمة فكيف يمكن الحديث مرة أخرى عن هيبة الدولة؟
يوسف أصغر من هيبة دولة بل هو علامة تقهقرها فقد ركب إليها مركب السفارات أولا وقبل أن يثبت حكمته (البسماركية المشتهاة) أسرج خيله ليكون رئيسا هو يوسف ولا هيبة غير أنه يمكن(يحق له) أن يكون رئيسا وهذه الحكومة هي تمرين جيد على إرضاء الجميع ورفع الضرائب في الموازنة القادمة فالحمار القصير هو الذي يدفع الضرائب. ونحن لها فقد ركب ظهورنا يوسف ومن وزره ونحن نختصم في دم البرغوث.
أيها البراغيث هل يحق لنا الاعتراض على الحكومة؟ لا يدخل هذا في باب نقض عرى الدولة ونحن ولدنا لنكون في دولة فالدولة ضامنة الرواتب ومصروف البحر وثمن القهوة في مقاهي البحيرة وحي النصر.
نحن موظفون ويقولون عنا الإدارة العميقة نحن في الحقيقة عمق الدولة. فليكن للعمق حق القبول فقد يتمتع لاحقا بحق الاعتراض وحتى تلك اللحظة سنسأل يوسف عن الحكومة ويوسف يتلوّى كعود الخيزران.
كانت الخيزران ملكة منعمة، ونحن تلك الخيزران المائعة وكانت الخيزرانة عصا والعصا الآن عند يوسف يعطيها لضباط بن علي الكامنين للدولة في المفاصل كالروماتزم.
وعندما يستعيدون وزارتهم سيعلن يوسف الحكومة. لقد فاتنا أن نكسر الخيزران ذات شتاء عاصف فليكن يوسف خيزرانتنا بكل المعاني. حكوماتنا تشبهنا تماما ولا تثريب على يوسف.