بدأ
لبنان تطبيق إصلاحات لدعم اقتصاده الهش بعد سنوات سيطرت فيها حالة من الشلل على عملية صنع القرار غير أنه يتعرض لضغوط لتنفيذ المزيد من الإصلاحات للحيلولة دون خروج الدين العام المتزايد عن السيطرة.
ففي الأسبوع الماضي وقع الرئيس ميشال عون، الذي انتخب العام الماضي بعد أن ظل لبنان بلا رئيس 29 شهرا، زيادات أجور القطاع العام وزيادات ضريبية لتغطية كلفتها في إطار سلسلة من الخطوات الحكومية التي دفعت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية إلى رفع تقديرها للنظرة المستقبلية للبنان من سلبي إلى مستقر.
غير أن تقديرات وزارة المالية تشير إلى أن هذه التدابير لن يكون لها أثر يذكر على الموازنة أو عبء الدين الذي يمثل ثالث أعلى مستوى للدين من حيث معدله إلى الناتج المحلي الإجمالي وهو أيضا السبب الرئيسي الذي دفع وكالة موديز لتخفيض تصنيفها الائتماني للبنان.
زيادة الإيرادات
ويطالب الاقتصاديون بإجراء إصلاحات أخرى لزيادة الإيرادات والحيلولة دون ارتفاع الدين بما في ذلك إقرار ميزانية وإصلاح قطاع الكهرباء الذي يحظى بدعم كبير من الدولة وزيادة الضرائب على الوقود وإصلاح عملية تحصيل الضرائب وتحسين مناخ الاستثمار.
وقال وسام الحركة الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي في بيروت: "شغلوا الحكومة وحركوا المؤسسات. الأمل أن يبدأوا بمعالجة القضايا الكبرى بنفس الجدية والفاعلية".
وقبل انتخاب عون في 31 تشرين الأول / أكتوبر من العام الماضي، ظل لبنان قرابة عامين ونصف العام بلا رئيس للدولة وذلك لعجز البرلمان عن الاتفاق على مرشح.
ومنذ ذلك الحين أخذت حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري عدة خطوات لتحسين الاستقرار ودعم الاقتصاد بالموافقة على تشريعات ترمي لتنشيط تطوير صناعة النفط والغاز وإقرار قانون للانتخابات يمهد السبيل لإجراء انتخابات برلمانية العام المقبل.
وقالت موديز: "النظرة المستقبلية المستقرة تعكس العودة إلى حكومة تؤدي وظائفها بالكامل وهو ما سيدعم تطور زخم الإصلاح".
ضعف الإنفاق على البنية التحتية
تأثر النمو الاقتصادي سلبا في السنوات الست الأخيرة بالحرب الدائرة في سوريا والانقسامات السياسية وقال مسؤولون إنه انخفض لأقل من واحد في المائة سنويا من ثمانية في المائة في المتوسط قبل الحرب السورية.
وقد ارتفع الدين اللبناني بشدة منذ بدأت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. وتقول موديز إن معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يبين قدرة البلاد على سداد الدين سيبلغ نحو 140 في المائة في العام 2018.
وقالت موديز يوم السبت لدى تخفيض التصنيف الائتماني إلى B3 من B2: "من غير المرجح أن تؤدي الإصلاحات الأخيرة في الموازنة إلى خفض العجز في 2017 و2018، وسيتطلب الأمر المزيد من التدابير لتغيير المسار التصاعدي للدين".
إيداعات المغتربين
وفي ضوء انخفاض الإيرادات والنمو، يعتمد لبنان على الودائع التي يودعها ملايين المغتربين اللبنانيين في البنوك المحلية. وتشتري البنوك إصدارات الدين الحكومي التي تمول العجز المتنامي في الميزانية والدين.
غير أن الودائع حساسة للمخاطر السياسية ويقول الاقتصاديون إن الحكومة تحتاج لتوليد إيرادات أعلى وزيادة النمو لدفع الاقتصاد للوقوف على أرضية صلبة.
وقال خبير البنك الدولي وسام الحركة إن مدفوعات الفوائد على الدين في العام 2016 التهمت نحو 48 في المائة من إجمالي الإيرادات للبنان ارتفاعا من 38 في المائة عام 2014.
ومع إنفاق مبالغ كبيرة على دعم قطاع الكهرباء العتيق لا يتبقى للبنان إيرادات تذكر لتطوير البنية التحتية المتهالكة لشبكات المياه والاتصالات والطرق وغيرها والتي يمثل تطويرها أمرا ضروريا لتشجيع الصناعة المولدة للضرائب والنمو.
دور مصرف لبنان المركزي
يريد صندوق النقد الدولي أن تعمل الحكومة على رفع الضرائب وبخاصة على الوقود وتعزز الالتزام بتسديد الضرائب بما يقضي على نمو الدين، غير أن مجتمع الأعمال في لبنان يقول إن الزيادات المقترحة ستضعف النمو.
وقال جاربيس إيراديان كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي إن هذه الزيادات قد تسفر عن بعض الضغوط التضخمية في الأجل القصير لكنها ضرورية.
وأضاف أنه مقارنة مع دول مثل تركيا والمغرب والأردن فإن "الضرائب في لبنان منخفضة".
وفي غياب القيادة السياسية أدار مصرف لبنان المركزي السياسة في هدوء فاستخدم حزما تحفيزية وعمليات هندسة مالية مكلفة للحفاظ على استقرار الاحتياطيات الأجنبية واستمرار النمو.
وقد قال رياض سلامة حاكم المصرف إنه سيعمل على تثبيت الاستقرار ما دام الأمر يتطلب ذلك لكي تصبح الحكومة أكثر كفاءة وتقر ميزانية وتعالج العجز الهيكلي.
وتقول مصادر مالية إن الثقة في سلامة عالية لكن الاقتصاديين والمصرفيين قالوا إن البنك المركزي لا يمكنه تحمل العبء إلى ما لا نهاية.
وقال وسام الحركة: "دون تدخل الحكومة بإصلاحات هيكلية فإن السياسة النقدية أو نشاط البنك المركزي وحده لا يمكن أن يحل القضايا الهيكلية في الأجل الطويل".