صعدت إسرائيل في الآونة الأخير من لهجة خطابها ضد إيران، فرئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين عبر عن مخاوف إسرائيل من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة معتبراً أن تمركز المليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا والعراق، وتنامي أعدادها يهدد الأمن القومي الإسرائيلي.
يأتي ذلك في ظل حالة من السخط لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي ما اعتبروه تجاهلا أمريكيا للمخاوف الأمنية الإسرائيلية في تفاهماتها مع روسيا والمتعلقة بمناطق خفض التصعيد في سوريا.
وقد حاولت إسرائيل الضغط على واشنطن من أجل الأخذ بعين الاعتبار مخاوفها الأمنية من التواجد الإيراني طويل الأمد في سوريا إلا أن الفريق الأمني الإسرائيلي رفيع المستوى والذي زار واشنطن مؤخراً لأجل هذا الغرض قد رجع بخفي حنين الأمر الذي استدعى زيارة مستعجلة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا يوم الثلاثاء 23 أغسطس/ أب 2017 وذلك في محاولة منه للبحث مع بوتين ما لم يجده عند الرئيس ترامب تجاه تهدئة المخاوف الإسرائيلية مما تصفه تل أبيب بأنه محاولات إيران تشكيل قواعد لها دائمة في سوريا.
تنبع المخاوف الإسرائيلية -ظاهرياً- من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكن ضمنياً هناك سبب آخر يجعل من هذه المخاوف أمراً لا يمكن التهاون به إسرائيليا يتمثل في التلكؤ الأمريكي حسب وجهة نظر القادة الإسرائيليين في التعامل الجاد مع إيران.
وعند تناول السبب الأول نجد أن إسرائيل تشعر بالقلق من الحقائق التي باتت تتشكل على الأرض مع اقتراب الأزمة السورية من نهايتها، وانحصار تنظيم الدولة واخراجه من المراكز الحضرية التي كان يسيطر عليها؛ حيث بات واضحاً أن إيران دون غيرها هي اللاعب الأوفر حظاً تجاه توسيع رقعة السيطرة والنفوذ الإقليمي.
فإيران ومن خلال دعمها اللامحدود استطاعت تثبيت وكلائها الإقليميين، والسيطرة على مساحة من الأرض تسمح لها بالمرور الآمن من طهران وحتى بيروت مروراً بكل من بغداد ودمشق وهو ما يشكل ربما الخطوة الأولى في تحقيق الحلم الإيراني القديم والمتمثل بالسيطرة على الهلال الخصيب والضفاف الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.
إن إحساس إسرائيل بأن تواجد إيران في سوريا سيكون طويل الأمد يضعها أمام تحد كبير يهدد مكانتها الإقليمية، ويحرمها من حرية التحرك والمناورة في المنطقة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والمتمثلة بشكل أساس بالحفاظ على حالة من التفوق العسكري والاقتصادي الذي يمنحها القدرة على الصمود في المواجهات لأطول مدة ممكنة، ونقل المواجهة إلى عمق العدو وحسم المعركة على أرضه.
إن تواجد إيران بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل سيعمل على تعقيد الخيارات الإسرائيلية الاستراتيجية للتعامل مع إيران خصوصاً إذا ذهبت الأخيرة إلى امتلاك القنبلة النووية.
فتوجيه ضربة إسرائيلية للأراضي الإيرانية –على سبيل المثال- سوف يجعل العمق الإسرائيلي مكشوفاً لآلاف الصواريخ الإيرانية سواء تلك التي سيطلقها حزب الله أو مليشيات شيعية أخرى؛ وهذا يعني فعلياً حرمان إسرائيل من عمقها الإستراتيجي والذي هو بالأساس يعاني من الهشاشة والضعف.
أما السبب الآخر للمخاوف الإسرائيلية فيأتي من تلكؤ الإدارة الأمريكية في التعاطي الجدي والحاسم مع إيران في المنطقة. فقد حاول الإسرائيليون الضغط على واشنطن من أجل تضمين الحد من التواجد الإيراني في سوريا أثناء التفاوض مع الروس على المناطق منخفضة التصعيد إلا أنهم باؤوا بالفشل.
وخلت التفاهمات الأمريكية-الروسية من أي ذكر للتواجد الإيراني أو النفوذ في المنطقة الأمر الذي أصاب إسرائيل بالإحباط. وبالنظر إلى سياسة الرئيس ترامب وتركيبة إدارته والفوضى التي ما زالت تضرب فيها بالرغم من مرور ستة أشهر على توليه منصبه، فإن المخاوف الإسرائيلية تصبح مبررة.
فبالرغم من أن إدارة ترامب هي أقل ما يمكن وصفها بأنها إدارة معادية لإيران - ابتداء من الرئيس ترامب نفسه والذي ما فتئ يهاجم الاتفاق النووي ويتوعد بمراجعته وإعلان إيران أنها غير ملتزمة ببنوده، إلى كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي اعتبر أن التهديد الأول على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ينبع من "إيران ثم إيران ثم إيران"، إلى مستشار الأمن القومي ماك ماستر الذي اتهم إيران بمحاولة إضعاف دول المنطقة وتحويلها إلى دول فاشلة من خلال اتباع "نموذج حزب الله" - إلا إنها (أي الإدارة الأمريكية) لم تتخذ حتى الآن أي إجراءات حقيقية على الأرض من أجل التصدي للنفوذ الإيراني، كما أن أي خطة واضحة بهذا الصدد لم توضع على الطاولة إلى الآن، الأمر الذي يدفع إسرائيل للتوجس من النوايا الأمريكية خصوصاً وأن الثقة بين الطرفين والتي كانت قد أصابتها انتكاسة كبيرة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لم يتم ترميمها إلى الآن.
ففي السابق شعرت إسرائيل بالخيانة عندما ذهب الرئيس أوباما للتفاوض مع إيران والتوصل معها لاتفاق حول برنامجها النووي ضارباً المخاوف الإسرائيلية بعرض الحائط، واليوم تتجد المخاوف الإسرائيلية ولكن على قاعدة معكوسة تتمثل في تلكؤ الرئيس ترامب من التعامل جدياً مع إيران بما يلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية.
ربما تبالغ إسرائيل - وكعادتها في ما يتعلق بالشؤون الأمنية- من التهديد الإيراني. فإيران في الوقت الذي تحاول فيه تثبيت نفوذها في كل من العراق وسوريا لن تجازف بالدخول في مواجهة مباشرة أو عبر وكلائها مع إسرائيل أقلها على المديين القريب والمتوسط.
وإذا كان لا بدَّ من المواجهة بين الطرفين فسوف تكون على الغالب وفق سياسة حافة الهاوية؛ بمعنى المحافظة على مستويات منخفضة من التصعيد عبر توجيه عمليات شديدة الذكاء إلى أهداف معينة وبالتحديد تلك المتعلقة بتهريب الأسلحة المتطورة والصواريخ طويلة المدى إلى حزب الله.
وأخيراً، فإن إسرائيل التي تعي جيداً أنه ليس بمقدورها التعامل مع النفوذ الإيراني بشكل منفرد سوف تستمر في استخدام إيران كشماعة من أجل التقارب مع الدول العربية، ومحاولة بناء منظومة إقليمية الهدف منها احتواء إيران واستنزافها على قاعدة "إن لم تستطع قتل عدوك فأشغله".