أصدر مجلس الوزراء
المصري قرارا يوم الثلاثاء الماضي، باستبعاد 17 جزيرة نيلية، جميعها مأهولة بالسكان، من قائمة المحميات الطبيعية، وهدد باتخاذ إجراءات صارمة ضد قاطني تلك الجزر إذا تصدوا لعمليات هدم المنازل، كما حدث في جزيرة
الوراق، الأسبوع الماضي.
ويقول مراقبون إن هذا القرار كشف نية النظام في إحكام قبضته على تلك الأراضي؛ تمهيدا لبيعها لمستثمرين عرب ومصريين، حيث أكدت تقارير صحفية أن الحكومة تخطط لإقامة مشروعات سياحية وعقارية عليها.
وكانت قوات الأمن المصرية قتلت يوم الأحد الماضي مواطنا، وأصابت عشرات آخرين، عندما تصدى أهالي جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة لمحاولات هدم منازلهم؛ بدعوى أنها مبان مخالفة؛ تمهيدا لتهجيرهم من الجزيرة، وسرعان ما انسحبت الشرطة بعد تصاعد حدة الاشتباكات بينها وبين الأهالي الغاضبين.
استثمار على أشلاء البسطاء
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة لمخطط يعود إلى عام 2013 لمشروع استثماري من المتوقع أن يقام على جزيرة الوراق، التي تملك موقعا مميزا على نهر النيل في القاهرة.
ويخشى سياسيون وحقوقيون أن يتم تهجير آلاف المواطنين البسطاء من الجزر النيلية وإقامة مساكن فخمة للأثرياء بدلا منها، كما حدث في السنوات التي سبقت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، حيث شهدت عدة محاولات من جانب نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك لإخلاء تلك الجزر، من بينها إعلان مجلس الوزراء عام 2007
إخلاء جزيرتي الذهب والقرصاية، وتحويلهما لمنتجعين سياحيين، وحاولت الحكومة تهجيرهم منها، إلا أن السكان رفضوا الرحيل بعدما حصلوا على أحكام قضائية بعدم جواز طردهم من الجزيرتين.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، حاول الجيش فرض سيطرته على جزيرة القرصاية، لكن الأهالي تصدوا له، وتمكنوا من إفشال خطة إخلاء الجزيرة، مستغلين التعاطف الإعلامي الواسع معهم.
قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عاد لإثارة قضية الجزر النيلية، عندما أكد في حزيران /يونيو الماضي أن سكانها استولوا على أراضي الدولة، مطالبا الحكومة بحل هذه المشكلة جذريا؛ عبر تسكين المواطنين الموجودين بها في مساكن بديلة.
رفض شعبي
ويقول مراقبون إن الداخلية انسحبت من الجزيرة؛ خوفا من اتساع نطاق الاحتجاجات وتحولها إلى حالة من الغضب الشعبي إذا انضم لها المواطنون الساخطون على النظام بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
ويتشبث أهالي تلك الجزر بمنازلهم التي يحلمون وثائق رسمية وأحكام قضائية تثبت ملكيتهم لها، مؤكدين عدم صحة ادعاءات الحكومة بأنهم يقيمون بشكل مخالف على أراض مملوكة للدولة.
وفي سياق ذي صلة، كتب الناشط السياسي ممدوح حمزة، عبر "تويتر"، يقول إن ما ترتكبه الحكومة في الوراق ليس استردادا لأرض مغتصبة، بل اغتصابا لأرض بالقوة؛ بغرض التربح والتجارة".
بينما قال عضو مجلس النواب هيثم الحريري، في بيان له الأربعاء، إن "الدستور يجرم التهجير القسري، ويسمح بنزع الملكية للمنفعة العامة فقط، مشددا على أن أراضي الجزيرة ملك الأهالي، وهناك عشرات الأحكام القضائية التي تثبت ذلك".
أجواء 2010
من جانبها، قالت المحامية الحقوقية دعاء عباس إن أهالي الوراق والجزر النيلية الأخرى، كالقرصاية والذهب، يملكون عقودا ملكية رسمية تؤكد أن الجزر ملك لأهلها منذ عشرات السنين، وتكذب الرواية الرسمية التي تروجها الحكومة بأن هذه الجزر ضمن أملاك الدولة.
وأكدت عباس، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن النظام يفرط في أراضي الدولة، ويتنازل عنها للمستثمرين العرب والأجانب؛ من أجل حفنة دولارات، كما فعل في تيران وصنافير، مشيرة إلى أن هناك موجات غضب شعبية تتزايد كل يوم بسبب سياسات النظام وارتفاع الأسعار، ومحاولة إخلاء الجزر النيلية، وتهجير أهلها.
وانتقدت اعتقال قوات الأمن للعشرات من أهالي الجزيرة، الذين كانوا يدافعون عن بيوتهم، متوقعة أن تستمر موجات الغضب خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أن مصر تعيش الآن أوقاتا مشابهة بأجواء أواخر عام 2010، قبل أن تندلع أحداث ثورة كانون الثاني/ يناير؛ بسبب الأوضاع المشحونة.
غضب مكتوم
لكن أستاذ العلوم السياسية محمود السعيد استبعد أن يتسبب إخلاء الجزر النيلية في إحداث تحركات شعبية معارضة للنظام في الفترة القليلة المقبلة، موضحا أن هناك حالة من اليأس والخوف تسيطر على قطاع عريض من الشعب المصري، الذي يرفض النظام وقراراته، لكن هذا الرفض لا يتعدى، حتى الآن، حالة الغضب المكتوم المشوب بالإحباط.
وأضاف السعيد، لـ "
عربي21"، أن أزمة جزيرة الوراق وغيرها من الجزر النيلية الأخرى تشكل خطرا على النظام؛ لأنه متحالف مع طبقة من الفاسدين وأصحاب المصالح، لافتا إلى أن هذه الجزر يطمع فيها كبار
رجال الأعمال الذين يريدون إقامة مشروعات ضخمة هناك.
وأشار إلى أن النظام يمتلك آلة إعلامية قوية تشوه كل من يعارضه، كما حدث في أزمة جزيرة الوراق، حينما قال الإعلام إن قتيل الوراق هو بلطجي، وإن الإخوان يسيطرون على الجزيرة، وهم الذين يحركون التظاهرات ضد النظام؛ بغرض إحداث فوضى في البلاد.