حصل مواطن أمريكي على تعويض نادر بمبلغ 10 ملايين دولار، بعد أن أثبتت برقيات لوزارة الخارجية الأمريكية صحة ادعائه بأن أعضاء كبار في الأسرة الحاكمة بالإمارات قاموا باحتجازه وتعذيبه.
وبحسب ما نشر موقع "ذا إنترسبت" وترجمته "
عربي21"، تم إنجاز التسوية ودفع التعويض بشكل سري في 2013، وذلك بحسب الوثائق المسربة من الحساب البريدي المخترق لسفير
الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية، يوسف العتيبة.
ومن النادر تعويض ضحايا التعذيب، ما يجعل قضية المواطن خالد حسن المقيم في لوس أنجلوس الأمريكية قضية مثيرة للدهشة.
ورفعت قضية حسن في المحكمة الفدرالية في لوس أنجلوس ضد ثلاثة من كبار العائلة الحاكمة في الإمارات، ولي عهد أبو ظبي،
محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، واللواء المتقاعد سعيد هلال الدرمكي.
وواجهت القضية عدة عقبات جيوسياسية، أولها أن القضية تعود إلى العام 1984 عندما كان يعمل حسن استشاريا عند أحد أعضاء الأسرة المالكة، بخصوص تعاقدات شراء السلاح، وكما هي العادة فإن صفقات السلاح تجر بعض المشاكل والعنف، الأمر الذي حدث لحسن والمتهمين بتعذيبه.
وأشار حسن إلى أن محمد بن زايد أشرف شخصيا على تعذيبه في بعض الأحيان.
وادعى حسن في القضية بأنه كان محتجزا في زنزانة لا تتجاوز مساحتها 10 أقدام، وأنه كان يتعرض للضرب معصوب العينين، وكان يقطع عنه التكييف لأيام متواصلة في أجواء شديدة الحرارة في الصيف، وكان يعلق مربوط القدمين واليدين لساعات طويلة، وكان يتم إعطاؤه سوائل كريهة كانت تتسب له بألم شديد ونوبات هلوسة.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت تبذل جهدا كبيرا لتحديد مكان حسن وزيارته، كما تشير البرقيات الصادرة عن الوزارة.
ورفعت الدعوى في عام 2009 بعد أسابيع قليلة على تولي إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مهام، في حين حذر القاضي بأن الدعوى قد ترفض لأن المدعى عليهم كانوا في الإمارات العربية المتحدة، لذا استغل المحامون وجود سفير الإمارات في الأراضي الأمريكية، فقبل القاضي الدعوى.
ولتلافي نكران حكومة الإمارات التهم، استشهد محامو حسن ببرقيات وزارة الخارجية الأمريكية التي نشرت في 2006 وتظهر فيها محاولات السفارة الأمريكية تحديد مكان حسن وتأمين الإفراج عنه، وورد في إحدى البرقيات التي تعود إلى 1984 أن: "أحد الأذرع الأمنية الخاصة قال إن حسن محتجز في أبو ظبي تحت إشراف حكومي عالي المستوى".
أحد محاميات الجانب الإماراتي في الولايات المتحدة الأمريكية، قالت للسفير العتيبة في رسالة إلكترونية عام 2010 أن حسن قدم تسع برقيات لوزارة الخارجية في الفترة بين 1984 – 1985 وصفتها بأنه "قبيحة".
وبعد إنكار مبدئي اعترفت حكومة الإمارات العربية المتحدة أن حسن كان محتجزا لدى جهاز خاص بأمن الدولة، تحت إشراف حكومي عالي المستوى.
وأوضحت المحامية هامليتون لوب للعتيبة بأن البرقيات تجعل الإنكار الإماراتي دون فائدة، وأنه يجب التعامل مع الأمر بجدية في ظل البرقيات التي أعطت مصداقية للادعاءات.
ورغم أن الجرائم من هذا النوع تنتهي بسرعة إذا ما مر عليها 10 أعوام طبقا للقوانين الأمريكية، إلا أن حسن أصر على متابعة القضية متذرعا بأن السلطة التي مارسها المسؤولون عن تعذيبه، جعلته ينتظر كثيرا قبل أن يمضي قدما بالدعوى.
وعادة ما يتم استنفاذ كل السبل القانونية في البلد الذي يقيم فيه المتهمون قبل رفع قضية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن حسن قال للمحاكم إن القضاء في الإمارات غير مستقل وإن من يقاضيهم هم من يتحكمون في مقاليده.
وعمل العتيبة مع وزارة الخارجية الأمريكية من خلف الكواليس لأجل حماية أفراد الأسرة الحاكمة، ونحج بإزالة اسم رئيس الدولة من القضية لأسباب دبلوماسية، فيما رفضت الخارجية تنحية محمد بن زايد والدرمكي عن القضية.
وفي عام 2011 شكر وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون ووزارة العدل الأمريكية على منح الحصانة لرئيس الدولة، وللتعبير عن جدية الإمارات في التعاطي مع القضية، طلب ابن زايد إضافتها إلى جدول أعمال الوزيرة في زيارتها للخليج.
وعقد العتيبة عدة لقاءات بعد القضية مع فريق قانوني أمريكي بحسب ما جاء في المراسلات، وحاول إسقاط القضية بدعوى الحصانة على غرار ما فعلت إسرائيل في قضية "آفي ديختر" رئيس الشاباك الإسرائيلي، ووزير الأمن الداخلي وعضو الكنيست.
ولم تنجح المحاولات الإماراتية وبقي محمد بن زايد جزءا من القضية، وبعد تولي جون كيري منصب وزير الخارجية، حاول ابن زايد مجددا مع الوزير الجديد، وأرسل كيري في 2013 رساله قال له فيها: "كان من دواعي سروري أن أراك في أبو ظبي، وأشكرك على رسالتك بشأن قضية حسن ضد الشيخ خليفة آل نهيان وآخرين".
والتقى بعد ذلك محامون من مكتب المستشار القانوني بوزارة الداخلية مع مكتب المحاماة الذي يدافع عن الإمارات، وناقشوا معه أن تقدم الولايات المتحدة طلب حصانة نيابة عن محمد بن زايد.
ويقول المقربون من كيري بأنه كان يستمتع دائما بوقته في الخليج إلى جانب زجاجات النبيذ والقادة هناك، لكن زجاجات النبيذ لم تكن كافية لشراء موقف كيري بخصوص قضية ابن زايد، واتجهت الأمور إلى التسوية مع حسن.
وبحلول أيار/ مايو 2013 تم توقيع صفقة لتعويض حسن بمبلغ 10 ملايين دولار، مقابل إقفال القضية وعدم إثارتها في الصحافة.
وردا على طلب تصريحات صحفية، قال أحد ممثلي السفير الإماراتي في أمريكا إن السفارة لن تعلق على قضية رسائل البريد الإلكتروني، كما امتنع مكتب المحاماة الذي يمثل حسن عن التعليق على القضية.
وفي العام نفسه الذي تلقى فيه حسن قرار التعويض الإماراتي، سجنت الحكومة الإماراتية المواطن الأمريكي، شيزان قاسم، بسبب مقطع فيديو ساخر عن الشباب في الإمارات، ليبدأ العتيبة بتقلي البرقيات والرسائل الإلكترونية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أصبحت قضية المواطن الأمريكية قضية رأي عام.
ووصلت رسالة من السيناتور آمي كلوبوتشر إلى العتيبة نصها: "ما زلت أشعر بالصدمة لأنه ما يزال في الشحن، أعتقد أن بلادك وصلت إلى مكانة في الساحة العالمية حيث لم تعد هذه الأمور مقبولة كما في الماضي".
وقال العتيبة إنه سيضغط على محمد بن زايد من أجل الإفراج عنه، وتم بالفعل الإفراج عنه في الشهر التالي.