في أول خطاب له منذ توليه منصبه، استعرض رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل
هنية، أوليات حركته خلال المرحلة القادمة ورؤيتها لمجمل القضايا التي تخص الشأن
الفلسطيني.
الأسرى والمقاومة والاحتلال
وقال في مؤتمر صحفي عقده عصر اليوم في فندق "المشتل" بمدينة غزة وتابعته "
عربي21"، " سنبقى أمناء على ثوابت شعبنا وتحرير الأرض والأسرى والقدس وتحقيق العودة"، مشددا على أن التصعيد الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين "يجب أن يتوقف".
وأكد هنية في خطابه، أن "ظلم السجان الإسرائيلي لن يطول، وتحرير الأسرى بات أقرب من أي وقت مضى"، مشيدا بجميع فصائل المقاومة الفلسطينية، وبالشهيد التونسي محمد الزواري (طيار حماس)، وبالشهيد مازن فقهاء.
ورأى هنية، أن "الصراعات الداخلية بين القوى الإقليمية والمحلية والتكالب الدولي، تهدف لإضعاف الأمة وتركعيها وفرض خيارات القوى المعادية عليها، وتعزيز قوة العدو الصهيوني وضمان أمنه وتفوقه وبقائه".
ونوه إلى أنه مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم، "بدأت بشكل متسارع التحركات والمحاولات لجني ثمار الأوضاع الراهنة وابتزاز القوى العربية والإسلامية المنهكة من أجل تصفية القضية الفلسطينية وفرض ما يسمى المصالحة التاريخية أو "صفقة القرن" والضغط بقوة لتوفير الغطاء الفلسطيني والعربي والإسلامي لها".
وحول الوضع الفلسطيني الداخلي، قال: "لا بد لنا كشعب فلسطيني أن نملك زمام المبادرة ونرتب أوضاعنا ونحصن بيتنا ونؤمِّن جبهتنا ونحمي حقوقنا وأن نكون موحدين في توجيه رسالة واضحة للعالم أجمع؛ أن أية حلول أو تسويات تتعارض مع حق شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس، لن يكتب لها النجاح وسنقف سدا منيعا في وجهها، مهما كلفنا ذلك من ثمن".
ورفض هنية بشدة ربط المقاومة المشروعة التي يخوضها الشعب الفلسطيني بالإرهاب وقال: "المقاومة ليست إرهاب، بل هي تحارب الإرهاب الصهيوني"، مؤكدا أن "المقاومة مصدر فخر واعتزاز لشعبنا وأمتنا ولكل أحرار العالم".
وأشار إلى الوثيقة السياسية التي أصدرتها مؤخرا، "حماس" وقال :"تمثل الوثيقة موقفنا الموحد من مجمل القضايا التي تواجهها"، مضيفا: "هذه الوثيقة التي قدمناها لشعبنا تعكس حيوية الحركة، وأننا نريد أن نعمل مع الجميع في السياسية والمقاومة".
ورأى أن أخطر ما تعاني منه السياسة الرسمية الفلسطينية، هو "التجاوب مع الإملاءات الأمريكية المتكررة والهادفة إلى ضرب كل المقدسات الوطنية، والعبث بمورثنا الوطني، وذلك مع تبني إدارة ترامب الرؤية الصهيونية كاملة"، منددا بما قامت به السلطة بوقف رواتب بعض الأسرى وعوائل الشهداء.
وبخصوص المصالحة الفلسطينية، أعرب عن استعداده "لبناء شراكة وطنية تجمع كل القوى والفصائل الفلسطينية"، داعيا الكل الفلسطيني "للبدء في تطبيق جميع الاتفاقيات التي وقعت في القاهرة والدوحة والشاطئ وبيروت، مع احترام ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني".
ونوه إلى اعتزاز حركته بمستوى وعمق العلاقة والتنسيق في كل المجالات مع حركة الجهاد الإسلامي، وأشاد بارتياح حركته لتطوير علاقتها مع الجبهة الشعبية، ومع جميع قوى وأذرع المقاومة الفلسطينية.
القدس والأقصى واللاجئين
واعتبر قائد "حماس"، أن قضية اللاجئين الفلسطينيين، هي "جوهر القضية الفلسطينية، لن تتحول إلى قضية منسية في تيه الغربة"، مؤكدا أنها "قضية سياسية بامتياز، وحق العودة حق مقدس لا يسقط بالتقادم ولا تملك أي جهة في العالم شطبه".
وتعهد بالعمل من كافة أطياف الشعب الفلسطيني من أجل "إحباط كل محاولات التوطين وما يسمى بحل الوطن البديل"، مشددا على أنه "لا بديل عن فلسطين إلا فلسطين".
ودعا هنية الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين "إلى توفير شروط العيش الكريم لهم في المخيمات"، مطالبا "بوضع استراتيجية عربية فلسطينية لحماية حق العودة ومواجهة مشاريع التوطين".
وتابع: "على الأمم المتحدة القيام بواجباتها تجاه اللاجئين في أماكن تواجدهم كافة باعتبارها الجهة الدولية المكلفة بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم الأصلية في فلسطين المحتلة"، مشيدا بدور فلسطينيي الخارج في خدمة القضية الفلسطينية.
وتعهد بمواصلة "العمل ووضع الخطط لطي صفحة تهميش فلسطينيي الخارج لأنهم ذخر استراتيجي، لديهم دور رائد في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي القرار السياسي الفلسطيني وفي المساهمة في مشروع التحرير بحسب ظروفهم".
كما لفت إلى أن "حماس" ومعها جميع قوى شعبنا الوطنية والإسلامية، "تعمل على حماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتحييده عن الصراعات الطائفية والإقليمية والمحلية وتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية مع متابعة الوضع الفلسطيني في لبنان بكل جوانبه السياسية والإنسانية والاجتماعية".
ونبه هنية، إلى أن قضية القدس المحتلة، تقع في "بؤرة اهتمام حماس وهي مركز الصراع"، موضحا أن حركته "ستعمل من أجل حماية عروبة القدس وإسلاميتها ومقاومة كل محاولات التهويد، كما سنعمل على تعزيز صمود أبنائها وإبقائها رمزا لكفاح شعبنا وجهاد أمتنا والحفاظ عليها أيقونة للنضال ووجهة للمقاومة".
وأشار إلى أن كل محاولات الاحتلال الرامية لفرض أمر واقع في المسجد الأقصى عبر مخططات التهويد والتقسيم والاقتحامات المتواصلة والسماح لأعضاء الكنيست بدخول الأقصى لن تفلح في أهدافها، ولن يكون للاحتلال موطئ قدم في الأقصى"، رافضا بشدة "نسبة حائط البراق للصهاينة المحتلين، لأنه جزء أصيل من المسجد الأقصى ولا يمكن التنازل عنه بحال من الأحوال".
الضفة وغزة والمقاومة
وقال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، أن "معضلتنا الوطنية في الضفة تكمن في التنسيق والتعاون الأمني، الذي يجب أن يتم وقفه فورا"، منوها إلى أن "الضفة ستبقى مركزا للصراع وعنوانا للانتفاضة والمقاومة بكل أشكالها ولن يوقفها أحد".
وأكد أن "حماس" "ستعمل على مواجهة كل ما تتعرض له الضفة من سياسات التنكيل والتغييب، عبر خطين متلازمين، الأول؛ دعم صمود أهلنا وشعبنا في مواجهة مخططات العدو، والثاني؛ دعم المقاومة التي تجبر العدو على دفع ثمن احتلاله".
كما عبر هنية عن مساندة نواب المجلس التشريعي الأسرى في سجون الاحتلال، وذكر النائب خالدة جرار، القيادية في الجبهة الشعبية التي اعتقلت مؤخرا لأنها "تدفع ثمن مواقفها الحرة والجرأة الوطنية ورفضها للتنسيق الأمني"، مؤكدا دعم حركته لصمود الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني عام 1948، "وتبني مطالبهم وحماية حقوقهم ومكتسباتهم وترسيخ انتمائهم لشعبهم وأمتهم".
وحول قطاع غزة وما يحاك بحق، قال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"؛ "غزة الصامدة بدل أن يكافأ أهله، تتخذ ضدهم إجراءات تصعيدية وتقطع عنهم الرواتب والدواء والغذاء وتمنع عنهم التحويلات الطبية التي بسببها أزهقت أرواح أطفال أبرياء".
وفي ظل هذا الوضع، شدد هنية على أن غزة "ستبقى عصية على كل المؤامرات وعزيزة بمقاومتها، لا تهدأ أو تذل لها راية حتى النصر"، مضيفا: "لقد آن الأوان لإنهاء الحصار عن غزة، وليس تشديده، وإننا إذ نحمل الاحتلال الصهيوني المسؤولية المباشرة والرئيسة عن حصار غزة إلاّ أننا نقول بأن القرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطة قد أساءت للنسيج الوطني الفلسطيني، وعلى السلطة تغيير سياستها تجاه القطاع".
وطالب السلطة بالتراجع عن إجراءاتها بحق غزة ووعد بوقف عمل اللجنة الإدارية في حال قامت الحكومة بواجباتها تجاه القطاع.
وبالتوازي مع إجراءات السلطة، أوضح هنية أنه "أصبح لزاما على قيادة حماس أن تتحرك لإنقاذ غزة وتوفير مقومات الحياة الكريمة لأهلنا؛ من الكهرباء والدواء والسفر والتنقل والعلاج"، لافتا أن "زيارات وفود الحركة لمصر ما هي إلاّ تأكيد على هذا المسعى، وقد وجدت الحركة من المسؤولين المصريين كل الاستعداد للعمل من أجل معالجة أزمات غزة".
وبين أن جرى من المباحثات والتفاهمات، قد "أسفرت عن جملة من النتائج التي سيكون لها أثرها في تخفيف أعباء الحصار والممارسات غير الإنسانية ضد شعبنا في قطاع غزة"، مشيدا بدور "مصر التاريخي والذي يعبر عن الأصالة والمروءة، وقال هنية: "لقد فتحنا صفحة جديدة مع مصر وهناك نقلة ممتازة ولن نسمح بالإضرار بالأمن المصري".
وتابع: "نحن لا نمانع عمل الحكومة في القطاع ونرحب بدور مصر في ملف المصالحة الفلسطينية"، مبينا أن لقاءات القاهرة "تمثل توطئة للمصالحة الوطنية الشاملة".
علاقات عربية ودولية
وأما بخصوص الدور القطري في غزة، أكد هنية أن لقطر دور مهم في "إحداث نقلة نوعية في حياة الناس في غزة، فقد كان لقطر مواقف أصيلة وكانت نعم العون في سنوات الحصار"، موجها التحية لدولة قطر وأميرها؛ الأب والأبن، ولتركيا على ما تقدمه من دعم "لأهلنا وشعبنا ومقاومتنا الباسلة، وكان لهم بصمات واضحة سياسيا وماليا وإنسانيا ووقفت بكل أصالة مع معاناتنا وقدمت العديد من المشاريع والمساعدات".
وأطلق قائد "حماس"، مبادرة سياسة جديدة "تضمن صياغة برنامج سياسي واضح وموحد يستند إلى القواسم المشتركة ويرتكز على أهداف شعبنا وحقوقه وتطلعاته"، داعيا لـ"تشكيل حكومة وحدة وطنية فورا؛ تفي بكل التزاماتها تجاه شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع".
وشملت المبادرة على العمل الفوري، من أجل التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابا المجلس الوطني على قاعدة الانتخابات الحرة والنزيهة وبمشاركة كل الأطراف وشرائح شعبنا، مطالبا "بوقف التعاون والتنسيق الأمني مع العدو مهما كانت النتائج".
وكشف هنية، سعي حركته المستمر لتمتين علاقاتها بالدول العربية والإسلامية على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول واحترام خصوصية الأوضاع في كل دولة، موضحا أن سياسية "حماس"، تقوم على "الانفتاح على كل الدول العربية والإسلامية على أساس متين".
وقال: "سنعزز في المرحلة القادمة هذه العلاقات، وسنبني استراتيجية الانفتاح والعمل مع الجميع دون استثناء من أجل دعم قضيتنا الوطنية ومقاومتنا وجهادنا ضد العدو والحفاظ على قدسنا".
وخاطب الدول العربية بقوله: "نقول لكل أشقائنا في الدول العربية اطمئنوا إلى حماس فلن يأتيكم منها إلا الخير"، منوها أن "حماس متمسكة بإستراتيجية ثابته لديها بحصر معركتها على أرض فلسطين المحتلة".
ونبه رئيس المكتب السياسي، أن حركة "حماس"، تسعى "بخطى ثابته نحو صياغة علاقة واضحة مع مختلف مكونات المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بالقضية الفلسطينية وأحرار العالم"، مطالبا الجميع بالتعامل مع حركته "على أساس الحقوق الفلسطينية وعدم التجاوب مع الدعاية السوداء والابتزاز الصهيوني".
وحذر من المشروع الصهيوني الرامي "لتصفية القضية تحت ما يسمى بالسلام الإقليمي أو السلام الاقتصادي"، مؤكدا أن حركته ومعها الشعب الفلسطيني "لن تسمح بتمرير أي مشاريع يتجاهل مصالح وحقوق شعبنا الثابتة".
وحول خطط عزل حركة "حماس"، ثمن هنية دور كل الدول التي رفضت التجاوب مع التوصيف الأمريكي الظالم للحركة والمنحاز للعدو الصهيوني".