نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقالا للكاتب هيو مايلز، مؤلف كتاب "
الجزيرة: كيف تحدت قناة عربية العالم"، معلقا فيه على مطالب التحالف السعودي
الإماراتي إغلاق القناة، كجزء من مطالب، قال إن على دولة
قطر تلبيتها قبل يوم غد.
ويقول مايلز: "في يوم الاثنين قد تنتهي وبشكل مفاجئ تجربة مثيرة للجدل في الإعلام والسياسة الشرق أوسطية، حيث أن (الجزيرة)، التي تعد عصبا سياسيا مهما للإعلام العربي الحر، وقامت باختراق هيمنة شبكات الإعلام الغربية، وقلبت تدفق المعلومات من الشرق إلى الغرب، ولأول مرة منذ العصور الوسطى، تواجه إغلاق أبوابها وللأبد".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى قائمة المطالب التي تقدمت بها
السعودية، في 23 حزيران/ يونيو، مدعومة من الإمارات والبحرين ومصر، التي وضعت قطر تحت حصار اقتصادي ودبلوماسي غير مسبوق، وتبعه حصار قاس وتهديد باتخاذ تحركات أخرى لو لم تلب الدولة الصغيرة مطالبها الـ13، ومنها إغلاق قناة "الجزيرة".
ويقول مايلز: "لو أذعنت قطر، ولا توجد إشارات إلى أنها ستفعل ذلك، فإنها ستفقد سيادتها، وتصبح دويلة تابعة للسعودية والإمارات، إلا أن تحدي المطالب قد يؤدي إلى تغيير النظام في الدوحة، أو حتى للحرب".
ويعلق الكاتب قائلا: "مهما حدث، فإن هذا رصيد لـ(الجزيرة)، التي لا تزال، ومنذ انطلاقها قبل 21 عاما، معرقلة ومتحدية لمن هم في السلطة، وهناك قلة من الوسائل الإعلامية تدعي بأن لديها هذا التأثير، إلا أن (الجزيرة) ليست كغيرها من وسائل الإعلام، فهي ظاهرة استثنائية قامت منذ إطلاقها عام 1996، بإحداث ثورة في الإعلام العربي، وأدت في عام 2010 دورا كبيرا بإحداث ثورات سياسية حقيقية في معظم أنحاء العالم العربي".
ويضيف مايلز: "قبل بدء (الجزيرة) بث برامجها كانت الأخبار التلفازية العربية مليئة بالهراء، حيث ركزت الأخبار بشكل رئيسي على ما كان يفعله الشيخ او الأمير في ذلك اليوم، بالإضافة إلى أخبار عن ولي عهده وتقارير مبالغ فيها عن حظ هذه الدول في أن تكون لديها شخصيات بطولية تقودها، وقامت (الجزيرة) برمي هذا كله بعيدا، وفتحت المجال للأصوات التي كانت ممنوعة كلها، وأسمعت صوتها، من الإسرائيليين إلى معمر القذافي إلى الثوار الشيشان وحركة طالبان وأسامة بن لادن".
ويتابع الكاتب قائلا: "في أيامها المجيدة، كانت المدن العربية يسودها الهدوء عندما يبدأ بث برنامج الدكتور فيصل القاسم (الاتجاه المعاكس)، ومن بين قائمة (الخبطات) الإعلامية الطويلة التي غطتها القناة كانت عاصفة ثعلب الصحراء في العراق عام 1998، ومقابلات في مرحلة ما بعد 11/ 9 مع أسامة بن لادن، وغزو أفغانستان، حيث كانت (الجزيرة) القناة الإعلامية الوحيدة الموجودة في البلد، وتحولت خلال أسابيع قليلة لوكالة الأنباء للعالم كله".
ويلفت مايلز إلى أن "قناة (الجزيرة) كانت أول قناة عربية تقدم للإعلام العربي الصحافة الاستقصائية، وكانت القناة الوحيدة التي استضافت الضيوف الذين كانوا ممنوعين سابقا كلهم، وشاركوا في حواراتها، وتناولت موضوعات جدلية، من العمليات الانتحارية إلى وجود الله، ودمر الوضع (الأيقوني) للقناة التابوهات الدينية والسياسية والاجتماعية كلها، وقدمت معايير جديدة للتقارير الإخبارية في المنطقة، وقدمت (للمشاهد العربي) موضوعات، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودفعت بقوة الحدود المسموح بها لحرية التعبير".
ويؤكد الكاتب أن القناة "أقلقت وبعمق الحكومات في المنطقة، خاصة أن لا أحد فيها، باستثناء تونس ما بعد الثورة، يتمتع بتفويض شعبي ديمقراطي، وتخشى من أي شيء يضعف سيطرتها على السلطة، وأدى هذا إلى سلسلة من الأزمات الدبلوماسية الطويلة بين قطر وكل دول العالم العربي، باستثناء عُمان، بالإضافة إلى العديد من الدول غير العربية، واستخدم أعداء القناة الكثر كل ما توفر لديهم من حيل لإغلاقها: من اعتقال صحافييها، إلى قفل مكاتبها، أو ترحيل عائلات الموظفين العاملين معها، وملاحقة المعلنين الراغبين بالإعلان من خلالها، وتقديم دعاوى قضائية تافهة، وفي حالة الولايات المتحدة قصف مكاتبها مرتين، وقتل موظفين فيها".
وينوه مايلز إلى أنه "بعد سنوات من الفشل في إحداث تأثير وتحقيق الغرض، اكتشفت الحكومات العربية أخيرا أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع (الجزيرة) هي هزيمتها في الساحة الإعلامية، ففي عام 2003 بدأت السعودية قناة (العربية)، المنافسة لـ(الجزيرة)، ونظرا لعدم وجود بيانات موثوقة، فإنه لا يمكننا معرفة أي من القناتين الأكثر مشاهدة اليوم، ورغم منعها من مصر، وهي الدولة الأكثر سكانا، فإن (الجزيرة) هي الأكثر شعبية، مع أن (العربية) تجادل في هذا الرأي".
ويقول الكاتب: "من المهم أن (الجزيرة) ليست الرابطة الوحيدة بين قطر وجيرانها، فقطر والسعودية ربما كانتا الدولتين الوهابيتين الوحيدتين، إلا أن هناك الكثير من الفروق الأيديولوجية والتاريخية بينهما، كما هو واضح من قائمة المطالب الـ13، وتم وضع (الجزيرة) على القائمة؛ لأنها رمز قوي لقطر، وهي المظهر الواضح لصناعة القرار القطري، لكن هناك سببا عميقا يجب على الغربيين ليفهموه أن يعدوا (الجزيرة) قناة ذات وجهين، عربي وإنجليزي، والوجه العربي هو الذي يخلق المشكلات كلها مع جيران قطر".
ويضيف مايلز أن "وجه (الجزيرة) الإنجليزي هو الذي يعرفه الغربيون وألفوا التعامل معه، فالقناة الإنجليزية وموقعها على الإنترنت لديها أخبار عالية الجودة، ووثائقيات تركز على العالم النامي، وعند مقارنتها مع قنوات إخبارية دولية مثل (بي بي سي وورلد) و(سي أن أن) و(فرانس 24)، فإن معظم المراقبين يتفقون بأن (الجزيرة) الإنجليزية تحصل على درجات أعلى".
ويجد الكاتب أن "الفشل الأكبر لـ(الجزيرة) الإنجليزية هو فشلها في اختراق السوق الأمريكية، لكن (بي بي سي) تكافح هناك، وهذا نابع من مستوى متابعة المشاهد الأمريكي العادي للأخبار، ولا علاقة له بما تقدمه القناة، وفي بريطانيا، التي لديها مشاهد تهمه قيمة الأخبار وجودتها، فإن (الجزيرة) تتمتع بمتابعة مهمة، وهي بديل جيد لـ(بي بي سي) و(سكاي نيوز) و(تشانال فور)".
ويرى مايلز أنه "بعيدا عن كون (الجزيرة) العربية قناة إخبارية على مدار الساعة، فإنها هي كيان مختلف من ناحية اللغة والمحتوى والإطار المرجعي بالنسبة للإنجليزية، وهذا أمر لا يثير الدهشة؛ كونهما توجهان برامجهما لمشاهد مختلف".
ويعتقد الكاتب أن "ما يجعل الجوار القطري منزعجا من (الجزيرة) العربية له علاقة بنجاحها في بناء وعي سياسي بين العرب، وتناولها قضايا مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وما يجدونه غير مريح تحديدا هو الموقف الدعائي الذي تشترك معه القيادة القطرية، وهو أن الجماعات الإسلامية، بمن فيها حركة
حماس والإخوان المسلمون، ستصل إلى السلطة عاجلا أم آجلا، إما عبر الثورة، أو من خلال الانتخابات الديمقراطية".
ويبين مايلز أن "هذا الموقف يثير مخاوف إسرائيل، أيضا بالإضافة إلى الكثيرين في الغرب؛ ولهذا كان تركيز جيران قطر على هذه النقطة، لكنهم تجنبوا وضع حركة حماس في القائمة؛ نظرا لشعبيتها في العالم العربي".
ويذهب الكاتب إلى أن "المناسبات القليلة التي عقدت فيها انتخابات حرة ونزيهة، وأدت إلى فوز الأحزاب الإسلامية، تجعل من افتراض قطر واقعيا فيما تراه الدول الجارة هرطقة".
ويحذر مايلز من أن "الدول التي تعاقب قطر -محور الثورة المضادة في المنطقة- ليست محصنة من الإطاحة بها عبر ثورات شعبية تحل محلها الأحزاب الإسلامية، ولهذا فإنه عند رؤية هذه الجماعات ممثلة بصفتها معارضة شرعية على قناة (الجزيرة)، وسمح لها بالتعبير عن مواقفها، تمثل تهديدا وجوديا".
ويقول الكاتب إن "الثورة المضادة تنفق موارد كبيرة لقمع وشيطنة وتشويه الكثير من الأفراد والجماعات، باعتبارها (إرهابية) ممن تسمح لهم (الجزيرة) بالتعبير عن أصواتهم، والمشكلة بالنسبة لهؤلاء هي أن قطر تقف على الجانب الصحيح من التاريخ".
ويفيد مايلز بأنه "بشكل عام، فإن العرب يشعرون بالاشمئزاز من قادتهم الفاسدين العاجزين غير المنتخبين، وهم جاهزون للبديل، طالما لا يشبه الماضي، ويجد الكثير من العرب السنة والليبراليين والإسلاميين خطاب (الجزيرة) الديمقراطي والإسلامي، ورؤيتها المتفائلة للمستقبل، ملهما أكثر من رؤية حكوماتهم التي يكرهونها".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "قطر بالطبع هي بلد أوتوقراطي، ولأنها بلد صغير وثري فإن القواعد العامة لا تنطبق عليها، ولهذا السبب لم تظهر أي إشارات للاستجابة للمطالب المفروضة عليها، رغم اقتراب نهاية الموعد يوم الاثنين".