أثار
الحصار الذي فرضته ثلاث دول خليجية، بقيادة
السعودية، على
قطر، أسئلة عن مستقبل ما كان يعرف بـ"المحور السني".
فحصار قطر يثير الحديث عن إمكانية أن يؤدي إلى تقارب قطري تركي إيراني، يعيد تشكيل تحالفات المنطقة على أسس جديدة.
وهم المحاور
وفي هذا السياق، يرى عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، أن "الاصطفاف السني الشيعي وهم كبير"، معتبرا أنه "كان يحمل مؤشرات الانهيار منذ البداية؛ لأن الشعوب لم تكن مقتنعة بهذا التصنيف، ومن أنشأه كانت الولايات المتحدة والسعودية اللتان بذلتا جهودا كبيرة في خلق هذا الاصطفاف"، بحسب قاسم.
وأضاف قاسم في حديث لـ"
عربي21" أن "الجماعات المتطرفة التي تمارس القتل والتفجير كانت تستهدف أهل
السنة أنفسهم". وعبر عن اعتقاده بأن حصار قطر يساهم في "انهيار الاصطفاف المذهبي، ويمنح الأمل بعودة تعامل المسلمين مع بعضهم دون تصنيفات مذهبية".
وعن شكل التحالفات البديلة في المنطقة، استبعد قاسم أن تجتمع إيران مع قطر وتركيا في تحالف واحد، وعزا ذلك إلى أن "تجربة إيران مع قطر لم تكن إيجابية، أما تركيا فإنها تتطلع إلى قيادة العالم الإسلامي وتحمل مشروعا منافسا لإيران رغم العبارات الدبلوماسية بين البلدين".
وقال: "إن الرابح من إعادة تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة سيكون محور المقاومة الذي تقوده إيران، وقطر ستهادن محور المقاومة دون أن تنضم إليه، وذلك بتحسين علاقاتها مع إيران، بعد أن تعلمت أن الجري وراء السعودية لن يجدي نفعا، أما حركة حماس فإنها ستنضم إلى محور المقاومة لأنها لن تستطيع أن تستمر بدونه"، وفق تقديره.
وتوقع أن "قطر وتركيا، ودولا خليجية تنأى بنفسها عن الاصطفاف، مثل الكويت وعمان، ربما تشكل محورا جديدا فضفاضا بدون مذهبية، وهذا المحور سيكون إسلاميا في خطابه لكنه لن يكون حرا تماما عن الإرادة الأمريكية"، كما قال.
خسارة السعودية
من جهته، قال رئيس معهد بيت الحكمة في غزة، أحمد يوسف، إن "السعودية فقدت كثيرا من مصداقيتها كقيادة للتيار السني بعد أن تجرأت ووضعت حركة حماس في قوائم الإرهاب، وهو ما سيضعف من موقعها التأثيري في العالم الإسلامي".
وأضاف يوسف لـ"
عربي21": "معاداة السعودية لحماس لن يخدم اصطفافها مع بعض دول الخليج ضد إيران؛ لأنه سيفسر هذا الاصطفاف بأنه يأتي في الإطار السياسي وليس الإطار المذهبي"، وفق قوله.
وقال يوسف: "للسعودية أجندتها السياسية، وهي تبني تحالفات العداوة مع إيران استنادا إلى مصالحها وتخوفها من قدرات إيران على الإضرار بهذه المصالح".
وفي ذات الاتجاه، وصف الكاتب والمحلل السياسي علي البغدادي؛ الاصطفاف في المنطقة بأنه سياسي وليس مذهبيا.
وقال البغدادي لـ"
عربي21": "المحور السني وهم قد تم تسويقه لمواجهة الخطر الإيراني، فعندما استلم سلمان الحكم؛ كانت السعودية في وضع ضعيف نسبيا، حيث كان تنظيم الدولة ينتشر في العراق وسوريا، وكان الحوثيون يتمددون في الجنوب، بينما الولايات المتحدة في عهد أوباما لم تكن تكترث للانخراط بمشاكل المنطقة؛ وقامت بعمل اتفاق مع إيران يكرس الأخيرة كدولة محورية في المنطقة".
وأضاف البغدادي أن ترامب جاء بأجندة مختلفة عن سلفه، "فانتفت الحاجة للدعاية السابقة حول المحور السني، وما ظهر في حصار قطر يشير إلى أن أولوية التحشيد في المنطقة لا تتعلق بسنة ضد شيعة، بل تتعلق بمحاولات القضاء على أي بؤر لا تزال متبقية من ثورات الربيع العربي"، وفق تقديره.
مزاج شعبي ضد الاصطفاف
ولفت البغدادي إلى تراجع في المزاج العام الشعبي إزاء الاصطفاف المذهبي، وقال: "إن جانبا معتبرا ممن كانوا مؤيدين للمحور السني أصبحوا أكثر براغماتية في التعاطي مع إيران، وأصبحت قضية دعم إيران لقطر تلقى قبولا، وأصبح الشعور بتفضيل وجود محور تركي إيراني قطري، وأن هذا المحور بإمكانه حل إشكالات المنطقة".
من جهته، وصف هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس بمسقط، طبيعة الصراع في الشرق الأوسط بأنه صراع سياسي مدفوع بمصالح دول معينة للسيطرة على المنطقة وخيراتها.
ورأى البسوس في حديث لـ"
عربي21"؛ أنه تم "استخدام التيارات والمدارس الدينية والفكرية وقودا في الصراع، وهو ما أدى إلى انقسام واستقطاب طائفي سني شيعي نتج عنه تمزيق المجتمعات وتدمير البيوت"، كما قال.
ونفى البسوس وجود مبررات موضوعية للتصنيف المذهبي في المنطقة، وعبر عن اعتقاده بأن "العوامل المشتركة بين الطوائف ومصالح دول المنطقة المشتركة أكبر بكثير من عوامل الانقسام والتشرذم".
وتنبأ البسوس بتراجع تصنيف "سني- شيعي" إلى حد كبير، لكنه توقع في الوقت ذاته بقاء آثاره حاضرة إلى مدة زمنية ليست قصيرة، "بسبب حاجة المنطقة إلى التعافي من الآثار السلبية التي أصابت الناس والمجتمعات، وما نتج عنها من دمار وتشريد وترسيخ الانقسام النفسي"، وفق تقديره.