خمسة محاور تؤكد أن
الاقتصاد التركي انطلق خلال الفترة للمنافسة في السوق العالمي، والتحول إلى أحد أهم أكبر اقتصادات العالم.
في دراسة حديثة أصدرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية، تحت عنوان "دعائم جديدة: هل تجاوزت
تركيا مشكلاتها الاقتصادية؟"، أوضح أن الاقتصاد التركي على عتبة مرحلة جديدة من
النمو بعد الفترة الصعبة التي عاشها في ظل الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في أعقاب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، والتي تزامنت مع فرض روسيا عقوبات واسعة على الاقتصاد، بشكل قوض من الأداء الاقتصادي خلال العامين الماضيين.
وفي تحسن ملموس، شهد نمو الاقتصاد التركي زيادة كبيرة خلال الربع الأول من العام الجاري. وفي الوقت نفسه، تمكنت سوق المال من استعادة تدفقات الاستثمارات قصيرة الأجل، وهو ما أكسب سعر صرف الليرة أمام الدولار استقرارا نسبيا.
وذكرت أن تحسن مؤشرات الاقتصاد تعود بصفة أساسية إلى عدد من العوامل، أهمها تطور العلاقات الروسية - التركية، إلى جانب حزمة الحوافز الاستثمارية والتسهيلات التي أقرتها الحكومة للمستثمرين الأجانب والمحليين في الشهور الماضية. وعلى الرغم من ذلك، فإن آفاق الاقتصاد سترتبط بعاملين رئيسيين، هما: استقرار الأوضاع السياسية من ناحية، ومسار الشراكة الاقتصادية التركية مع دول الجوار، لاسيما مع الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.
مؤشرات جيدة
بدأ الاقتصاد التركي يستعيد عافيته تدريجيا بعد أكثر من عامين من ارتباك المشهد الاقتصادي جراء الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد، بجانب التداعيات السلبية للانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016، وبالتزامن أيضا مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا على تركيا في أعقاب إسقاط الأخيرة طائرة روسية على الحدود التركية- السورية في نوفمبر 2015.
وعلى خلاف التوقعات الدولية، فقد شهد أداء الاقتصاد تحسنا كبيرا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017، حيث تسارع النمو الاقتصادي مسجلاً أفضل وتيرة له خلال عامين تقريبا، ليبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 5% على أساس سنوي مقارنة بمعدل 3.5% في الربع الأخير من عام 2016.
وبحسب معهد الإحصاء التركي، تعود زيادة معدل النمو الاقتصادي إلى النمو المحقق في كلٍّ من القطاع الزراعي بنسبة 3.2%، وقطاع البناء بنسبة 3.7%، بينما كان قطاعا الصناعة والخدمات الأكبر نموا من بين كافة القطاعات الاقتصادية وذلك بنسبة 5.3% و5.2% على التوالي. وأما بالنسبة لمصادر النمو الاقتصادي في الفترة السابقة، فيشار إلى أن الإنفاق الحكومي والصادرات كانا من أهم مصادر نمو الناتج المحلي وحققا نموًّا بنسبة 9.4% و10.6% على التوالي، في حين حقق الإنفاق الاستهلاكي نموًّا بنسبة 5.1%، کما ارتفع إجمالي تکوين رأس المال الثابت بنسبة 2.2%.
وكمؤشر آخر نحو الاستقرار، عاودت أسواق المال والدين التركية جذب موجات جديدة من الاستثمارات قصيرة الأجل من الخارج، والتي زادت مع التحسن النسبي في الأداء الاقتصادي بجانب تلاشي الآثار السلبية للانقلاب العسكري. وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، بلغ صافي الاستثمار الأجنبي في الأسهم التركية والسندات الحكومية 7.4 مليارات دولار. ونتيجة لذلك، ارتفعت قيمة الليرة مقابل الدولار إلى نحو 3.5 ليرات تركية في يونيو الجاري مقابل مستويات تعدت 3.73 ليرات في الأشهر الماضية.
قاعدة الانطلاق
تبدأ أولى القواعد بالإصلاحات السياسية، حيث ترى الأوساط الاقتصادية أن التحولات السياسية التي شهدتها تركيا، وخاصة الاستفتاء الخاص بالتعديلات الدستورية، قد تفسح المجال لاستمرار الإصلاحات الاقتصادية من قبل حزب العدالة والتنمية التي من الممكن أن تؤثر بشكل إيجابي على أداء الاقتصاد بما قد يساهم في تحسين جدارته الائتمانية.
روسيا وتركيا
ومع نهاية يونيو 2016، بدأت بوادر تحسين العلاقات التركية- الروسية عقب الاعتذار الذي قدمته أنقرة حيال إسقاط الطائرة الروسية، حيث تم بعد ذلك اتخاذ خطوات سريعة لإعادة تطبيع العلاقات الاقتصادية تدريجيًّا بين البلدين. وفي يونيو الجاري، اتخذت الحكومة الروسية آخر قراراتها التي تقضي برفع معظم القيود المفروضة على تركيا، حيث ألغت الحظر المفروض على استيراد معظم المنتجات الغذائية التركية وذلك باستثناء الطماطم.
وإلى جانب ذلك، ألغت حظر عمل المواطنين الأتراك في روسيا، والحظر المفروض على عمل الشركات التركية في مختلف القطاعات في روسيا. وبإلغاء هذه العقوبات، يكون الاقتصاد التركي قد تجنب خسائر اقتصادية كبيرة قد تقارب 9 مليارات دولار.
تسهيلات للمستثمرين
كما قدمت الحكومة التركية حزمة من التسهيلات للمستثمرين الأجانب على مدار الأشهر الماضية، في محاولة لإعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد، وإنعاش الاستثمارات في البلاد. ومن أهم التسهيلات التي أقرتها الحكومة في الفترة الماضية منح إعفاءات وحوافز ضريبية، بجانب منح الجنسية للمستثمرين الأجانب.
وعلى مستوى التسهيلات الضريبية، أقرت الحكومة حزمة من الإعفاءات الضريبية في عدد من القطاعات الاقتصادية من بينها القطاع العقاري، حيث منحت، في فبراير 2017، إعفاءً للأجانب والمغتربين من ضريبة القيمة المضافة عند شرائهم مبان سكنية وتجارية في تركيا، وهو ما قد ينعش الاستثمارات الأجنبية في السوق العقارية التركية.
وبالتوازي مع القرار السابق، ستعطي تركيا جنسيتها للمستثمرين الأجانب وفق تعديلات قانون المواطنة في يناير 2017 بشرط إيداع 3 ملايين دولار في البنوك التركية، مع عدم سحبها خلال ثلاث سنوات، كما يستحق الجنسية بعد المدة ذاتها أيضًا من يشتري عقارًا بقيمة مليون دولار أمريكي فأكثر، أو من يستثمر في مشروع تجاري بقيمة لا تقل عن مليوني ليرة تركية، أو من يمتلك شركة توظف 100 مواطن تركي على الأقل.
تسهيلات محلية
وسوف يحصل عدد من القطاعات أبرزها تكنولوجيا المعلومات والابتكار، وفق قانون رقم 6745 الذي يتعلق بالاستثمارات بناءً على نوعية المشروعات والذي أقره البرلمان في سبتمبر 2016، على إعفاءات ضريبية وجمركية، بجانب تسهيلات ائتمانية أخرى، وهو ما قد يُسهم في تنمية القطاعات السابقة وفق المخطط التركي. وفي المجمل، تخطط الحكومة لمنح استثناءات ضريبية بقيمة 112 مليار خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يعادل 4.25% من الناتج الإجمالي المحلي عامي 2017 و2018، و4.24% عام 2019.
وعلى المستوى التمويلي، سعت الحكومة عبر الشهور الماضية إلى إتاحة تمويلات كبيرة لتشجيع القطاع الخاص من أجل إنعاش الاستثمارات المحلية. ومن أهم القنوات المالية التي لعبت دورًا كبيرًا في هذا الشأن، صندوق ضمان الائتمان الذي زادت الحكومة، في مارس 2017، مخصصاته إلى 250 مليار ليرة، أي بما يعادل تقريبًا 66.5 مليار دولار.
الصندوق السيادي
وأنشأت تركيا صندوقا سياديا بقيمة 50 مليون ليرة تعادل 13.6 مليون دولار في أغسطس 2016، والذي من المنتظر أن يدير في المستقبل أصولا بقيمة 200 مليار دولار، بحسب توقعات وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، ليحل ضمن أكبر 20 صندوقا سياديا حول العالم.
وبدأت الحكومة بتحويل بعض الأصول للصندوق السيادي، مثل حصة الدولة البالغة 49.1% في الخطوط الجوية والبالغة قيمتها حوالي مليار دولار، بالإضافة إلى حصتها البالغة 51.1% في بنك "خلق" والتي تبلغ نحو 2 مليار دولار، بجانب حصص أخرى في بنك "زراعت" الحكومي وبورصة اسطنبول وشركة تشغيل خطوط الأنابيب المملوكة للدولة "بوتاش".