بعد الانقلاب الإعلامي السعودي والإماراتي المفاجئ ضد دولة قطر، ثم قطع العلاقات معها وفرض حصار بحري وبري وجوي عليها، إثر تصريحات نسبت لأميرها، تضمن حديث عن إيران وضرورة التعاون معها بدلا من معاداتها، ثمة أسئلة منطقية تدغدغ أذهان المراقبين والمحللين حول حقيقة العلاقات بين طهران والدوحة، وأنه ما الجديد على القديم فيها، الذي أثار مخاوف هذه الدول الخليجية، ودفعهم إلى هذا التوجه العدائي غير المسبوق تجاه أحد الأعضاء الأساسيين في مجلس التعاون الخليجي.
طبيعة العلاقات
عند دراسة
العلاقات الإيرانية القطرية، نجد أنها تنقسم إلى مرحلتين تأثرتا بمجمل العلاقات الإيرانية الخليجية طيلة الوقت. الأولى منذ الثورة الإسلامية الإيرانية إلى عام 2011، وبالأحرى أيام الأمير الوالد، حيث أنها كانت أقل من الإستراتيجية، وأكبر من الحسنة قليلا. والمرحلة الثانية منذ العام 2011 أي بعد انطلاقة الربيع العربي إلى اليوم، والذي تراجعت فيها العلاقات وانحدرت إلى علاقات عادية، لم تكن بعيدة عن التوتر القائم على مجمل العلاقات الإقليمية، وبالذات بين إيران وجيرانها. بشكل عام، يمكننا وصف العلاقات القطرية الإيرانية كمن يضع في فم الآخر ملعقة فارغة، فلم تشهد انقطاعا، ولكنها ظلت دون نتائج كبيرة تذكر.
وبالعودة إلى المرحلة الأولى من العلاقات، نجد أنه بعد أن طرأ تحسن كبير على العلاقات الإيرانية الخليجية وبالذات مع المملكة العربية السعودية في عهد الرئيس خاتمي، شهدت العلاقات مع قطر تطورات إيجابية، تبادلت الزيارات على أعلى المستويات. ولعل التصويت القطري ضد قرار 1696 لمجلس الأمن الدولي في يوليو 2006، الذي كان قد حدد مهلة أمام إيران لوقف تخصيب اليورانيوم، كان مثالا مهما على طبيعة العلاقات في تلك الفترة.
وساهم عاملان أساسيان في رسم ملامح العلاقات خلال هذه الفترة، الأول، متطلبات الجيرة، والثاني اقتراب مواقف البلدين في دعم المقاومة ضد إسرائيل في عموم المنطقة. العامل الأخير ترك تأثيره بشكل كبير بعد حرب تموز 2006 على لبنان، والتي وقفت قطر بإعلامها وسياستها ضد العدوان الإسرائيلي، وثم المساهمة القطرية الكبيرة في إعمار ما دمره هذا العدوان. حيث رفع الجنوب حينها لافتة شكرا قطر.
ثم إن وقوف دولة قطر إلى جانب المقاومة الفلسطينية في حرب 2008 و2009 قرّب موقف البلدين تجاه الصراع في فلسطين أكثر من قبل، حيث كان السفير القطري في إيران، الوحيد بين السفراء العرب حاضرا في حفل لانتصار المقاومة الفلسطينية انعقد في مصلى جامعة طهران، إلى جانب السفير التركي، وخلال الحفلة رفرفت أعلام قطر إلى جانب أعلام فلسطين وإيران وتركيا.
لكن بعد وصول قطار الربيع العربي إلى المحطة السورية، بدأت المرحلة الثانية في العلاقات الإيرانية القطرية، فبعد أن كان يوحي اقتراب موقف البلدين من الربيع العربي في كل من تونس ومصر بتحول العلاقات إلى الاستراتيجية، وصول رياح التغيير إلى الأرض السورية ووقوف دولة قطر إلى جانب الحراك المعارض للنظام، أحدث شرخا عميقا في العلاقات، مما أدى إلى تراجعها بشكل واضح، وإن ظلت اللغة الدبلوماسية الرسمية على حالها تقريبا، لكن مضمون العلاقات تضرر بشكل كبير.
فانتقلت العلاقات من الحسنة إلى العادية بنكهة التوتر، تخضع لمعايير الجيرة فحسب، وفقد العامل الثاني المؤثر في رسم ملامح العلاقات في المرحلة الأولى تأثيره، حيث بات يتهم الإعلام الإيراني دولة قطر بالتموضع في محور معاد لمحور المقاومة، ودعم من وصفهم بـ"الإرهابيين" في سوريا، وكانت تنظر لها كأحد أكبر داعمي المعارضة السورية ومموليها، كما كانت تُتهم قناة الجزيرة بأنها هي التي تقود الحراك السوري المعارض إعلاميا.
فضلا عن ذلك، قطر التي كانت تشاد بها ويرفع علمها في طهران لوقوفها إلى جانب حماس والمقاومة الفلسطينية بعد الحرب الـ 22 يوم عام 2008 و2009، باتت منتقدة بعد استقرار قيادة الحركة فيها بعد الخروج من دمشق، حيث فسرته وسائل إعلامية مقربة من المحور الإيراني بمحاولة قطرية لنزع شرعية المقاومة عن النظام السوري وجر حماس إلى اصفطافات إقليمية على حساب هذا المحور.
خلال هذه المرحلة، إذا ما أردنا المقارنة بين علاقات قطر وإيران، وبين علاقات إيران مع الدول الخليجية الأخرى، لوجدنا أنها الأفضل نسبياُ مقارنة بالسعودية والبحرين، والأدنى مقارنة بالإمارات والكويت وسلطنة عمان، اقتصاديا وسياسيا، فعلى سبيل المثال، بينما شهدت العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران تزايدا ملحوظا منذ 2011، يتراوح حجمها بين 16 إلى 21 مليارد دولار سنويا، لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الدوحة وطهران 180 مليون دولار سنويا خلال هذه الفترة. اليوم تستحوذ الإمارات على نسبة 90% من حجم التجارة بين إيران ودول الخليج مجتمعة. وهي من الدول الأكثر استفادة بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات على إيران.
ما ذهب ذكره، لا يبقي مجالا للشك أن إثارة العداء ضد إيران بهذا الشكل مهما كانت سياساتها الإقليمية، وكذلك موضوع العلاقات القطرية الإيرانية، لا تستهدف خدمة قضايا عربية وإقليمية، وإنما الهدف هو التغطية لخطوات التطبيع المتسارعة بين دول خليجية وإسرائيل، والمفارقة أنه بينما تعتبر العلاقات مع الجارة الإيرانية بغض النظر عن حجم الخلافات معها وسياساتها الإقليمية، جريمة كبرى تعاقب قطر على مجرد تصريح منسوب لأميرها، تتسابق دول خليجية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، دون رقيب ولا حسيب.
مستقبل العلاقات
لا شك أن الأزمة الخليجية غير المسبوقة سوف تترك آثارها على مجمل العلاقات الإيرانية القطرية بشكل أو آخر. هناك عاملان من شأنهما دفع هذه العلاقات إلى الأمام، وتحقيق تقارب ما وتحت سقف محدد، دون أن يرتقي إلى علاقات استراتيجية وتحالفية، لأن عوامل إقليمية ودولية ومطبات تعترض تحقيق تقارب حقيقي بين طهران والدوحة. تجاوز هذه العراقيل ليست بسهولة. وهذا لا يرتبط كثيرا برغبة الطرفين، والتي قد تكون متوفرة اليوم أكثر من قبل بعد الأزمة الخليجية، ولو بدرجات متفاوتة لدى كل منهما.
أما العاملان اللذان سوف يساهمان في تعزيز العلاقات، فهما:
1ـ وقوف إيران وتضامنها الكبير مع دولة قطر، وذلك عبر مواقف سياسية ضد الحصار وقطع العلاقات معها، وإجراءات عملية لكسر هذا الحصار من خلال فتح طهران مجالها الجوي أمام الطائرات من وإلى قطر، والإعلان عن تخصيص موانئ لتصدير ما تحتاجه الدوحة من مواد غذائية وغيرها.
لا شك أنه حتى لو انتهت الأزمة بين قطر وجيرانها الثلاث، سيبقى هذا الموقف الإيراني المساند لقطر واحتمالات تكرار الأزمة الراهنة مستقبلا، حاضرا في الحسابات القطرية، ومن شأنهما أن يساهما في تعزيز العلاقات لاعتبارات سياسية وجغرافية عديدة.
2ـ لا شك أن قطر دخلت فعلا دائرة الدول المستهدفة من قبل الفريق الدولي الإقليمي الذي لعب دورا كبيرا في توجيه أحداث الربيع العربي إلى ما آلت إليه، وانتهاء الأزمة الخليجية الراهنة لا يعني إنهاء هذا الاستهداف أبدا، لأن من المستبعد أن تشهد السياسة الخارجية القطرية تحولا يحبذه هذا الفريق. إضافة إلى الربيع العربي، من دوافع هذا الاستهداف أيضا السياسات القطرية الداعمة للقضية الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية حماس. هنا تشترك قطر وإيران في ذلك، حيث أن الأخيرة أيضا تعاني منذ عقود من عقوبات لدعمها المقاومة ضد إسرائيل.
القوى العالمية والإقليمية التي تستهدف قطر اليوم، هي نفسها التي تستهدف إيران أيضا لأسباب بعضها مشتركة وأخرى مختلفة، هذا الاستهداف المشترك يفترض أن يؤسس لمصالح جديدة مشتركة بين البلدين، تدفعهما لتعزيز العلاقات. وهذا سيكون من النتائج المتوقعة للأزمة الخليجية، مما يعني أن الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر بذريعة أن الأخيرة لها علاقات جيدة من طهران، ستكون هي العامل الأساسي في حصول أي تقارب بينهما حالا ومستقبلا. وكما يقول المثل "جا يكلحها فعماها".
خلاصة القول إنه خلال الفترة التي سبقت الأزمة الخليجية، لم يطرأ أي تغيير على العلاقات الإيرانية القطرية لصالح تعزيزها، يستدعي هذه السياسة العدائية تجاه قطر، والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء في العلاقات الخليجية، مع ذلك ما قامت به الدول الخليجية الثلاث تجاه قطر على الأغلب سيزيد من أهمية وأسهم إيران في الحسابات السياسة القطرية. أما هذا لا يعني أننا سنشهد خطوات قطرية كبيرة باتجاه تعزيز العلاقات مع طهران خلال المرحلة القربية القادمة، إذ أن حساسية الموقف تحول دون ذلك في الوقت الراهن.