كتاب عربي 21

هل تمت قرصنة "قنا" بموافقة الحكومة الروسية؟

1300x600
بعد عملية القرصنة التي طالت وكالة الأنباء القطرية (قنا) مؤخرا، قامت الدوحة بالاستعانة بمحققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (اف بي اي)، ووكالة الجريمة القومية (ان سي ايه) البريطانية للتحقيق في مصدر الهجوم الذي تم وسمح بقرصنة الموقع ونشر بيان مختلق ونسبه إلى أمير قطر وإتباعه بفيديو لنشرة إخبارية لتلفزيون قطر بشريط إخباري مفبرك مرتبط بنفس البيان الذي تمّ نشره بعد عملية القرصنة.

وقد أشارت وزارة الداخلية القطرية في بيان لها قبل يومين إلى أنّ التحقيقات التي قامت بها وكالات الدول الصديقة توصلت إلى أنّه قد تمّ "تثبيت ملف الاختراق للأجهزة في شهر أبريل الماضي وجرى استغلاله واستخدامه لاحقا في نشر الأخبار المفبركة بتاريخ 24 مايو 2017 عند الساعة 12:13".

وفي حين لم يشر بيان الداخلية الى الجهات التي وقفت خلف الهجوم أو مصدر هذا الهجوم فيما يبدو أنّه تفادي للشق السياسي وتركيز على الشق التقني، نشرت وسائل إعلام أمريكية بموازة ذلك تقارير تشير الى أنّ المحققين الأمريكيين يؤمنون بأنّ مصدر الهجوم الإلكتروني الذي تمّ على الوكالة القطرية هو روسيا.  

عندما تمّ الإعلان عن هذه الشكوك، ربط كثيرون بين هذا العمل والهجمات الإلكترونية التي شنتها روسيا سابقا في الولايات المتحدة وأوروبا وترافقت مع نشر أخبار كاذبة وحملات قرصنة للحصول على معلومات ثمينة والتأثير على العملية السياسية في هذه البلدان، لكن إذا كان الأمر صحيحاً فما هو مصلحة روسيا أن تفعل ذلك في قطر؟

من الناحية النظرية تمتلك روسيا القدرات المطلوبة، ووفقا لتعليقات بعض المسؤولين الأمريكيين التي نشرت حول هذا الموضوع، فان الهدف السياسي من هذه العملية هو أن تخلق روسيا شرخاً بين الولايات المتّحدة وبين حلفائها، لكن في الحالة القطرية، هناك عدّة معطيات لا تؤيّد مثل هذه الفرضية.

البيان المختلق الذي تمّ نشره كتب بصيغة عربية لا يشبه أي شيء من الممكن للحكومة الروسية أن تكون فعلته على الإطلاق لا من حيث المحتوى ولا من حيث الصياغة. سبق لي شخصيا أن اطّلعت على تقارير رسمية سياسية وإعلامية روسية تمّ ترجمتها إلى العربية من قبل مترجمين رسميين روس وهي لا ترقى إلى هذا المستوى، فضلا عن حقيقة أن مضمون النص المختلق لا يتناسب مع طرح روسي محتمل. 

لكن حتى وإن افترضنا أن تفنيدنا غير صحيح، لا يستطيع المرء أن يرى الدافع الحقيقي الذي من الممكن أن يدفع موسكو للقيام بهذا العمل من الناحية السياسية. ربما يكون مصدر الهجوم روسيا فعلاً، لكل هل جاء الهجوم بقرار من الحكومة الروسية ام لا، فهذا شيء مختلف.

الأرجح اذا كان مصدر الهجوم روسيا بالفعل أن يكون القراصنة الذين شنوا الهجوم هم قراصنة مأجورون يعملون بشكل مستقل ولحسابهم الخاص، بمعنى أن يكون قد تمّ دفعهم من قبل دول أخرى للقيام بهذا العمل، وهذا هو السيناريو الأرجح إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سياق ومضمون النص المختلق الذي تمّ زرعه بالإضافة الى الشريط الاخباري المزيّف الذي تمّ اصطناعه في فيديو لنشرة أخبار لتلفزيون قطر تمّ تحميله على الإنترنت بعد فترة وجيزة من الاختراق.

إذا كان السيناريو فعلا على هذه الشاكلة، فإن الدول التي قامت باستئجار قراصنة للقيام بهذا العمل لا بد أن تكون مرتبطة بما جرى بعده مباشرة. حملة نشر الأخبار الكاذبة والمختلقة التي أطلقتها وسائل إعلام كل من الإمارات والسعودية هي دليل قوي على ذلك. لقد شارك في هذه الحملة التي حوّلت وسائل الإعلام هذه بما فيها المنابر الإعلامية الرسمية لكلا البلدين إلى نوع بخس جدا من الصحافة الصفراء لا بل إلى أكبر مصنع لإنتاج الأخبار الكاذبة والمفبركة في العالم حتى الآن.

الهجوم السياسي الذي تم والتصعيد الذي جرى فيما بعد ضد قطر كلها دلائل قوية على الجهة التي وقفت خلف هذا العمل، ومن المهم جداً أن يتم دراسة هذه التجربة والعمل على تحليلها وكيفية مواجهة عمليات مماثلة لها مستقبلاً سيما وأنّها تؤسس لمرحلة جديدة في مجال الحرب الإلكترونية ونشر الأخبار الكذابة المتعلقة بالتأثير على التوجهات السياسية للبلدان الأخرى.