مقالات مختارة

موسكو تستثمر في أزمات القاهرة

1300x600
كان شهرا حافلا بالنسبة لجمهورية مصر العربية، بدأ باتهامات مباشرة من الرئيس السوداني عمر البشير لمصر بتزويد المرتزقة الانفصاليين في دارفور بأسلحة ثقيلة لشن هجمات على الجيش السوداني، أمر سارع الرئيس المصري إلى نفيه فيما بعد.

وبعد مشاركة فاعلة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بافتتاح مركز مكافحة الإرهاب في الرياض برفقة ترامب والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، شن إرهابيون هجوما إجراميا على حافلة تقل حجاجا أقباطا في محافظة المنيا ليسقط أكثر من 28 رجلا وامرأة وطفلا ضحايا لهذا العمل الإجرامي.

مصر ومن فورها شنت هجمات على مدينة درنة الليبية ثم وسعت حملتها الجوية والعسكرية باتجاه واحة الجفرة والقواعد العسكرية في الجنوب، حملة مصرية أطلقت العنان لجولة من المواجهة والاستنزاف في المنطقة يصعب التنبؤ بنتائجها ومدى اتساعها وتداعياتها على الأطراف الإقليمية والدولية.

شهر حافل لمصر لم يتوقف عند حدود العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمواجهات في ليبيا والسودان، إذ شهد الشهر الحالي زيارة البابا تواضروس بابا الكنيسة القبطية الشرقية في مصر بالرئيس الروسي في موسكو، واحتفي به بشكل كبير، بل إن موسكو وفي أعقاب الهجوم على حافلة الحجاج في المنيا، طالبت مصر بتوسيع التعاون مع روسيا وإيجاد شراكة لمكافحة الإرهاب.

الدعوة الروسية للقاهرة تبعها انعقاد اجتماع 2+2 بين وزير الدفاع ووزير الخارجية الروسي نظرائهم في مصر، اللقاء الذي نوقشت فيه عملية تطوير العلاقات بين البلدين في كافة الملفات وأبرزها سوريا وليبيا إلى جانب التسليح والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فروسيا لن تجد فرصة سانحة لتطوير نشاطاتها في مصر وتعزيز فاعليتها في المنطقة أفضل من الفترة لحالية، إذ يشهد النفوذ الأمريكي اضطرابا شديدا بعد وصول «يلتسن أمريكا» ترامب إلى سدة الحكم.

زيارة لافروف إلى القاهرة ترافقت مع مقالات وتحليلات في الصحف الروسية نقلت تطمينات إلى الولايات المتحدة بأن روسيا لا تسعى إلى منافسة أمريكا في مصر، إلا أن الحقائق تشير إلى توسع النفوذ الروسي وزيادة في عدد الخبراء والمستشارين العسكريين والمحققين الروس العاملين في مصر منذ العام 2013.

روسيا وبتقدمها المتواصل في المنطقة أصبحت قادرة على ممارسة الضغوط والاستفادة من حالة الاستنزاف التي تورطت فيها دول المنطقة، فتورط مصر في ليبيا فرص ذهبية لتعميق نفوذ روسيا في مصر كما أن تعمق الأزمة المصرية واستهداف الأقباط في مصر فرصة لروسيا لتدويل بعض الأزمات وممارسة الضغوط التي تتيح لها المجال لترسيخ نفوذها في المنطقة.

التطورات الأخيرة في مصر تعيدنا إلى المربع الأول، بضرورة أن تشرع مصر بمصالحة شاملة قبل فوات الأوان، فكلما تأخرت مصر بإصلاح أوضاعها الداخلية كلما تعمقت أزمتها وتراكمت الأخطاء والسياسات المتهورة التي ستقود إلى تدويل أزمتها الداخلية، فالأزمات في مصر تمس قناة السويس والأقباط والهجرة واللجوء في ظل تحذيرات أوروبية من موجات كبيرة قادمة أشبه ما تكون بالتسونامي، ملفتا غاية في الخطورة.

روسيا أصبحت أكثر قدرة على الاستثمار في حالة الاستنزاف التي تعانيها مصر في سيناء وليبيا وقريبا في السودان وأماكن أخرى، مصر ببساطة بحاجة إلى تصفير مشاكلها الداخلية كما هي الحاجة لتصفيرها مع جيرانها بدل الهروب من الواقع القائم بخلق مزيد من الأزمات وتعميق حالة الاستنزاف، فحال مصر في تراجع متواصل أمر يتفق المراقبون والخبراء في الشأن المصري على أنه يزداد سوءا وتدهورا.

السبيل الأردنية