مؤخرا دار حوار بيني وبين خبيرة معروفة ومختصة بمجال الإغاثة الإنسانية وفض النزاعات المتعلقة بالتطهير العرقي في
ميانمار ضد مسلمي
الروهينجا، وقد أعربت لها عن مخاوفي من أن الولايات المتحدة من المحتمل أن تدعم الجماعة المسلحة الناشئة المعروفة باسم "جيش خلاص أراكان الروهينجا"، ولكنها لم تتفق معي، وقالت إن الولايات المتحدة كانت داعمة جدا للروهينجا، وأنها قد رحبت باللاجئين (قبيل ترامب)، وأنها عقدت اجتماعا لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بشأن هذه المسألة، كما سهلت أعمال الإغاثة وما إلى ذلك. والشيء الذي أثار اهتمامي حقا هو اعتقادها بأن قيام الولايات المتحدة بمثل هذا الأعمال يحول دون احتمال دعمها السري لمجموعة جيش الخلاص هذه، مع أنني لا أرى أدنى تناقض بين أن تعبر الولايات المتحدة عن قلقها إزاء محنة الروهينجا وبين تدخلها لمفاقمة هذه المحنة في نفس الوقت. ولكني في نهاية الأمر رجل أمريكي، وأعرف أن الولايات المتحدة تفعل هذا النوع من الأشياء طوال الوقت.
ولنكن واضحين، الولايات المتحدة تعزز فقط الواجهات الديمقراطية، وليس الديمقراطية نفسها. وعندما تكون الواجهة واهية، فإنها تنتقدها وتوفر للأنظمة الدكتاتورية استراتيجيات التسويق اللازمة لحجب اتجاهاتها الاستبدادية. فتوصي بإجراء الانتخابات، والحديث عن "الانتقال إلى الديمقراطية"، وتعزيز التعددية، وهلم جرا. ولكنها في الوقت نفسه، تسهل من عملية تكثيف القمع. تذكروا دائما أن السياسة الخارجية الأمريكية مكرسة حصريا لتأمين "المصالح الوطنية" الملموسة، وهذا يعني بلغتنا مصالح الأعمال التجارية. ولا يوجد نظام يستطيع القيام بذلك أفضل من النظام الاستبدادي؛ ويا حبذا لو كانت حكومة عسكرية فاسدة. فالوضع المثالي هو أن تحكم أي بلد مجموعة من معدومي الضمير من النخب المحلية المستعدة والراغبة في التعاون مع النخب العالمية لتسليم موارد بلدهم؛ مقابل تأمين نسبة زهيدة لهم مع ضمان بالحصانة.
واحدة من أفضل الآليات المستخدمة لإخفاء حقيقة أن النظام العميل استبدادي ولا يهتم من بعيد أو قريب بالإصلاحات الديمقراطية (التي لا يريدها حقا أي شخص في السلطة)، هي خلق أو تأجيج الصراع الداخلي. ويكفي بعد ذلك أن تقوم الحكومة العسكرية بفرض عمليات قمع وحشية باسم تأمين السلام والهدوء، في حين أن الأهداف الفعلية هي إخضاع المعارضة الشعبية، والوقاية ضد الديمقراطية، والحماية الوحشية للمصالح التجارية الحيوية لأنفسهم وللجهات الراعية العالمية. ومن المعلوم طبعا أن الرعاة سيوجهون في بعض الأحيان توبيخا للنظام على الفظائع البشعة بشكل خاص، ولكن هذه التوبيخ سيكون أجوف، وسيسمح للنظام بتجاهله. فهذه الطريقة في الواقع جزء أساسي من الآلية اللازمة لتمكين النظام من الاستمرار، حيث أنها تعمل على تخفيف الضغط العام عن المجتمع الدولي ليتدخل بنشاط. فهي إذا إدانات متسامحة، وكل شخص مشارك يفهم هذا جيدا.
في ميانمار، المشكلة الحقيقية للحكومة المركزية هي أراكان، وليس الروهينجا. فأراكان أقلية عرقية تعيش في منطقة غنية بالموارد، ولها أهمية استراتيجية وتاريخ من الطموحات الانفصالية. لذا فهم يتعرضون للقمع والاستغلال والفقر، لأنهم إن ثاروا ضد الحكومة، فسيكون هذا الأمر بمثابة ضربة قاتلة لبورما. ولكن طالما أن استياءهم وعداءهم موجه ضد الروهينجا العاجزة، فإن النظام آمن. وهكذا يكون الصراع الداخلي في أراكان مفيدا لكل من يعمل عليه. ومع ذلك، فإن الروهينجا تحتاج إلى أن تكون عاجزة أكثر من هذا حتى يكون هذا الصراع مستداما، وبالتالي من المرجح جدا أن نرى الولايات المتحدة، بمساعدة عملاء لها من دول الخليج، تحاول أن تحتضن حركة جهادية مسلحة شبه قابلة للتطبيق في أراكان، وربما هي تفعل بذلك بالفعل. وهذا لا لشيء إلا لدعم الحكومة المركزية، وزيادة العلاقات الأمريكية مع جيش بورما. أما التعبير عن دعمها للروهينجا فهذا شيء لا يتعارض مع هذه الاستراتيجية على الإطلاق، بل أنه يدعمها أكثر.