بعد سنوات من الصمت السياسي، إثر تسليمه مقاليد الحكم لخلفه الرئيس روحاني قبل أربع سنوات، قرر الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" العودة إلى الحياة السياسية مجددا، عبر بوابة الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة المزمع إجرائها في 19 مايو/أيار المقبل.
في بادئ الأمر، أراد أحمدي نجاد العودة رئيسا عبر ترشيح نفسه لهذه الانتخابات، وفي هذا السياق كان أول من أدخل البلد في أجواء انتخابية قبل أشهر من خلال خطابات وزيارات له إلى المحافظات، في إطار تدشينه المبكر لحملته الانتخابية، لكن سرعان ما انتهت تلك الأجواء بعد تلقيه تعليمات من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بعدم المشاركة في هذه الدورة للانتخابات، فتراجع عن قرار ترشيح نفسه، وانصاع لتلك التعليمات التي قيلت أنها جاءت للحيلولة دون إحداث استقطابات وانقسامات ستكون ضارة في البلد.
بعد ذلك، انسحب أحمدي نجاد مجددا من المشهد السياسي، ولم يكتف بذلك، بل أكد أنه لا يريد أيضا دعم أي من المرشحين في السباق الرئاسي القادم، لكنه بعد شهور قليلة خالف وعده هذا عبر تقديم مرشح له، هو"حميد رضا بقايي" والتسويق له.
بعد تعليمات آية الله الخامنئي ووعود أحمدي نجاد نفسه، كان يُتوقع أن ينسحب الأخير كليا على الأقل خلال هذه الدورة من الانتخابات، لكن ما قام به مؤخرا من خلال ترشيح أحد المقربين منه، أظهر أنه مصر على الحضور المؤثر في المشهد عبر تقديم مرشحه بهذه القوة، وكما يقول المثل: "أغلقنا الباب فدخل من النافذة".
رغم هذا الإلحاح، وبعد عدم تمكنه من ترشيح نفسه، فإن حظوظه أن يكون صانع الرؤساء في إيران، اقتداء بالرئيس الإيراني الأسبق الراحل "هاشمي رفسنجاني" تبقى ضئيلة، لأسباب كثيرة، أولا أنه يفتقر إلى قاعدة شعبية متينة، وثانيا، لا يحظى بالنفوذ في مفاصل الدولة، وثالثا، لا ظهير سياسي له بين المعسكرات السياسية المعروفة في البلد.
كما أن المرشح الذي دفعه إلى ساحة المنازلة الانتخابية الرئاسية، عليه ملفات قضائية سجن إثرها عام 2015 سبعة أشهر، قيل إنها لوجود شبهات فساد مالي تحوم حوله، وهذا ما رفضه بعد إطلاق سراحه، وبهذا السبب يُرجح الكثيرون احتمال رفض ترشحه من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني.
هذا ما دفع أحمدي نجاد إلى التأكيد قبل أيام في مؤتمر صحفي عقده لتقديم مرشحه "بقائي"، أنه سيسعى بكل جهده أن يتجاوز الأخير عقبة مجلس صيانة الدستور، رغم ذلك هناك من يتوقع الموافقة على ترشيح بقائي تسخينا للانتخابات لرفع مستوى المشاركة، وكذلك هناك من يرى أنه على الأغلب لن ينال ثقة مجلس صيانة الدستور.
وفي هذا السياق، يتحدث البعض عن احتمال أن يقوم أحمدي نجاد بتقديم مرشح أو مرشحين احتياطيين آخرين خلال الأيام القادمة كخطوة بديلة حال تم رفض ترشيخ بقائي.
عموما، في حال نجح مرشح الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، أيا كان هوية هذا المرشح، في الخوض في غمار السباق الرئاسي القادم، يستبعد جدا أن يكسب نتائج الانتخابات لافتقاده معسكر سياسي يدعمه، وكذلك انعدام قاعدة شعبية قوية له. فبالرغم من أن نجاد ينحدر من التيار الأصولي وحظي بدعمه الكامل خلال الدورتين العاشرة والحادية عشرة للانتخابات الرئاسية الإيرانية، لكنه اليوم لا يتمتع بهذا الدعم، ومن المفارقة أن داعميه بالأمس من أشد منتقديه اليوم. كذلك هو أيضا لا يريد أن يقدم نفسه ضمن الخط الأصولي المعروف.
استبعاد فوز مرشح أحمدي نجاد حال السماح له بالترشح، لا يعني أنه سيفشل في الحصول على أصوات معتبرة، بل المتوقع أن هذا المرشح، وعبر الخطابات المثيرة لداعمه (أحمدي نجاد)، سوف يشكل رقما مهما وربما تحديا للرئيس روحاني في الانتخابات، وعلى الأغلب سيستقطب أصواتا كثيرة في الأرياف والمناطق النائية، لكنها لن تكون كافية في توصيله للرئاسة.
فإن نجح هو ومرشح الأصوليين في منع روحاني من الفوز في الولاية الأولى، ستتجه الانتخابات نحو جولة الإعادة، فعلى الأغلب ستنحصر فيها المنافسة بين المرشح الأصولي وروحاني، ففي هذه الحالة هناك احتمالية أن يحصل اتفاق بين معكسر أحمدي نجاد والأصوليين لدعم المرشح الأصولي في جولة الإعادة، مقابل حصول جماعة الرئيس نجاد على امتيازات سياسية.
عموما، سواء تمكن أو لم يتمكن مرشح أحمدي نجاد من المشاركة في المنازلة الرئاسية، لا يؤثر ذلك كثيرا على قراره في الحضور الفاعل في الحياة السياسية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة، مع أن مشاركة مرشحه في الانتخابات، وحصوله على أصوات معتبرة، ستعزز موقعه السياسي، يصعب تجاهله مهما كان حجمه.
المفارقة أن أحمدي نجاد ظهر خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في الثامن من أبريل بشكل مختلف عن السابق، حيث لم يكن ذلك الرجل الثوري الحماسي المتحدي، وحاول أن يتخذ مواقف قريبة من الإصلاحيين، فعلى سبيل المثال عندما سأله مراسل عن رأيه في فرض الإقامة الجبرية على الزعيمن الإصلاحيين "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي"، رد عليه قائلا: إنه لا يوافق على ذلك. هذا بالرغم من أنه كان طرفا أساسيا في الأوضاع التي آلت إلى فرض هذه الإقامة. ثم إنه في هذا المؤتمر وجّه انتقادات لمؤسسات يحكمها الأصوليون، محاولا أن يحملها مسؤولية أحداث كان يتهمه الإصلاحيون بالاضطلاع فيها.
كما أنه في المؤتمر استمع إلى أقصى انتقادات وأحرج أسئلة، محاولا أن يظهر نفسه محبا للجميع، مسيطرا على أعصابه دون أن يخرج عن الطور.
خلاصة القول، إن الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" اليوم يمثّل معسكرا قائما على شخصه، وبأدبياته ومفرداته الخاصة، وبذلك يحاول أن يشكل خطا سياسيا بعيدا عن الأصوليين والإصلاحيين، يجمع بين الإسلامية، والثورية، والقومية بمفاهيمها المشائية (المنسوبة إلى رحيم مشائي الذي يعتبره البعض معلم أحمدي نجاد).
ثم إنه بفضل جرأته وقدرته على الإثارة السياسية، له أنصار ومؤيدون في الشارع الإيراني، ولاسيما في الأرياف والمدن الصغيرة. كما أنه لا يوجد معسكر سياسي يدعمه في توجهاته رغم وجود داعمين له في التيار الأصولي، مثل جبهة الصمود، فمن جهة، هو اليوم منتقد ومتهم من قبل الأصوليين باحتضانه ما يوصف في القاموس السياسي الأصولي بـ"التيار المنحرف" الذي يقوده المقرب منه "رحيم مشائي"، كذلك الإصلاحيون أيضا يتهمونه بإلحاق أضرار بالغة بالبلد خلال ولايتيه الرئاسيتين من خلال أفعاله وتصريحاته المثيرة. وفي هذا الصدد، يقول الإصلاحيون وحكومة الرئيس روحاني إن القرارات الأممية القاضية بفرض العقوبات، التي اعتبرها أحمدي نجاد "قصاصات الورق"، استغرق جهدا على مدى سنوات لإبطال مفعولها.
وأخيرا، بما أن السياسة فن الممكن، وأن ما هو المستحيل اليوم قد يكون ممكنا غدا، فما لا يمكن استبعاده هو أن يصبح أحمدي نجاد مستقبلا شخصية إصلاحية، إذا ما اتسعت رقعة الخلافات بينه وبين المعسكر الأصولي، وكانت التغييرات التي طرأت مؤخرا على خطاباته حقيقية، ليست لأغراض الدعاية الانتخابية. هنا ينبغي الإشارة إلى الرسالة التي وجهها "رحيم مشائي" للرئيس الإصلاحي الأسبق "محمد خاتمي"، التي فُسرت بأنها تمثل رغبة في التقارب مع الإصلاحيين.