لا يختلف
اتفاق حي الوعر الأخير عن الهدن و "المصالحات" التي نفذها النظام بدعم إيراني أحيانا وروسي أحيانا أخرى.
فالاختيار بين التهجير أو الموت عبر الحصار الخانق المترافق بضربات عسكرية، ظل الأداة الوحيدة التي يستخدمها النظام لفرض هذه الاتفاقيات.
لكن اتفاق الوعر يحمل في طياته تفاصيلا جديدة لم تعرفها الاتفاقيات السابقة في عموم البلاد من حيث الشكل، فقد جاء الاتفاق برعاية روسية مع استبعاد جزئي للنظام واستبعاد كلي لإيران، وتضمن بنودا تعكس الأولويات الروسية في سوريا.
يعتبر
اتفاق حي الوعر امتدادا لسياسة النظام المتبعة منذ سنوات، التهجير أو القتل بالتجويع، لفرض تسويات قاسية بالنسبة لفصائل المعارضة والقاعدة الشعبية لهم.
وإذا كان الاتفاق قد وطد الهيمنة الروسية في حمص، فإنه كشف في الوقت ذاته حدود القوة الروسية، فالاتفاق الذي رعته موسكو لم يختلف عن اتفاقات النظام الأخرى سوى في الشكل لا في المضمون، فالتهجير ظل السمة الرئيسية لمثل هذه الاتفاقات، وحي الوعر لم يخرج عنها.
بعبارة أخرى، لم يصل الدور الروسي إلى اجتراح حلول تتجاوز مطالب النظام، بقدر ما هي حلول تتم على هامش الحد الأدنى الذي يقبل به النظام.
كما أن موسكو فشلت في طرح مسألة المعتقلين الذين قبل النظام قبل عام أن يطلق بعضهم ضمن مفاوضاته مع لجنة حي الوعر، قبل أن ينقلب على الاتفاق ويرفض طرح مسألة المعتقلين.
ومع ذلك، يعتبر الاتفاق أفضل ما يمكن تحقيقه بعدما فشلت الأمم المتحدة في تحقيق الحد الأدنى من مطالب المعارضة في الحي، فاتفاق الوعر لن يسمح بتكرار التجارب السابقة، خصوصا في شرقي حلب وقدسيا، حيث عمد النظام وحلفائه إلى اعتقال وقتل كثير من الرجال المدنيين عقب اتمام الاتفاق.
هنا تبدو المزاوجة الروسية واضحة في اتفاق الوعر، تهجير / توطين، حيث يُسمح للمسلحين وأهالي الحي الذين يرفضون إجراء تسوية مع النظام بمغادرة الحي مقابل فك الحصار المفروض، وترك الأهالي الراغبين البقاء في الحي مع تسوية أوضاعهم بطريقة تمنع من اعتقالهم، والسماح لمئات المسلحين البقاء في الحي والمشاركة في الإشراف عليه.
لا يتعلق أمر ترك المسلحين بالحي لمقتضيات التسويق والتلطيف كما ذهب البعض إلى ذلك، بل هو ناجم عن قراءة روسية محددة للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي تطلق عليها موسكو الإدارة المحلية.
بمعنى أن
القراءة الروسية للحل الميداني الذي يعقب الحل العسكري تتطلب ترك إدارة الأحياء للأهالي والسماح للمسلحين بحمل السلاح الخفيف، مقابل انتقال هذه البلدات والأحياء إلى سلطة النظام ورفع العلم السوري فيها.
الهدف الروسي من هذه المعادلة تحقيق أمرين اثنين:
ـ الأول، الحد من انتشار العناصر العسكري التابعة للوحدات شبه العسكرية التي لا تخضع للجيش السوري مباشرة، بقدر ما تخضع لإيران.
ـ الثاني، الحاجة إلى عناصر بشرية جديدة تغطي النقص الحاد الذي يعاني من النظام، وليس صدفة أن يدخل الروس على خط المعارضة ـ حزب الله في القلمون الغربي قبل شهر لتنفيذ صفقة عودة المسلحين من عرسال إلى بلداتهم في القلمون مع أسلحتهم الخفيفة والمشاركة في الإشراف على القرى والبلدات.
وفق هذه المعادلة، تكون روسيا قد حققت ما يمكن تسميته جراحة موضعية تُبقي على البعد الديمغرافي من جهة، وتحقق التهجير من جهة ثانية في حي الوعر.
هذه المقاربة بدت في الفترة الأخيرة وبضغط روسي مقبولة لدى النظام، ولذلك قبل الأخير باتفاق الروسي في الوعر عبر تشكيل لجنة عامة مؤلفة من ممثلي (لجنة حي الوعر، اللجنة الأمنية بحمص، الجانب الروسي) تتولى الإشراف على تطبيق الاتفاق ومعالجة الخروقات.
واختارت روسيا حي الوعر لأسباب ثلاثة:
1ـ خصوصية الحي بالنسبة للمعارضة، سواء من حيث الرمزية باعتباره عاصمة الثورة، أو من خلال بعده الديمغرافي في محيط جغرافي معاد له، بعدما تحولت مدينة حمص إلى خزان بشري للموالين للنظام سواء من العلويين (حي عكرمة الجديدة، النزهة، وادي الذهب، كرم اللوز) أو من الشيعة (قريتي المزرعة والزرزورية).
لقد نجحت روسيا في إلغاء فكرة التهجير الشامل للأهالي كما حدث في داريا، وسمحت لأول مرة بانتقال المسلحين وعائلاتهم إلى خارج إدلب في خطوة غير مسبوقة.
ولعل اقتراح مدينة
جرابلس من بين الأماكن المقترحة مؤشر على استمرار التفاهم الروسي ـ التركي.
وكأن موسكو تريد القول للمعارضة إن اتفاقها هو أفضل ما تم إلى الآن في سوريا، وعليهم الاختيار بين نموذجها هذا والمضي قدما معها في استراتيجيتها للمعادلة الميدانية على الأرض، أو اختيار النموذج السوري ـ الإيراني الأسوأ.
2ـ ابتعاد الحي عن محيط دمشق الذي أصبح من حصة إيران، وبالتالي تستطيع روسيا هنا إحراز تقدم ما.
3ـ اتفاق حي الوعر سيكون مقدمة للدخول الروسي إلى عموم حمص، والمشاركة لاحقا في الاتفاق المقبل بريف حمص الشمالي حيث تتواجد المعارضة.