بين تهديد الرئيس أنور السادات بضرب إثيوبيا فيما لو أقامت سدا ببحيرة تانا، وتلويح المشير عبد الحليم أبو غزالة بمواجهة عسكرية مع دول حوض
النيل، وتجاهل واستعلاء حسني مبارك، وتنازل عبد الفتاح السيسي؛ وصلت
مصر "هبة النيل" لمرحلة الفقر المائي.
وهذا الأسبوع، أثار قرار مصر بإنهاء تجميد عضويتها باتفاقية "عنتيبي" مع دول حوض النيل؛ التساؤل حول تغيير السيسي موقفه من الاتفاقية التي رفضت القاهرة التوقيع عليها على مدى السنوات السبع الماضية.
وأكدت مصادر رسمية بالوفد المصرى المشارك في مفاوضات "عنتيبي"، الثلاثاء، أن مصر تتجه نحو اتخاذ قرار بإنهاء تجميد عضويتها فى مبادرة حوض النيل؛ بهدف إعادة بناء الثقة مع دول الحوض، والوصول إلى تفاهمات وتوافق كامل حول إدارة مياه النيل.
واتفاقية "عنتيبي" وقعتها دول حوض النيل بالمدينة الأوغندية التي تحمل هذا الاسم؛ عام 2010، ونصت على الاستخدام المنصف والمعقول بين دول الحوض لمياه النيل. وقد وقعت عليها خمس دول من أصل عشر في حوض النيل، وهي: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا. فيما رفضت الاتفاقية دولتا المصب، السودان ومصر؛ لأنها تنهي الحصص التاريخية لهما، وهي 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان سنويا.
ظروف معقدة وفقر مائي
وتسعى القاهرة في ظل الظروف المعقدة في ملف مياه النيل؛ لطرح صيغة توافقية لحلحلة الوضع القانوني الحالي في المبادرة، خاصة بعد توقيع السيسي اتفاقية إطارية حول سد النهضة الإثيوبي بمشاركة السودان وإثيوبيا في آذار/ مارس 2015، والتي اعتبرها الخبراء تنازلا مصريا عن حصتها بمياه النيل، وانتزاع إثيوبيا اعترافا من السيسي بتجاهل الاتفاقيات القديمة التي نصت على حصة مصر.
واعترافا من حكومة الانقلاب بتأزم الموقف، طالب وزير الإسكان مصطفى مدبولي، في 18 آذار/ مارس الجاري، بتحلية مياه البحر واستخدامها للشرب، بعدما أعلن أن مصر دخلت رسميا مرحلة الفقر المائي، بتراجع نصيب الفرد من
المياه إلى أقل من 700 متر مكعب سنويا، وهو تحت خط الفقر المائي المحدد بـ1000 متر مكعب.
ذر للرماد
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي، أن "القرار المصري جاء متأخرا وضعيفا، ولا يعدو كونه مجرد ذر للرماد في عيون الرأي العام المصري بعد مواقف نظام السيسي المخزية وتفريطه المهين في مقدرات الشعب المصري وثرواته ومياهه"، على حد وصفه.
وفي حديثه لـ"
عربي21"، وصف الشرقاوي الخطوة المصرية بأنها "تحصيل حاصل، وموقف العاجز غير القادر علي فعل أي شيء بعد تأكده من فوات آوان العمل"، مشيرا إلى أن عودة القاهرة لاتفاقية "عنتيبي" يعد اعترافا من النظام بضياع حقوق مصر بعد بناء سد النهضة، وبما أسماه "الرضوخ المصري الكامل أمام إثيوبيا".
خضوع دون مقابل
وتوقع الشرقاوي عدم نجاح النظام في تغيير بعض بنود "عنتيبي" وفشله في انتزاع اعتراف بحقوق مصر المائية، مضيفا أنه "لو كان النظام انضم للاتفاقية منذ البداية وأجرى المفاوضات في إطارها؛ كان من الممكن تحقيق مكاسب أكبر"، وفق تقديره.
وأوضح أن النظام المصري "كان بإمكانه وضع شروط للانضمام إلى "عنتيبي"، وكانت إثيوبيا وقتها ستقبل؛ لأنها كانت تضغط على مصر منذ فترة طويلة للانضمام للاتفاقية"، مضيفا أن "الرقابة المشتركة من دول الاتفاقية (دول حوض النيل) كانت ستمثل ضمانة أفضل لحقوق مصر".
وتابع الشرقاوي "انضمام النظام الآن لـ(عنتيبي) يأتي دون مقابل، وبعدما أوشكت إثيوبيا على بناء سد النهضة الذي أصبح أمرا واقعا"، معتبرا أن "مكاسب مصر بالتالي أقل بكثير، وتوشك ألا تكون هناك مكاسب ملموسة جراء هذا الانضمام المتأخر أو بالأحري الرضوخ الكامل للموقف الإثيوبي".
مرسي والعسكر
وقارن الشرقاوي بين تعامل النظام العسكري في مصر مع ملف مياه النيل، وبين الرئيس محمد مرسي، وقال: "الفارق الجوهري أن الرئيس مرسي كان يعتمد علي مستشارين متخصصين، وكان يحشد القوى الوطنية وممثلي الشعب المصري خلفه وخلف أي موقف محتمل يمكن أن يتخذه للحفاظ علي مصالح الشعب المصري وحقوقه في مياهه وثرواته"، وفق قوله.
ورأى أن "العسكر الجهلة يستعينون بأهل الثقة لا الخبرة، وبافتراض استبعادنا لنظرية المؤامرة في خيانة الشعب عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد، فإن أقل ما يمكن أن نصف به موقف السيسي ونظامه تجاه هذا الملف البالغ الأهمية للمصريين، هو أنهم أهملوا إهمالا جسيما ارتكبوا من خلاله جريمة عظمى في حق الوطن والمواطن وهذه الجريمة ترتقي للخيانة العظمي وتستحق المساءلة والمحاكمة"، بحسب تعبيره.
احتراف إثيوبي
وفي تعليقه على ملف مياه النيل بشكل عام، قال أستاذ العلوم السياسية مصطفى علوي، في حوار نشرته صحيفة "الشروق" الثلاثاء، "إن إثيوبيا لعبت بشكل حِرفي خطير خلال الأربع سنوات الأخيرة، حيث أعطت المشروع هندسيا لشركة إيطالية، والجزء الكهربي أعطته لشركة إسرائيلية، كما أنها أجرت اتصالات سياسية مع كثير من دول أفريقيا، ونالت تأييدا من جميع هذه الدول، بما فيها السودان"، وفق قوله.
وانتقد علوي توقيع السيسي في آذار/ مارس 2015 الاتفاقية الإطارية مع إثيوبيا، متسائلا: "كيف نوقع على تلك الاتفاقية ونحن نمتلك خمس اتفاقيات تاريخية ما زالت سارية؟".
ولفت إلى أن الدولة لم توظف الخبرات المطلوبة في فريق العمل الخاص بالأزمة بالشكل الفاعل، داعيا إلى استمرار التواصل مع إثيوبيا، "فلم يعد خيار نسيانها موجودا، بعد الانتهاء من نحو 60 في المئة من السد"، وفق تعبيره.